أولًا.. المعتقلون

  • 2018/11/18
  • 11:35 ص
حذام زهور عدي

حذام زهور عدي

حذام زهور عدي

في موضوع النهوض وإعادة زخم الثورة السلمية، المعتقلون هم الأبجدية.

في هذه الأوقات يواجه معتقلون في سجن حماة أحكامًا ميدانية بالإعدام بسبب مشاركتهم في التظاهرات السلمية التي عمت سوريا خلال الأشهر الأولى من الثورة السلمية، وكأن الاعتقال سبع سنوات وعذابات التحقيق والابتزاز المالي الذي تعرض أهلوهم له لم يكن كافيًا كعقوبة مواجهة المعارضة السلمية للنظام الأسدي، وكأن هذه المعاناة لم تشفِ القلوب الحاقدة على هؤلاء الشباب بسبب رفضهم الإذلال والفساد والأزمات المتفاقمة التي أمعن ذلك النظام بمراكمتها مطلقًا يده دون حسيب أو رقيب بمصائر الدولة والوطن والشعب السوري، فوجد أن خير تربية لشباب سوريا الرافضين إعدام هؤلاء ليملأ الرعب قلوبهم وبالتالي تصفو أجواء الفساد لأصحابه دون أن يُعكره صوت ضمير أو صراخ حر، قد يؤثر على حياتهم في يوم ما.

ألم تحقق مجازر حماة الصمت والخنوع اللذين أرادت الوصول إليهما؟ بل حققت الأهداف الأكبر منهما على مستوى الشرق الأوسط بأكمله، فقد حقق الإرعاب والإرهاب الأسدي مدّ حكم الأسرة حتى تجاوز 50 سنة محولًا الجمهورية العربية السورية إلى مملكة وراثية غير دستورية، يتمتع ملكها بحرية مطلقة في مملكته كحرية دوقات القرون الوسطى في ملكية أرضهم ومن عليها وبدؤوا يروجونها إعلاميًا باسم سوريا الأسد؟ ولهذا فإن أحكام الإعدام هذه هي إحدى جرعات الإرعاب، الوسيلة المجربة الفضلى لدوام السلطة، الهدف الذي بيع الشعب والدولة والوطن من أجله.

وقعت قرعة الإرعاب والمساومات الإعلامية على شباب سجن حماة هذه المرة، وبُشروا بقوائم أحكام إعدامهم التي ندر أن شهد التاريخ الإنساني مثيلًا لها، وضج السجن بالكارثة، وناشدوا أهل القرن الواحد والعشرين لينظروا في أمر أحكام العصور الحجرية وأسمعت نداءاتهم ضمائر معظم المنظمات الإنسانية وملأ صراخهم أجواء التواصل الإلكتروني والورقي والمسموع والمرئي، وعلى طريقة الأسرى الفلسطينيين بدؤوا بإضرابٍ عن الطعام لمحاربة الهمجية الاستبدادية بالأمعاء الخاوية علهم يستحصلون على نتائج مماثلة لما حصل عليه إخوتهم الفلسطينيون في إضرابهم ذاك… وفضلوا الموت جوعًا على الموت من خلال تلك الأحكام التي ليس لها مرادف في علوم القضاء والمحاكمات إلا ما يماثل معاني “الممانعة والمقاومة” في مفردات القاموس الإيراني- الأسدي، بُحت الحناجر ولا تزال عصا الأحكام تسوقهم إلى النهاية الموعودة.

سمع الحاكم الروسي بأمرهم بعد إلحاح المنظمات الدولية الإنسانية عليه، وأزال سدادات آذانه التي تلقفت أخيرًا شيئًا من صدى واجب بشري، ووعد خيرًا كما قيل، ولأمرٍ يخص السياسة الروسية في سوريا، بعد أن فقدت مصداقيتها بتعهدات المصالحات التي أشرفت على إنجازها، تلك التعهدات التي مع الأسف لم يتناسب تنفيذها مع دولة بحجم روسيا، أصدرت بيانًا أو تصريحًا تبلغ فيه معتقلي سجن حماة بأنها استطاعت ـبعد لأي وممانعة- إقناع المحاكم العتيدة بتأجيل التنفيذ! وربما -وهذا غير مؤكد- بإعادة النظر بالأحكام.

وكان عسكريو النظام الأسدي قد ساقوا كوكبة من هؤلاء الشباب إلى سجن صيدنايا، المشهور بمحرقته، من خلال مثل هذه الوعود التي شكك بها كثيرًا إخوتهم الآخرون، متسائلين عن معنى تأجيل الإعدام لشباب كان على هذا النظام أن يُفرج عنهم منذ سبع سنوات بل ألا يعتقلهم أكثر من أيام معدودة على أبعد تقدير؟

فهل تشارك السياسة الروسية صاحبة الأمر والنهي في سوريا مسرحية النظام الميدانية وتتحمل مسؤولية إعدامهم، كما فعلت سابقًا من خلال قصف المدنيين وتهجيرهم وقصف الأفران والمستشفيات والتغطية على كيماوي الأسد بالاثني عشر فيتو التي استخدمها المندوب الروسي في مجلس الأمن؟

الشعب السوري اليوم يُحمِل الشعب الروسي والسياسة البوتينية مسؤولية دماء ضحايا التدخل العسكري، من خلال الدعم السياسي واللوجستي وأنواع الأسلحة التي كانت تُقدم للنظام الأسدي. واليوم أكثر من أي وقت مضى على القيادة الروسية أن تتحمل -على الأقل- مسؤولية دولة احتلال وفق قوانين الأمم المتحدة، وعليها أن تعي أن الشعب السوري الذي كان في يوم ما صديقًا مخلصًا للشعب الروسي لن ينسى قابل الأيام وإلى ما شاء الله مسؤوليتها عن دماء أطفاله ونسائه وشبابه وشيوخه وعن تشريده وإذلاله وخراب وطنه، من أجل زعامة مريضة بالانتفاخ وادعاء المصالح.

ومن نافل القول إن الكلمة الأخيرة والفاعلة هي للشعب السوري، فعلى ناشطيه ونُخبه وجمهوره أن يملأ الساحات بالمهاجر والداخل على صعوبته، لإنقاذ المعتقلين جميعًا وشباب سجن حماة خاصة، إن تحركًا على برامج التواصل الاجتماعي أثمر أكثر من التحرك الإنساني العالمي وأجبر قيادة الاحتلال الروسي على التحرك، فكيف إن كان من خلال الشعب السوري بتجلياته المنوعة والمختلفة؟

والأهم من كل ما سبق أن التحرك السوري من أجل المعتقلين يمثل بابًا مفتوحًا على مصراعيه لإعادة التآلف بين المعارضين والثوار والرماديين، بل هو الأكثر اتساعًا لمن ينادي ويتحدث عن المصالحات الوطنية. إذ لا يمكن أن ينسى أو يتناسى الوجع الذي يتعمق في نفس من له عزيز في السجون يقتل جزافًا أو يُجهل مصيره أو يرقد فيه إلى أجل غير معروف.

العمل على الإفراج عن المعتقلين هو الخطوة الأولى لإعادة بناء الوطن، فهل من مستجيب؟

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي