هاربون من العدالة يحتمون في “حضن الأسد”

  • 2018/11/18
  • 12:18 م

جندي في قوات الأسد يلوح بعلم ورشاش بعد غارات إسرائيلية استهدفت دمشق - 14 نيسان 2018 (رويترز)

حلا إبراهيم | رهام الأسعد | مراد عبد الجليل | نور عبد النور

في العام 2014 رجح مركز “سيمون فيزنتال” لملاحقة النازيين أن يكون ألويس برونر، وهو أحد آخر مجرمي الحرب النازيين المطاردين، قد توفي في سوريا منذ أربعة أعوام.

أعاد إعلان وفاة برونر حينذاك الحديث عن واحدة من أكثر الشخصيات غموضًا، كما يصفه المركز، نظرًا لشح المعلومات حول قضيته، والتي بدأت عندما غادر ألمانيا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ووصل إلى سوريا في بداية خمسينيات القرن الماضي، ليحظى لمدة تقارب الستين عامًا بحماية من الملاحقة الدولية.

برونر الذي عاش في حي الروضة الدمشقي تحت اسم “جورج فيشر”، لم تكن تُعرف هويته الحقيقية بين الجوار، ولكن في المقابل لم يكن وجوده في سوريا سرًا بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الأوروبية، وفق ما يؤكده المركز الذي يتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية مقرًا له.

إذ تكررت المطالبات به لمحاكمته كمسؤول عن إبادات جماعية في ألمانيا على نطاق واسع، وحتى عام 2008، أي قبل عامين من وفاته.

صحيفة “Revue 21” الفرنسية نشرت العام الفائت تقريرًا قالت فيه إن برونر دفع ثمن تأمين سلامته للنظام السوري استشارات غير رسمية لحافظ الأسد، ليسهم، وفق الصحيفة، في بناء “منظومة الأسد المخابراتية الرهيبة”.

جماعة “أنصار الله” هي جماعة فلسطينية تأسست عام 1990 ككتيبة في حركة “فتح” الفلسطينية، لكن تقربها من “حزب الله” اللبناني ومساندتها له أدى إلى انفصالها عن “فتح”.

قصة برونر التي شغلت الاستخبارات العالمية، لم تكن الأخيرة التي يحمي فيها النظام السوري فارين من العدالة، الأمر الذي تحول بعد الثورة السورية إلى حالة أكثر وضوحًا.

ورغم التزام سوريا باتفاقيات دولية وإقليمية لتسليم المجرمين والملاحقين قضائيًا، لكن أي قرار قضائي بوجوب تسليم أي مطلوب لدولته غير ملزم للسلطة التنفيذية، وتبقى لها حرية تنفيذه أو عدم الأخذ به.

آخر تلك الحوادث وقعت بداية الشهر الحالي، حين هرب أمين عام جماعة “أنصار الله” الفلسطينية، جمال سليمان، من مخيم “المية ومية” في لبنان إلى منطقة المزة في العاصمة السورية.

“الوكالة الوطنية للإعلام”، الناطقة باسم الحكومة اللبنانية، نقلت أن سليمان هرب مع 17 شخصًا من عائلته وأشقائه وعدد من مرافقيه، بعد أن شهد المخيم الفلسطيني اشتباكات مسلحة بين جماعة “أنصار الله” وحركة “فتح” وقوات الأمن الوطني الفلسطيني.

ولم يعلق النظام السوري أو يعترف بوجود سليمان على الأراضي السورية، حاله حال نوح زعيتر، أشهر مهربي المخدرات اللبنانيين، ويوسف نازيك، المتهم بالتخطيط لتفجير الريحانية في تركيا، عام 2013، وغيرهم من المطلوبين للعدالة.

حوادث احتواها النظام..

مطلوبون دوليون في “دار الأسد”

جرائم قتل فردية وانتهاكات لعصابات منظمة، جمع بينها هروب أبطالها من مكان فعلتهم نحو بلد رأوا أنه يحميهم بشكل أو بآخر من مصير محتوم، قد يرمي بهم خلف قضبان السجون أو على حبل المشنقة.

تكررت حوادث الهروب تلك في فترة شهدت فيها سوريا انفلاتًا أمنيًا للحدود والمعابر، فكانت ملاذًا آمنًا لعدد من الملاحقين قانونيًا وقضائيًا في دول عدة حول العالم، وأشهر تلك الحوادث:

يوسف نازيك.. حركة استخباراتية تركية في سوريا

في عملية أسمتها بـ “النوعية”، ألقت الاستخبارات التركية القبض على يوسف نازيك، المتهم بالتخطيط لتفجير الريحانية في تركيا، عام 2013، والذي راح ضحيته 53 شخصًا، إضافة إلى وقوع عدد من الجرحى.

النوعي في العملية هو أنها تمت داخل الأراضي السورية، في أيلول الفائت، حيث نقلته الاستخبارات التركية من مدينة اللاذقية السورية إلى تركيا عبر طرق “آمنة”، وأخضعته للاستجواب، ليعترف أنه كان يعلم بتحضيرات الهجوم، لكنه لم يكن يعلم أنه سيقع داخل الحدود التركية، بحسب نتائج الاستجواب.

ورغم أنه ليس الشخص الأول ولا الأخير الذي يفر إلى سوريا بتهم قضائية وأمنية، إلا أن المثير للجدل هو تغاضي النظام السوري عن ذكر الحادثة رسميًا، خاصة أن العملية تمت في أكبر معاقله، وأن يوسف نازيك اعترف بإقدامه على التخطيط للتفجير بالتعاون مع مخابرات النظام ولمصلحته.

المحامي السوري ياسر السيد، الخبير بالمحاكم الجنائية والعسكرية في سوريا، قال في حديث سابق لعنب بلدي، إن سوريا من الدول الموقعة على اتفاقية “الإنتربول” ويفترض أن تلتزم ببنود هذه الاتفاقية.

لكن ما حدث في قضية نازيك هو أن النظام السوري لم يعترف بوجوده على أراضيه، “وهذا مخالف لأحكام الاتفاقية”، بحسب السيد.

أشهر مهربي المخدرات اللبنانيين يسرح في سوريا

نشر أحد أفراد عائلة الأسد في سوريا، وهو وسيم بديع الأسد، صورًا عبر صفحته في “فيس بوك” في حزيران الفائت، جمعته مع نوح زعيتر، أشهر تجار المخدرات في لبنان، لكن الصور لم تكن في لبنان بل في مدينة حمص السورية.

ورغم أن زعيتر يجاهر بارتكابه لجرائم كثيرة من ضمنها تجارة المخدرات وزراعتها، ويعترف أنه مطلوب للعدالة، إلا أن تلك الصور التي نشرها وسيم الأسد لم يكن لها أي وقع لدى السلطات السورية.

ويعتبر نوح زعيتر أحد أخطر المطلوبين للأمن اللبناني بسبب مئات الجرائم المنسوبة إليه، ومنها تجارة الحشيش والمخدرات، ويشير رئيس بلدية بعلبك، حسين اللقيس، في حديث لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، في حزيران الفائت، إلى أن عددًا من المطلوبين للقضاء اللبناني هربوا إلى سوريا بعد حديث الجيش اللبناني عن خطة أمنية في بعلبك للقبض عليهم.

وأضاف أن المطلوبين فروا إلى المنتجعات السياحية في مدينة طرطوس الساحلية، مشيرًا إلى أن التنسيق الأمني بين لبنان وسوريا من شأنه أن يؤدي إلى توقيفهم.

جريمة الكويت.. توارت خلف دستور محلي

في شباط 2018، عثرت السلطات الكويتية على جثة عاملة فلبينية داخل ثلاجة في شقة مهجورة بحي السالمية في العاصمة الكويت، لتظهر التحقيقات أن مرتكبي الجريمة هما لبناني وزوجته السورية، وأن الجثة بقيت في الثلاجة مدة سنة ونصف قبل العثور عليها.

خلال تلك الفترة، كان الزوجان قد توجها إلى سوريا فور ارتكاب الجريمة، في حين صدر بحقهما حكم غيابي بالإعدام شنقًا، تبنته محكمة الجنايات الكويتية، في نيسان الفائت.

إلا أنه وبعد تعميم الإنتربول الدولي أسماء المتهمين الاثنين، ألقت السلطات السورية القبض عليهما، وسلمت الزوج اللبناني إلى سلطات بلاده، في حين تحفظت على زوجته التي لم يصدر بحقها أي حكم حتى اليوم.

وخلال التحقيق اعترف المتهم بارتكاب الجريمة، مشيرًا إلى أن زوجته عذبت العاملة وأنه هو من وضعها في الثلاجة، رغم أنها كانت لا تزال حية، وفق تقرير الطب الشرعي.

ورفضت السلطات اللبنانية تسليم المتهم للكويت، لكون القضاء اللبناني يرفض محاكمة مواطنيه لدى جهات خارجية.

كما أن الدستور السوري يمنع تسليم المواطن السوري لسلطات أجنبية كي يحاكم في محاكمها أو ينفذ فيه حكم جزائي صادر عن قضاء أجنبي، وذلك بموجب المادة “38” من الدستور.

نقطة حدودية بين سوريا ولبنان – 14 كانون الأول 2017 (سيريا نيوز)

النظام يحوّل سوريا إلى ملاذ ضريبي

لم تكن سوريا ملجأ لشخصيات ارتكبت جرائم في مواطنها الأصلية فحسب، بل استقطب النظام رجال أعمال وصفوا بالـ “فاسدين”، عبر تحويل سوريا إلى ملاذ ضريبي آمن، وسن قوانين خاصة ترتبط بالسياسة الاقتصادية والضريبية.

الملاذ الضريبي الآمن يكون في بلد يفرض ضرائب منخفضة أو لا يفرض أي ضرائب، ويتمتع بسياسة مالية وضريبية وأنظمة مصرفية وقوانين خاصة به، ويتعامل بمبدأ السرية التامة فيما يتعلق بهويات الشركات المسجلة لديه أو مالكيها أو حسابات زبائنها، الأمر الذي يجعلهم محميين من أي ملاحقات.

وترفض البلاد التي تعتبر ملاذًا ضريبيًا التعاون مع المنظمات الدولية المهتمة لملاحقة الأشخاص ضريبيًا، إضافة إلى رفض التعاون مع السلطات القضائية في الدول الأخرى، ما يجعلها محط إغراء للأثرياء ورجال الأعمال للتوجه إليها.

بنية مصرفية قوية أولى الخطوات

وتتميز البلاد التي تكون ملاذًا ضريبيًا بانفتاح مالي وعدم فرض أي قيود قانونية على دخول وخروج الأموال منها، لذا لا بد من بناء نظام مصرفي يسهل ويسرع الإجراءات الإدارية، وهذا ما يعمل عليه النظام السوري، بحسب المحلل الاقتصادي، يونس الكريم.

وأضاف الكريم في حديث إلى عنب بلدي، “من أجل وجود نظام ضريبي لا بد من وجود بنية مصرفية متقدمة لتسهيل دخول وخروج الأموال”، وذلك ما وفره الحاكم الأسبق لمصرف سوريا المركزي، أديب ميالة، من خلال نظام “الحكومة الإلكترونية” بشقها النقدي بحيث تتم كل الإجراءات المصرفية بين الزبائن والمصارف إلكترونيًا بشكل مشابه للدول المتقدمة.

كما عمل ميالة، بحسب ما أكده الكريم، على تطوير البنية التحتية للمصرف عبر ربط المصارف مع بعضها بما يسمى “المقاصة الإلكترونية”، والتي تعني التحويل بين البنوك عبر شبكة إلكترونية تعمل على “نظام ERP” الذي يربط المصارف ببعضها في قاعدة بيانات متكاملة، بحيث يصبح المصرف المركزي مراقبًا لجميع التحويلات المالية.

وفي تشرين الثاني 2012، قالت صحيفة “الثورة” الحكومية إن “المصرف بدأ بإجراءات تنفيذ مشروع التقاص الإلكتروني بهدف تحصيل الشيكات، وتقوم باعتماد نقل الصورة الإلكترونية للشيك ما بين البنوك بدلًا عن الطرق التقليدية، الأمر الذي يسرع ويسهل عملية التحصيل والتسوية ما بين البنوك بصورة آمنة وسهلة وسريعة”.

كما أولى حاكم سوريا المركزي السابق، دريد درغام، منذ وصوله إلى سدة حكم البنك المركزي في 2016 اهتمامًا كبيرًا بمشروع “التقاص الإلكتروني”، واعتبر أن تطويره سيؤدي إلى تقليص تداول الأوراق النقدية وخفض عوامل التلاعب بسعر الصرف والقيام بالمضاربات، والسماح بالتحويل السريع للأموال بين المصارف بهدف تشجيع الإيداع والتحكم الأفضل بالسيولة ورسم سياسات أكثر دقة وفعالية.

وفي كانون الأول 2017، قال درغام، بحسب صحيفة “الثورة”، إن الجزء الأهم من بنية البيئة الإلكترونية بات جاهزًا لتعميمه، بما فيه إدارة المحافظ الإلكترونية وعمليات التقاص، مشيرًا إلى أنه يجري العمل حاليًا على إعداد نظام الدفع الإلكتروني، الذي يسعى النظام إلى تنفيذه في عمليات الشراء والبيع.

إغراء المستثمرين عبر بنية تحتية فخمة

وإلى جانب وجود نظام مصرفي متقدم، لا بد من ضرورة توفير بنية تحتية لرجال الأعمال من فنادق وشقق سكنية فخمة تمكن الأثرياء من التوجه إلى سوريا، الأمر الذي سيدفع رجال الأعمال إلى استثمار أموالهم غير المشروعة (قد تكون من تهريب مخدرات أو مسروقة من مؤسسات دولهم) في شراء وبيع العقارات الذي سيكون مربحًا في سوريا بسبب ارتفاع أسعارها وبالتالي إعادة إنتاج هذه الأموال إلى أموال مشروعة في ظل وجودة بنية مصرفية قوية، بحسب الكريم.

ومن أجل ذلك يعمل النظام السوري على إنشاء مدن سكنية قرب دمشق وهي “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي” ولكن هذه المدن لن تكون مخصصة للسوريين، وإنما لطبقة أثرياء من الدول العربية والأجنبية لا مشكلة لديها في إبرام صفقات سوداء خارج حدود الرقابة، خاصة مع العقوبات المفروضة دوليًا على الأسد، فمن المتوقع أن تستقطب هذه المشاريع “عصابات ومافيات وزعماء فاسدين” في العالم، لتصبح ملاذًا آمنًا لأموالهم، مقابل حصول النظام على دعمهم المادي واللوجستي وجزء من هذه الأموال.

وهذا ما أكده عضو المكتب التنفيذي لشؤون الموازنة والمالية في محافظة دمشق، فيصل سرور، خلال ندوة في آذار الفائت، حين قال إن “محافظة دمشق لن تكون مدينة صناعية على الإطلاق بل سوف تكون مدينة سكنية يرتاح فيها السكان ويحلو فيها العيش”.

وأرجع الكريم سبب اختيار سوريا هو موقعها الاستراتيجي، وكونها سوقًا واعدة بسبب جذبها لكثير من المستثمرين وإقامة مشاريع كثيرة فيها مثل بناء البنية التحتية، إضافة إلى أن النظام يحاول من خلال ذلك إعادة ترتيب أوراقه الاقتصادية والسياسية وتقوية سلطته في دمشق عبر تحويلها إلى ملاذ ضريبي آمن.

كما أن مدينة دبي في الإمارات (التي تعتبر ملاذًا ضريبيًا في المنطقة) لم تعد قادرة على استيعاب وجلب المستثمرين بسبب اكتفائها، إلى جانب أن دمشق هي بوابة الخليج العربي على البحر المتوسط.

هروب معاكس.. فرار من المحاسبة

على خلاف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، والتي تحولت إلى مأوىً للفارين من العدالة، حال الوضع غير الرسمي للمحاكم في مناطق سيطرة المعارضة دون ملاحقة مرتكبي الجنايات أو المدانين بتهم مختلفة، الذين غادروا مناطقهم إلى تركيا أو إلى مناطق النظام.

حوادث عدّة تكرر فيها هروب سجناء من بعض السجون دون ملاحقتهم، إذ شهدت مدينة الباب بريف حلب الشرقي في أيلول الفائت، استنفارًا أمنيًا، على خلفية هروب جماعي لسجناء من سجن الشرطة العسكرية.

وكان مراسل عنب بلدي في ريف حلب، أفاد أن السجناء الهاربين يصل عددهم إلى 13، تمكنت الشرطة العسكرية من إلقاء القبض على ثمانية منهم.

وهي ليست المرة الأولى التي يهرب فيها سجناء من سجون فصائل “الجيش الحر”، إذ تمكن 180 من نزلاء سجن إدلب المركزي الخاضع لسيطرة “هيئة تحرير الشام”، في آب الفائت، من الفرار إلى وجهات مجهولة في محافظة إدلب.

كما هرب 17 عنصرًا يتبعون للتنظيم، في تموز الفائت، من سجن لفصيل “فيلق الشام” في ريف منطقة عفرين.

وفي أيار الفائت هرب 28 سجينًا من مقاتلي تنظيم “الدولة” من سجون “جبهة تحرير سوريا” بعد تمكنهم من خلع نافذة موجودة في أعلى الحائط في مدينة بنش بريف إدلب.

المحامي ياسر السيد، وهو متخصص في القضايا الجنائية، أشار في لقاء مع عنب بلدي إلى أن “المحاكم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام غير معترف بها من قبل المجتمع الدولي، وبالتالي فالأشخاص المحكومون من محاكم محلية هناك، يتمكنون من الإفلات من العقاب”.

ويوضح السيد أن إلقاء القبض على هؤلاء الأشخاص “سيكون صعبًا، إن لم يكن مستحيلًا”، لأن “الإنتربول” لا تكون في هذه الحالة مسؤولة إذ لم يصدر الحكم عن محكمة معترف بها، كمحاكم النظام.

وبرأي السيد، فإن هذه القضية هي الأخطر كون الكثير من المجرمين يندمجون في مجتمعات أخرى حاليًا ويشكلون خطرًا عليها، ويستشهد بحادثة قصف السجن المركزي في إدلب عام 2015 والذي طال المحكمة أيضًا، حيث كان يوجد فيها أشخاص محكومون بالإعدام.

ويضيف “هؤلاء فروا إلى تركيا وعاشوا فيها، لعدم وجود محكمة معترف فيها دوليًا تستطيع إرسال إضبارة إلى الإنتربول أو تعميم اسم المطلوب على الحدود، وبعضهم ارتكب جرائم قتل، أو اختلاسات، وجمع أموالًا هائلة عن طريق تشغيلها، وفروا بالأموال التي جمعوها”.

وتطبق في المناطق التابعة لفصائل المعارضة قوانين مختلفة، بحسب الفصيل المسيطر، كما تتنوع المحاكم، وهذا من شأنه أن يعطي فرصة كبيرة لهروب المجرمين من وجه العدالة.

 

تسليم المجرمين في القانون الدولي

يعرف تسليم المجرمين بأنه الإجراء الذي تسلم بموجبه دولة ما إلى دولة أخرى شخصًا تطلبه هذه الدولة، لمحاكمته أو تنفيذ عقوبة جزائية قضت بها محاكمها عليه.

ويتم التسليم استنادًا إما لاتفاق دولي، أو اعتمادًا على المعاملة بالمثل، ويعتبر ضرورة يحتمها مبدأ التضامن بين الدول في مكافحة الجريمة حتى لا تكون سيادة الدول سببًا مشجعًا على ارتكاب الجريمة.

وبالتالي يجد المجرم الهارب في بعض الدول التي لا تلتزم بمعاهدات، أو لا تطبق مبدأ المعاملة بالمثل، ملجًأ آمنًا، بالإضافة إلى اختلاف مضمون تلك المعاهدات من دولة إلى أخرى.

والأصل أن جميع الأشخاص اللاجئين إلى أرض الدولة يجوز تسليمهم، ولكن العرف الدولي أتى باستثناءات أخرجها من هذا الأصل، وهي أن الدولة لا تسلم رعاياها، والماثلين أمام قضائها، ورجال السلك الدبلوماسي أو القنصلي.

كما يستثني العرف الدولي من حالات وجوب تسليم المجرمين بين الدول، أن تكون الجريمة مما يحظر التسليم فيها قانونًا أو عرفًا، كالجرائم السياسية والعسكرية.

تسليم المجرمين في القانون السوري

يتضمن “قانون أصول تسليم المجرمين والملاحقين قضائيًا” رقم 53 لعام 1955، أصول تطبيق مبدأ تسليم المجرمين في سوريا، وتنص المادة الأولى منه على أنه “عند عدم وجود معاهدات دولية لها قوة القانون في سوريا فإن أحكام تسليم المجرمين العاديين والملاحقين قضائيًا بجرائم عادية وأصوله وآثاره تخضع لأحكام هذا القانون وإلى المواد 30 حتى 36 من قانون العقوبات”.

وتتّبع السلطات السورية الأسلوب المختلط (الإداري- القضائي) في تسليم المجرمين، وإن كان يغلب على أسلوبها الطابع القضائي.

فالدولة طالبة التسليم تتقدم بطلبها إلى السلطات السورية بالطرق الدبلوماسية ثم يحال هذا الطلب إلى لجنة في وزارة العدل تسمى (لجنة تسليم المجرمين)، وهذه اللجنة تدرس الطلب من ناحيتين، الأولى الشكلية، وفيها تبحث توافر الشروط القانونية للطلب، كأن يكون المطلوب تسليمه من غير المواطنين السوريين، أو يكون الجرم غير سياسي، أو ألا تقل عقوبة الحبس المنصوص عليها للجريمة عن السنة، عملاً بالمادة 33 من قانون العقوبات.

والناحية الأخرى التي يُدرس فيها طلب تسليم مجرم ما هي الناحية الموضوعية، إذ تمتلك لجنة تسليم المجرمين حق البحث في الأساس ووقائع الدعوى لمعرفة ما إذا كانت التهمة ثابتة، كون هذه اللجنة مشكلة من قاضيين ويرأسها معاون الوزير، وتستطيع توقيف المطلوب واستجوابه وإجراء جميع التصرفات القانونية التي تراها لازمة للوصول إلى الحقيقة، ثم تصدر قرارها بالتسليم أو الرفض، وهذا القرار مبرم لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة.

وإذا قررت اللجنة رد طلب التسليم، يكون قرارها ملزمًا للسلطات التنفيذية، وعليها أن تمتنع عن التسليم عملًا بالمادة 35 فقرة 1 من قانون العقوبات.

أما إذا كان القرار يقضي بقبول طلب التسليم فهو غير ملزم للسلطة التنفيذية، وتبقى لها حرية تنفيذه أو عدم الأخذ به، وفي جميع الأحوال فإن قرار التسليم لا يصبح نافذًا إلا إذا صدر بمرسوم.

قانون العقوبات وتسليم المجرمين

ورد ذكر شرط تسليم المجرمين في قانون العقوبات السوري في المادة 30 التي تنص على أنه “لا يسلم أحد إلى دولة أجنبية، فيما خلا الحالات التي نصت عليها أحكام هذا القانون، إلا أن يكون ذلك تطبيقًا لمعاهدة، لها قوة القانون”.

وهذا يعني أن القانون السوري لا يطبق مبدأ تسليم المجرمين من السوريين إلى دول أخرى، وذلك ورد في قانون العقوبات السوري في المادة (32) منه.

واشتملت بعض اتفاقيات تسليم المجرمين المنعقدة بين سوريا ودول عربية، على أنه “يجوز للدولة المطلوب إليها التسليم، الامتناع عنه إذا كان الشخص المطلوب تسليمه من رعاياها”.

كما يعتبر المطلوب سوريًا في حال حمله جنسية أخرى (حتى لو كانت جنسية الدولة طالبة التسليم) بالإضافة إلى الجنسية السورية، ويستثنى من التسليم تبعًا لكتاب وزارة العدل رقم (3749) الذي يفرض معاملة المواطن الذي يحمل عدة جنسيات بالإضافة إلى الجنسية السورية، على أنه مواطن سوري.

كذلك يرفض طلب الاسترداد في حال وجود دعوى قضائية بحق المطلوب تسليمه أمام المحاكم السورية، وهذا ما أكدت عليه المادة (33) من قانون العقوبات الفقرة (3)، ويرفض الاسترداد بموجب المادة نفسها إذا كان القانون السوري لا يعاقب على الجريمة بعقوبة جنائية أو جنحية، ويكون الأمر على النقيض إذا كانت ظروف الفعل المؤلفة للجرم لا يمكن توفرها في سوريا لسبب وضعها الجغرافي.

وكذلك إذا كانت العقوبة المنصوص عليها في قانون الدولة طالبة الاسترداد أو قانون الدولة التي ارتكبت الأفعال في أرضها، لا تبلغ سنة حبس عن مجمل الجرائم التي تناولها الطلب، وفي حال الحكم لا يمكن أن تنقص العقوبة عن شهري حبس.

وإذا كان قد قضي في الجريمة قضاءً مبرمًا في سوريا، أو كانت دعوى الحق العام أو العقوبة قد سقطتا وفاقًا للقانون السوري، أو قانون الدولة طالبة الاسترداد، أو قانون الدولة التي اقترفت الجريمة في أرضها.

في حين انسجم قانون العقوبات السوري مع القانون الدولي في استثناء الجريمة السياسية من التسليم، فورد في المادة (34) منه “يرد طلب الاسترداد إذا نشأ عن جريمة ذات طابع سياسي أو ظهر أنه لغرض سياسي”.

 

القصر العدلي في دمشق- 12 آذار 2018 (مدار اليوم)

مقالات متعلقة

في العمق

المزيد من في العمق