طوق الياسمين.. بين عزلة المقابر وروح التصوف
مراجعة ملك رمضون
“الذاكرة مثل العاصفة أو الجنون، عندما تستيقظ لا أحد يستطيع إيقافها، تجرف كل شيء في طريقها بلا رحمة”، يقول الكاتب الجزائري واسيني الأعرج، في روايته “طوق الياسمين”، التي تتضمن سردًا روائيًا لشخصيات جزائرية تعيش في دمشق.
“طوق الياسمين” عبارة عن رسائل أو مذكرات تصف الأحداث التي وقعت للشخوص بطريقة مشوقة يصعب أحيانًا على القارئ تتبع خيوطها، فتنقطع انسيابيّة الأحداث، ويشعر بالتشوش أحيانًا، لكنها تحدث تغييرًا في النفوس وتستفز العقول في طرحها للأسئلة كي تثير الغبار من حولها.
تتكون الرواية من أربعة فصول تقع في 289 صفحة، يسرد من خلالها الأعرج قصتي حب بطريقة صوفية، الأولى قصة الراوي مع مريم التي أحبها وعشقته لدرجة الهَوَس، ولكن لم يردْ الالتزام معها بعقد زواج، فتركته لتتزوج من شخص آخر يعرفه.
والثانية قصة عيد عشاب، الشاب المسلم الذي قدم من الجزائر لإكمال دراساته العُليا في دمشق، كحال الراوي نفسه، ومريم أيضًا وغيرهم من الطلبة الجزائريين. عيد أحبَّ سيلفيا المسيحية، وأحبته وتقدم لطلب يدها، لكن والدها رفض تزويجها له بسبب اختلاف الدين.
لـ “طوق الياسمين” رمزيّة روحانية في هذه الرواية، إذْ يصف الكاتب نهر بردى وطوق الياسمين بلغة صوفية مُستمدة من عَالَم الحلم الروحي الخالص، كما فعل عيد عشاب مقتفيًا أثر “سيده محيي الدين بن عربي”، فقد عاش وحيدًا ومات وحيدًا مثله.
كما تتضمن الرواية مناقشة لمشاكل المجتمعات العربية من زاوية روحانية، فيقول الكاتب على لسان أحد شخوصها “الإنسان العربي هكذا، يولد ويموت في الهم. وكلما رأى شعاعًا صغيرًا في الأفق، شعر بتخمة في السعادة وعندما يقترب يصفعه السراب القاتل. الإنسان العربي لا يعرف أنه كلما خطا خطوة إلى الأمام متحاشيًا المزالق السابقة، وجد في طريقه من يأخذ بيده ويزج به نحو الحفر والمدافن”.
واسيني الأعرج من مواليد عام 1954، وهو من أهم الأدباء في الجزائر والعالم العربي، نال العديد من الجوائز، إذ اختيرت روايته “حارسة الظلال” ضمن أفضل خمس روايات صدرت بفرنسا، وترجمت أعماله للعديد من اللغات الأجنبية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :