عنب بلدي – حلا إبراهيم
“أن تنتظر عشر دقائق من سماع الإهداءات لتسمع أغنية مدتها لا تتجاوز ثلاث دقائق، وأحيانًا تطل (أم عمار) قبل نهاية الأغنية، لتعلن نهاية البرنامج، فيذهب نصف الأغنية المتبقي مع شارة النهاية. أعتقد أنه لو كانت هناك محطات أخرى في ذاك الوقت كنت استعنت بجهاز التحكم عن بعد (الريموت كونترول)، لأنقذ نفسي من هذا الملل”.
هكذا تصف ماجدة، وهي من مواليد أوائل الثمانينيات، مشاهدتها للتلفزيون الرسمي، الذي كان ولفترة طويلة من الزمن، رفيق السوريين عندما يبحثون عن الترفيه أو التثقيف. وتقول ماجدة لعنب بلدي، “أمضينا طفولتنا وليس أمامنا سوى ساعة من الزمن لبرامج الأطفال، أظنها من وجهة نظر علماء النفس والتربية الحديثة، صحيحة، إذ قرأت في دراسات كثيرة أن الطفل يجب ألا يشاهد التلفزيون مدة تزيد على ساعة يوميًا، لكني وقتها كنت أشعر بالحنق لأنها تنتهي بسرعة، فنضطر لإغلاق التلفزيون والذهاب لكتابة فروضنا المدرسية”.
لأكثر من 40 عامًا بقي المشاهد السوري على صلة دائمة بالتلفزيون الرسمي، أو ما كان يسمى “البرنامج العام”، إذ لم تكن هناك محطات فضائية، كون الأجهزة الأمنية في سوريا منعت تركيب الصحون اللاقطة لفترة حتى منتصف التسعينيات، من القرن الماضي، متأخرة بذلك عن معظم البلدان العربية.
يقول عادل، وهو طبيب أسنان سوري يقيم حاليًا في تركيا، “أنا من مواليد منتصف السبعينيات، وأعتقد أنه من حسن حظي أني حظيت بفرصة مشاهدة البرامج القديمة التي كان يبثها التلفزيون السوري، خصوصًا البرامج المنوعة والثقافية، مثل “من الألف إلى الياء”، لأنها “كانت ذات محتوى جيد قياسًا بتلك الفترة، لدرجة أننا كنا نعتمد على تلك البرامج بشكل كبير لتغذية مخزوننا الثقافي”.
أما البرامج التي يعرضها التلفزيون الرسمي وقنواته الفضائية في السنوات الأخيرة، فيجدها عادل خالية من أي محتوى تثقيفي، على حد قوله، خصوصًا أن مقدمي هذه البرامج لا يتمتعون بالثقافة الكافية ليقدموا معلومة للجمهور، بالإضافة إلى ميل معظم البرامج إلى الاستعراض.
ويؤيد الإعلامي السوري عبد المعين عبد المجيد، في حديث لعنب بلدي، كلام عادل، ويقول، “البرامج السورية كانت ناجحة، لاقتدار القائمين عليها، نقطة الضعف الوحيدة كانت الجانب الفني، فقد كنا متأخرين عن غيرنا من تلفزيونات عربية”.
بعد 58 عامًا على انطلاق البث التلفزيوني.. كيف أصبحت البرامج
يروي الممثل السوري دريد لحام، في أحد اللقاءات التلفزيونية، كيف قدّم مع مجموعة من الممثلين، على رأسهم الراحل نهاد قلعي، بالإضافة إلى محمود جبر، وطفلة اسمها تاج باتوك، برنامج منوعات اسمه “الإجازة السعيدة”، وكان ذلك بداية انطلاقة الثنائي دريد ونهاد، قبل أن تُعرف شخصيتا “غوار الطوشة” و”حسني البورظان”.
يقول لحام، “طلبت من المخرج خلدون المالح ألا يظهر شخصيتي الحقيقية في الاسكتشات التمثيلية، إذ كنت أقدّم شخصية (كارلوس) وذلك لأسباب عائلية، ولعدم وجود اختصاصي المكياج اضطررت للظهور بشكلي الحقيقي، وذلك لأن البرنامج كان يبث على الهواء، إذ لم يكن هناك تسجيل”.
وعلى الرغم من بساطة المشاهد التمثيلية في تلك الحقبة، إلا أن عدم خضوع هذه المشاهد للمونتاج، وإتاحة الفرصة للممثل لإعادة المشهد شكلا عبئًا كبيرًا يبرز قدرة غير عادية كان يتمتع بها الممثل السوري قديمًا.
كان هذا في بدايات التلفزيون الرسمي، ثم بدأت البرامج المنوعة بحجز مواعيد ثابتة عبر خارطة البرامج اليومية، مثل برنامج “البيت السعيد” للمذيعة ناديا الغزي، و”ما يطلبه الجمهور” الذي كانت تقدمه ماريا ديب.
برامج الفترة الذهبية في التلفزيون
“كنت أعتبر كل عائلة في سوريا مراسلين للبرنامج، هم الذين يخبروننا أين توجد فعاليات أو أحداث، المجتمع السوري فسيفساء بطريقة عجيبة، فكنا نتوجه مثلًا إلى حمص للتصوير، فنفرغ أشرطة التسجيل قبل أن نصل لكثرة ما نصادفه من أحداث وتنوعات تستحق التسجيل، فكنا كثيرًا ما نلغي السفر في منتصف الطريق”.
من أهم الوجوه التي بقيت في ذاكرة السوريين هو الإعلامي عبد المعين عبد المجيد، إذ قدم برنامجًا من الناس وإليهم، هو “التلفزيون والناس”، في تجربة جديدة على المشاهد السوري، ما شكل نقلة في برامج التلفزيون.
يروي عبد المجيد تجربته في التلفزيون منذ عام 1977، ويقول لعنب بلدي، “كنت محظوظًا إذ أتاحت لي الظروف أن أعمل مع إعلاميين كبار مثل الراحل عدنان بوظو، ومهران يوسف، والياس حبيب، وغيرهم، وهذه الفرصة غير متاحة لجيل الإعلاميين الجدد، لأنهم وجدوا أنفسهم وحيدين بعد غياب هذه الخبرات”.
وعن برنامجه الشهير “التلفزيون والناس”، يقول عبد المجيد “بدأت ببرنامجي كتجربة تقديم أولى لي، أعتبره بالإضافة إلى برامج أخرى منوعة من البرامج التي طبعت في ذاكرة السوريين”.
وعن رأيه بالبرامج التي كان يعرضها التلفزيون السوري خلال الثمانينيات والتسعينيات، يقول عبد المجيد، إن “البرامج التي كانت معروفة منذ بداية تأسيس التلفزيون السوري حتى عام 90 حظيت بمشاهدة كبيرة، وحتى لو تمت إعادة تلك البرامج هذه الأيام، فالناس سوف تتابعها، فعلى سبيل المثال برنامج (طرائف من العالم)، كان هذا البرنامج مرتبطًا بطريقة تقديمه من قبل توفيق البجيرمي وتعليقاته (تفضل يا رعاك الله)، كذلك برنامج (من الألف إلى الياء) أيضًا كان مقدمه، موفق الخاني، يترجم مواضيع قيمة عن اختراعات عالمية، لم يكن يتسنى للمشاهد الاطلاع عليها لوحده، وأيضا بطريقة تقديم مميزة، “مجلة الشعب” لمحمود الخاني، أيضًا تميز بجرأة طرح القضايا، والتي كان من شأنها أن تغير الأسواق، خصوصًا كونه برنامجًا خدميًا لا يتعلق بالسياسة”.
وعن البرامج السياسية، يضيف عبد المجيد، “هناك برنامج (التقرير الجوال) الذي أعده محمد عادل مشخص، والذي أرى أنه سبق محطات فضائية عالمية في أيامنا هذه، من خلال تحليله لقضايا سياسية، إذ تلجأ معظم المحطات إلى الاستعانة واستضافة محللين سياسيين في برامجها السياسية”.
أما عن البرامج الثقافية فيقول عبد المجيد “ضم التلفزيون السوري معدّي ومقدمي برامج يتمتعون بثقافة عالية، فكانت هناك برامج عن السينما، (الفن السابع)، وعن الموسيقا (لغة العالم)، وحتى البرامج التي كان يتم إنتاجها من قبل شركات خاصة عربية، كانت تتمتع بشعبية ونسبة مشاهدة شبيهة بالدراما السورية في ذلك الوقت”
كثيرة هي البرامج التي يتم عرضها يوميًا عبر القنوات الرسمية، وحتى القنوات الخاصة المحلية، بعضها استطاع أن يلامس شيئًا من ألق الماضي، لكن معظمها لم يستطع تجاوز اللحظة التي عرض فيها.