مثل جميع عظماء الأدب الذين يسكنهم القلق على النص الذي كتبوه والشعور بأنهم لم يقدموا ما يستحق الإشادة، قدّم «روجيه غارودي» لروايته «من أكون باعتقادكم» قائلًا:
«لماذا كتبت هذه الرواية؟ لأنني لم أكن أملك أن أفعل غير ذلك. لقد كانت كتبي حتى الآن أبحاثًا ودراساتٍ عن السياسة والدين والفنون، لأنه كان عندي كل مرة جواب عن مسألة.. أو أنني كنت أعتقد ذلك.
هذه المرة ليس عندي جواب أعطيه، ليست لدي أطروحة أدافع عنها.. أستطيع فحسب أن أصرخ بأسئلة وتناقضات وبداءات. ولكي أصرخ، لا بد أن يكون ثمة بشر أحياء».
لكن من يقرأ هذا النص المفعم بالإيمان يعلم أن «غارودي» لم يكتب كأي راوٍ تائه ولم تكن كلماته صرخة فحسب، بل قدم فيها عصارة فلسفة متكاملة عميقة لحياة تستحق الحياة، وخلاصة تجربة وجودية عالية المستوى، وجوابًا عن سؤال الغاية والمعنى للإنسان والحضارات.
يعرض «غارودي» حكاية بطل عاش متمردًا على كل القوانين ومجرمًا بحكم القانون ليصبح نبيًا وقائد ثورة، ينتقل من حضارة المادة والكم والاستهلاك ثائرًا عليها وعلى الدين الخالي من المعنى والأشياء التي لا مغزى منها، مع مجموعة من رفاقه الذين قادتهم السفن التي أحرقوها خلفهم مع إرادتهم وإيمانهم للمجازفة لاختراع قدرهم، ورفض العالم الحاضر، لا للعودة إلى عصر ذهبي ما أو نظام مقدس، بل لخلق نموذجهم من العدم:
«إما أن تكونوا أنتم أنفسكم.. واثقين من قواكم الذاتية، فسنرتكب المزيد من الأخطاء طوال أعوام قادمة، ولكن ليس أكثر من الخبراء المزعومين الذين يقودون العالم القديم إلى الانتحار».
كتب «غارودي» الرواية في عام 1968م، مستشرفًا من خلف شقوق الحضارة التي بدأت تتصدع أملًا لحضارة إنسانية، تحملها أكتاف الجيل الجديد، حضارةً معجونة بالحب والله والعلم والفن والإنسان، عالمًا يعيد تعريف الثقافة والفن والموسيقى والرسم والمعمار والبطولة.
الترجمة لسهيل إدريس أضفت موسيقى شعرية على النص ونقلت القلق العميق الذي أمسك به المؤلف قلمه إلى القارئ العربي ليجعله مشدودًا كالوتر على طول أحداث الرواية التي تستحق أن تكون رواية خالدة.