هل يمكن تسمية الأسد مجرمًا.. وهل تجب المطالبة بمحاكمته أولًا؟

  • 2018/11/25
  • 12:00 ص
منصور العمري

منصور العمري

منصور العمري

أصدرت منذ أيام أبرز منظمات المجتمع السوري التي بدأت عملها بعد انطلاق الثورة السورية، بيانًا ترحب فيه بإدانة أذرع بشار الأسد القاتلة، تحت عنوان: “نحو محاسبة وعدالة تنهي الإفلات من العقاب في سوريا”. خلا البيان من أي إشارة إلى بشار الأسد، رأس النظام والإجرام في سوريا.

في عالم المنظمات غير الحكومية التي تدعم أغلبها دول ومنظمات أوروبية، قد تسود أفكار من قبيل أن المطالبة بمحاكمة بشار الأسد صراحةً أصبحت خطًا أحمر بحجة التعايش والعملية السياسية في سوريا.

قد نفترض أنه ليس من مهام بعض المنظمات الدولية غير الحكومية تسمية المجرمين، لكن المؤكد أن إحدى المهام الرئيسية للمنظمات السورية غير الحكومية، وخاصة الحقوقية منها، التصريح بشكل لا لبس فيه، أن أولويتها هي محاكمة بشار الأسد رأس الإجرام في سوريا، إن كانت هذه فعلًا أولوية عملها، فالمهمة الرئيسية للمنظمات الحقوقية هي توثيق الجرائم ودعم محاسبة المجرمين لا الانجرار خلف الحسابات السياسية.

يركّز الموقف الأوروبي السياسي على إنهاء الحرب في سوريا ولو استمر بشار الأسد رئيسًا لها، لكن هذا الموقف لا يعني أن الأسد لم يعد مجرمًا تاريخيًا. الموقف الإنساني والواجب هو النظر إليه كمجرم تجب ملاحقته ومحاسبته لا إعادة تأهيله، أو وضع الأيدي بيده الملطخة بدماء السوريين من جميع الأطراف، والتي تفوح منها رائحة السارين والكلور. يصرح بعض السياسيين الأوروبيين بمقولة حق يراد بها باطل: “الشعب السوري هو من يختار من يحكمه”، وكأنهم ما سمعوا أو رأوا ملايين السوريين في الشوارع يقولون لا لبشار الأسد. هل كان الأوروبيون سيقبلون بهتلر رئيسًا لو أراد الألمان ذلك؟! ألا يعلمون أنه لا وسيلة تحت حكم الأسد للتعبير عن الرأي بحرية والتصويت دون الخوف من الاختفاء خلف الشمس؟

رغم تمسك حكومات أوروبية بالجانب الأخلاقي حتى اليوم، وإصرارها على عدم إعادة اللاجئين عنوة إلى سوريا، إلا أنها تواجه ضغوط الشعبويين الذين استغلوا ورقة اللاجئين في أوروبا، واعتمدوا المصالح وحب السلطة فوق المبادئ الأخلاقية. لكن هذا لا يعني أنه يجب على المنظمات السورية تبني موقف ملتبس، فلا هم يتعرضون لضغوط الشعبويين، ولا مصالح مادية لهم. قد يقول البعض إن هناك حالة وحيدة تمنع هذه المنظمات من الحديث بصراحة عن ضرورة محاسبة الأسد أولًا، وهي أن مموليهم يمنعونهم من ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، وتدخل الرقابة الذاتية لدى مديري هذه المنظمات. لا أرى أن هذا الاحتمال موجود، على الأقل بالنسبة للمنظمات الحقوقية السورية العريقة والتي قدمت كل التضحيات الممكنة، فانسجام مطالبات هذه المنظمات مع أدائها وجوهرها ضرورة لأن هذه المنظمات ومديريها أكثر من يعرف مدى إجرام الأسد، نتيجة لعملهم في توثيق جرائمه.

تقارير عديدة صدرت عن لجان تابعة للأمم المتحدة بما فيها “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية”، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وأكبر منظمات حقوق الإنسان المستقلة مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” و”مراسلون بلا حدود”، وعديد من الحكومات، تدين الأسد بجرائم كبرى وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

في 13 من آب 2017، قالت كارلا ديل بونتي، العضو البارز في لجنة التحقيق الأممية المعنية بسوريا، إن اللجنة جمعت أدلة كافية لإدانة الرئيس بشار الاسد بارتكاب جرائم حرب.

لا يجب أن تكون مطالبات المنظمات السورية أقل صراحة من المنظمات الدولية، بل يجب أن تكون المنظمات السورية رأس الحربة في المطالبة بمقاضاة الأسد، ويجب أن يكون سقف المنظمات السورية هو الأعلى، ويجب أن يعلو على سقف السياسات الأوروبية.

لا بد من التذكير والتصريح الدائم بضرورة محاسبة بشار الأسد أولًا.

تكمن أهمية التصريح الواضح والدائم بضرورة محاسبة بشار الأسد أولًا، في تذكير الدول والمنظمات التي تعمل مع الأسد أو تفكر في إعادة تأهيله، بأن السوريين لن يتنازلوا عن حقوقهم مقابل مصالح الغرب أو تحت أي ضغوط. توجه هذه المطالبة رسالة واضحة إلى الأوروبيين والمبعوث الأممي الجديد إلى سوريا، بأن لا مكان للأسد سوى خلف القضبان، وأنه لا تجوز إعادة لاجئ سوري واحد، طالما بقي الأسد على رأس السلطة، كما أنها تشكل ضغطًا على هذه الجهات كي لا تمارس دورًا تاريخيًا في إعادة تأهيل أكبر مجرمي العصر. هذا الموقف يشكل بالنتيجة حماية لهذه الجهات أيضًا من نفسها ومن وقوعها في كارثة تاريخية قذرة، لن ينساها السوريون وشعوب هذه الجهات أيضًا، ويقول للحكومات إن السوريين متمسكين بمبادئ العدالة والإنسانية ربما أكثر منها.

في اللغة العربية يمكن وصف شخص بفعل إن كرره أو كان منهجيًا، أي يمكن وصف بشار الأسد بالمجرم، وهو وصف دقيق لغويًا وعلميًا وإنسانيًا.

جاء في قاموس لسان العرب أن: “الجُرْمُ: الذنب وهو الجَرِيَمةُ، وجَرَمَ يَجْرِمُ جَرْمًا واجْتَرَمَ وأَجْرَم، فهو مُجْرِم”.

أما في معجم المعاني الجامع: “مُجْرِم: فاعل من أَجْرَمَ. الْمُجْرِم: الَّذِي ارْتَكَبَ جُرْمًا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ العِقَابَ. مُجرِّم: فاعل من جَرَّمَ. أَجْرَمَ: (فعل) أجرمَ يُجرم، إجرامًا، فهو مُجْرِم. أجرم الرَّجُلُ: ارتكب ذنبًا أو جنَى جناية”.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي