محمد رشدي شربجي
لعل من حظ السوريين الثائرين العاثر أنهم ينتمون للإسلام، فالعالم لا يلتفت للجرائم -إذا فعل- إلا بعد معرفة هوية الضحية والقاتل، هذا أولًا، وثانيًا فإن انتماءنا للإسلام سهّل اختراقنا من قبل السلفية الجهادية، وهي في حالتنا سرطان فكري ينتشر في جسد المسلمين السنة المنهك حتى يقضي عليه.
والأنظمة تدرك الحقيقة آنفة الذكر، فمن جهة تقول للغرب (برغم كل هراء السيادة يبقى الغرب مصدر الشرعية الوحيد للأنظمة العربية من المحيط إلى الخليج) إنها حكومات علمانية تحمي الغرب من شعوبها المسلمة التي تنتظر بفارغ الصبر انتهاء كل هذا لتعلن الخلافة والسيطرة على العالم، ومن أجل ذلك فإنه لا حل مع هذه الشعوب المتوحشة إلا مزيد من التوحش والقهر.
والتوحش وصفة مثالية لنمو السلفية الجهادية، وهي في الحقيقة شكل تحول السنة إلى طائفة، عدا أنها بيئة مثالية لجعل أي حديث عن عملية إصلاح ديني ضربًا من ضروب الخيانة والرِّدة، إن التوحش يخلق الوحش، والوحش والتوحش هما بضاعة الأنظمة لمواجهة الداخل والخارج على السواء.
ليس غريبًا أن يكون التيار المدني الديمقراطي الذي مثله ناشطو كفرنبل عدوًا مشتركًا للنظام السوري والسلفية الجهادية على السواء، فهو التيار الوحيد الذي يسلب النظام والسلفية الجهادية حجة وجودهما. لا يمكن نفي ضلوع النظام في عملية الاغتيال، وإن كان من المرجح بالنظر إلى تجارب سابقة أن تكون جبهة النصرة من فعلها، مع أن التمييز بين الجهتين ليس ذا معنى أو فائدة.
وحده أن تبقى “إنسانًا” في زمن الوحوش الضارية هو شيء عظيم، ألا تتحول إلى قاتل وسارق ومصاص دماء وتاجر قضايا وشعارات وأديان ومذاهب ليس شيئًا عاديًا، فـ “العادي” في “سوريا الموت” هو العكس تمامًا أن تكون واحدًا مما سبق أو جميعهم.
رائد الفارس شخصية لا يمكن وصفها بكلمات، صديق الشباب والمراهقين، من جنازته يعرف المرء كم هو قريب للناس وهمومهم، كان بإمكانه المكوث في أي بلد ولكنه آثر كفرنبل، حياته الثورة، ينام ويفيق في مقر عمله في راديو فريش ومكتب قوى الثوة. رائد فارس لم يكن عاديًا، هو وحمود جنيد وقبلهما خالد العيسى ورزان زيتونه ويحيى شربجي كانوا أناسًا أكلتهم الوحوش.