محمد رشدي شربجي
في كلمة قدمها في ندوة عن “الانتقال من العمل المسلح إلى العمل السلمي”، أشار المفكر عزمي بشارة إلى أن الفصائل المسلحة إذا لم تستطع أن تبني جيشًا موحدًا، فإنها لا تنقرض، بل تتعملق وتتضخم وينضم إليها أناس جدد لم يشاركوا أساسًا في القتال، إما ليحموا أنفسهم في ظل غياب الدولة أو طمعًا في المال.
أما في مرحلة بناء الدولة فإنه من الاستحالة تخيل دولة ديمقراطية يتم فيها تداول “سلمي” للسلطة بوجود فصائل كهذه. هذا بشكل عام أما في سوريا المنكوبة بالسلفيين فلها شأن آخر.
هناك أمر غريب في سوريا الخارجة عن سيطرة الأسد، وهو قدرة القوى صاحبة النفوذ هناك على استعداء العالم، واستدعاء أقوى جيوش العالم لتفتك بالسوريين، أو من تبقى منهم.
لعل أكبر الكوارث التي جنتها السلفية الجهادية، وفي القلب منها تنظيم القاعدة، على السوريين أنها ربطت انتصار الثورة السورية بهزيمة الولايات المتحدة، وهكذا بات على السوريين المنكوبين من نظام الأسد أن يهزموه مع أمريكا دفعة واحدة.
والسلفية تشبه في سلوكها بطبيعة الحال مصدرها، المملكة السعودية، شعارات كبيرة واستدعاء لمعارك كبرى كان يمكن تجنبها، ثم هزائم نكراء في كل مكان، وما مثال تنظيم “الدولة الإسلامية” عنا ببعيد، حيث تلاشى التنظيم بعد أن قضى على سنة العراق وسوريا قضاءً مبرمًا. وإن كان إدخال السوريين في المحارق من الحقارة بمكان، فإن ما لا يمكن لبشر تخيله، أن يصر هؤلاء على ذات المنهجية برغم كل ما رأوه من كوارث.
في إدلب المحمية من تركيا، الدولة العلمانية الأكثر ديمقراطية في المنطقة، تكفر هيئة تحرير الشام، وأمثالها من الحركات السلفية، الديمقراطية ومن يقول بها، وتحاول الهيئة ما استطاعت تقديم الذرائع للنظام والروس المتعطشين للدماء لنقض اتفاق سوتشي وتشريد المزيد من السوريين.
وليس الأمر في مناطق غير السلفيين بأفضل حالًا، فالضغط التركي وحده هو ما أجبر فصيل “السلطان مراد” على تسليم معبر الراعي لسلطة مدنية وغيره من الأمثلة الكثير.
لدى الكرد كما العرب، ذات المصائب، فحزب العمال الكردستاني لم يرَ في سوريا إلى محطة في معركته الأزلية ضد الدولة التركية، فليس للأكراد السوريين مطالب إلا استقلال كردستان تركيا. واليوم وبعد أن استولت الدولة التركية على عفرين، يصر حزب الاتحاد الديمقراطي على استدعائها إلى شرق الفرات.
وقد يقول قائل إن لتركيا مطامع في سوريا منذ أمد بعيد، وقد يكون هذا صحيحًا، وصحيح أيضًا أن لأكراد تركيا حق تقرير المصير، وأن أمريكا دولة استكبار وأجرمت بحق المسلمين كما يقول تنظيم القاعدة، والنظام السوري يريد استعادة إدلب وتشريد سكانها، ولكن لماذا على السوريين أن يكونوا وقودًا دائمًا لكل شعارات الدنيا الفارغة وترهاتها؟ أما آن لهذا الشعارات أن تحرق غيرنا؟ قائليها مثلًا!