السيناتور محمد قَبَنَّض والتطبيل

  • 2018/11/11
  • 12:00 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

إذا كنت، أخي السوري، تحب أن تتفرج، وتتسلى، وتتآلف مع مشاهد الخَبيط والقتل والتدمير التي يكيلُها وريثُ حافظ الأسد وحلفاؤه للشعب السوري، فما عليك إلا أن تتقيد بالنصيحة التي قدمها الفنان المصري المرحوم فؤاد المهندس لابنه في إحدى المسرحيات، إذ قال له: يا ابني، كَشِّرْ، اعبسْ، خَلّي حواجبك معقودين كده، بُصّ للدنيا بمنظار أسود!

أنت، أيها السوري، تعرف، بالطبع، أن أصابع اليد الواحدة ليست متساوية في الطول، وأنَّ الذين هتفوا، في بداية الثورة “الشعب السوري واحد” كانوا مخطئين.

كلا يا سيدي، الشعب السوري ليس واحدًا، فإذا كان قسمٌ من الشعب يتألم الآن، ويحزن، ويكشر، ويتشاءم، فإنَّ هناك قسمًا يعيش لحظاتِ فرحٍ عظيمة، فرحٍ بالانتصار على القسم العابس المكشر من الشعب المفجوع، وسَحْقِه، واستبداله بقوم غرباء حاقدين، جاؤوا إلى البلاد يطلبون ثأرًا لرجلٍ لم تكن لهؤلاء الناس المساكين صلةٌ به، أو عِلْم بِمَنْ قتله.

الدليل على صحة هذا الكلام أننا شاهدنا، وما زلنا نشاهدُ شبيحةَ النظام، ونَبّيْحَتَهُ، ومنحبكجيتَه، يَبُصُّون للدنيا بمنظار ناصع البياض، يرقصون ويغنون ويدبكون وينخون مستجيبين لنصائح المنتج التلفزيوني الكادح، السيناتور محمد قَبَنَّض، الذي بدأ حياته السياسيةَ بصفة “موتورجي” يوصل سندويش الكبة والخاروف والسجق من “عَبَّارة سينما حلب” إلى الزبائن في بيوتهم، وفي أثناء تجواله لاحظ أن “الإرهابيين” يسيطرون على مفاصل الحياة في مختلف أنحاء مدينته الصامدة، وقرر محاربتهم مدى الحياة.

وعليه فقد وقف، ذات مرة، تحت قبة البرلمان، وقال إن أهم سلاح يحقق النصر على “الإرهابيين” هو الإعلام! والإعلام، برأيه، هو الطبل والزمر والدبكة والنَخّ، فإذا تَحَقَّقَ النصرُ الموعود، وتَمَكَّنَ الجيش الباسل من قتل بضعة آلاف من أهل منطقة ما، كالغوطة، مثلًا، وتهجير بضعة آلاف أخرى، يجب على المُطَبّل المُزَمّر المنتصر أن يباشر بتوزيع سندويش الكبة والخاروف والشاورما، وقناني مياه البقين والدريكيش، على المواطنين المحظوظين الذين لم يُقْتَلوا ولم يُهَجَّرُوا.. وأما آلية التوزيع فتكون بأن يجلس “المطبل” ضمن سيارة مكشوفة من الخلف، عند منعطف طريق يؤدي إلى الغوطة، ويتصرف بطريقة عادل إمام في مسرحية شاهد ما شافش حاجة، حينما يقف مع الفَرَّاش “بُرَعي” وبين الحين والآخر يوحي له بأنه سيعطيه قنينة الكازوز، ولكنه يستعيدها مسببًا له الكسوف والخجل.

وهكذا رأينا السيناتور الكادح (الموتورجي سابقًا) قَبَنَّض يمد يده للمواطن بالسندويشة والقنينة، وقبل أن يتلقفهما المواطن يستعيدهما ويقول له: عَيِّشْ سيدنا ومولانا بشار الأسد ووالده ولاك!.. فيعيّش المواطن الغلبان ذينك المجرمين، وهو يتمنى أن تنشق الأرض وتبلعه، أو أن تبتعد عنه الكاميرا التلفزيونية فلا يراه أهلُه وأصدقاؤه ومعارفه وهو يعيّش قاتلي أبنائه.. وفي اليوم التالي تقوم قيامة الصحافة الرسمية والمعارضة على السيناتور الموتورجي، متهمين إياه باستغلال حاجة النازحين، فيضطر لتوضيح ما جرى مع المواطنين، وهو أنه عرض عليهم السندويش والماء دون مقابل، ولكنهم أبوا، ورفضوا أن يمسكوها بأيديهم قبل أن يبلوا ريقهم بشي تعييشتين تلاتة لبطل الصمود بشار الأسد، المنتصر على “الإرهابيين” بالطبل والزمر!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي