نقل الملكية العقارية في سوريا..
“حق دستوري” تعيقه الموافقة الأمنية
عنب بلدي – حلا إبراهيم
اتبع النظام السوري منذ عام 2011 مجموعة من السياسات لتكبيل أيدي المواطنين وتقييد حرياتهم حتى بالتصرف بأملاكهم، وكان التعميم الذي صدر عن رئاسة مجلس وزراء النظام عام 2015 بداية لهذه الإجراءات.
إذ فرض التعميم رقم 463 لعام 2015 وجوب حصول المواطنين على موافقة أمنية مسبقة قبل بيع أو التصرف بالعقارات المملوكة من قبلهم، مستثنيًا المصارف الخاصة من شرط الحصول على الموافقة الأمنية للمنفذ ضده (المدين).
ثم أصدر وزير العدل، في شباط من العام الحالي، تعميمًا يمنع إجراء البيع بالمزاد العلني إلا بعد الحصول على الموافقة الأمنية. التعميم أثر على مصالح قسم كبير السوريين الراغبين ببيع عقاراتهم في المزادات العلنية لأسباب مختلفة مثل إزالة شيوع العقار الذي يملكه عدة أشخاص كالورثة مثلًا، أو وفاء لدين مترتب بذمة مالك العقار لأحد الأشخاص.
عاد الجدل حول التعميم مؤخرًا إلى الواجهة بعد أن تداول محامون صورة لقرار صدر عن دائرة التنفيذ القضائي بدمشق، بوقف إجراءات التنفيذ على أحد العقارات بالاستناد إلى تعيم وزير العدل، وتأجيل بيعه بالمزاد العلني وذلك وفاء لدين بذمة مالكه بسبب عدم الحصول على موافقة أمنية لمالك العقار.
وتداول رجال قانون ومحامون، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، صورة قرار صادر عن محكمة الاستئناف المدنية الأولى بدمشق، يقضي بمتابعة إجراءات التنفيذ على العقار وفسخ (إلغاء) قرار رئيس التنفيذ الذي يتضمن التريث في البيع بالمزاد العلني لحين الحصول على موافقة أمنية، وما تبعه من رفض رئيس التنفيذ تنفيذ قرار البيع رغم صدوره عن جهة قضائية، بسبب وجود إذاعة بحث بحق المنفذ ضده.
تعليق حقوق يكفلها الدستور
يرى المحامي رائد في مدينة دمشق (تحفظ على اسمه الكامل لأسباب أمنية) أن القرار الصادر عن دائرة التنفيذ القضائي في وزارة العدل يخالف الدستور لكونه يمنع الأشخاص من بيع ونقل الملكيات.
ويضيف المحامي لعنب بلدي، “ليس من المعقول ولا المنطقي أن يحول عدم حصول أحد الورثة على موافقة أمنية دون تقسيم التركة بين هؤلاء الورثة، هناك عقارات بعشرات الملايين من الليرات أصحابها لا يستطيعون بيعها بسبب تعذر حصول أحد المالكين على موافقة أمنية، نظرًا لأنه مطلوب أمنيًا أو قضائيًا”.
ويعتبر المحامي أن “نقل الملكية حق يكفله الدستور ولا يجوز منعه إلا لسبب قانوني، وهنا فإن عدم وجود موافقة الأمنية للمنفذ عليه (المراد بيع عقاره في المزاد العلني) لا يعتبر سببًا قانونيًا لوقف التنفيذ”، لافتًا إلى “كثرة الحالات التي يتوقف فيها التنفيذ بعد الحصول على حكم قضائي، بسبب طلب الحصول على موافقة أمنية للمنفذ عليه”.
وعلى خلاف المواطنين، تستثني وزارة العدل في تعميمها الصادر في شباط الماضي الجهات العامة (الوزارات والدوائر الحكومية) من شرط الحصول على الموافقة الأمنية، فهذه الجهات تستطيع التنفيذ والبيع بالمزاد العلني حتى في حال عدم وجود موافقة أمنية للمنفذ ضده.
تهرب من أداء الحقوق بإذاعات بحث
يطالب محامون سوريون، خاصة وكلاء الدائنين، بإلغاء العمل بهذا التعميم لما يتسبب به من ضياع لحقوق موكليهم، ومنهم المحامي رائد الذي يرى أنه “يعرقل تنفيذ الأحكام القضائية ووصول أصحاب الحقوق إلى حقوقهم، فيمكن بكل بساطة أن يلتف المنفذ ضده على القانون، مستغلًا الثغرة الموجودة في هذا التعميم، ويتفق مع أحد الأشخاص لتقديم شكوى صورية (شكلية) بحقه، وبالتالي صدور إذاعة بحث ضده، والتي من شأنها أن تحول دون حصول طالب التنفيذ (المحكوم لصالحه) على موافقة أمنية للمحكوم ضده”.
سمير أحد الورثة على عقار في منطقة المهاجرين (رفض نشر اسمه كاملًا لأسباب أمنية)، هو أحد المتضررين من الثغرة الموجودة من التعميم.
يشرح سمير قضيته لعنب بلدي بقوله، “بعد أن توفي والدي ورثنا أنا وإخوتي حصته الإرثية في منزل جدي الذي يقع في حي المهاجرين، وهو حي معروف بارتفاع أسعار عقاراته، وعندما اتفقنا (نحن الورثة) على بيع هذا العقار وتقاسم ثمنه كل حسب حصته، قام أحد أعمامي ببيع حصته لشخص غريب عن عائلتنا، والذي أصبح يبتزنا ويطلب ثمنًا باهظًا لحصته ليقبل بيعها”.
رفض الورثة البيع بشروط الشريك ورفعوا دعوى إزالة شيوع، وصدر حكم ببيع العقار بالمزاد العلني، لكن المزاد لم يتم، وفق ما قاله سمير لعنب بلدي، موضحًا، “فوجئنا بوجود إذاعة بحث بحق هذا الشخص (شريكنا في ملكية العقار)، وهذا ما عرقل إجراءات البيع، وعندما طلبنا منه حل مشكلته القضائية أصبح يبتزنا بطلب مبلغ إضافي”.
الموافقات الأمنية تشل حركة الناس
لا يقتصر فرض الحصول على موافقة أمنية قبل بيع العقارات، بل تشترط الحكومة أيضًا موافقات أمنية على استئجار العقارات أيضًا منذ عام 2011.
ومؤخرًا تداولت صفحات إخبارية محلية أخبارًا عن إلغاء شرط الحصول على موافقة أمنية لعقد الإيجار، ولكن قرار وزارة الداخلية الصادر برقم 2744، في 15 من تشرين الثاني الحالي، جاء بمجموعة إجراءات أمنية يشترط اتخاذها عند تنظيم عقد الإيجار.
إذ يجب تسجيل عقد الإيجار الموقع من طرفي العقد في مركز خدمة المواطن، وعقب ذلك يرسل المركز نسختين من العقد إلى الوحدة الشرطية (مخفر الشرطة) في المنطقة، للتدقيق في الوضع القانوني للمستأجر إن كان مطلوبًا أمنيًا أو قضائيًا ليتخذ الإجراء اللازم بحقه.
وفي حال عدم وجود أي مخالفة قانونية أو قضائية، يتم إبلاغ المركز في نفس اليوم بعدم وجود مانع من سريان العقد.
ووفق القرار، ترسل الوحدة الشرطية نسخة من العقد إلى فرع الأمن السياسي لإجراء التدقيق الأمني للمستأجر، دون توقف سريان عقد الإيجار على ورود نتيجة التدقيق الأمني في الفرع.
وإن تبين أن المستأجر مطلوب أمنيًا يتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه بعد أن أصبح مكانه معلومًا.
وسابقًا كان المستأجر يتوجه، بعد كتابة العقد، إلى أقرب مخفر شرطة ليقدم طلبًا ويملأ استمارة تفصيلية، تتضمن بياناته كاملة، للحصول على موافقة من أجل السكن، على أن يراجع الطلب لمعرفة نتيجته بعد 15 يومًا من تقديمه.
وتخضع عقود الإيجار في سوريا للقانون رقم 6 الصادر عام 2001، وأهم مواده أن “العقد شريعة المتعاقدين” وهو ما يجعل الطرفين (المستأجر والمؤجر) يتفقان على أن مدة معينة للعقد يتوجب على المستأجر بعد انتهائها تسليم العقار لمالكه، وفي حال امتناعه يتم إلزامه عن طريق القضاء.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :