ضرار عثمان الحسيني
تسود حالة من الجمود السياسي حيال كل ما يجري على الساحة السورية، حتى مبادرة المبعوث الدولي دي مستورا لا تَبعث على التفاؤل، فكل ما يُطرح حتى الآن، يُطرح من جانبٍ واحد، ولا يعدو عن مجرّد كونه رُؤىً وأفكارًا تفتقر إلى آليات تنفيذ، والحديث عن الحل السياسي في سوريا اليوم، لن يكون واقعيًا ما لم يكن هناك تقدّم عسكري ملموس يدفع باتجاه هذا الحل السياسي. وإنّ تغيير ميزان القوى لمصلحة المعارضة السورية الفاعلة هو المخـرج الوحيـد الممكن للأزمة، ولن يُكتب النجاح لأي حديث عن الحل إلا من اللحظة التي يحدث فيها انتصـار مُرَجّـح للمعارضة، يقود أولًا إلى إزاحة رأس النظام من قلب النظام، ومن ثم يُمَـهَّـد الطريق أمام عملية تسوية شاملة وإعادة هيكلة لمؤسسات الدولة. عندها فقط يكون الحديث عن الحل السياسي المزعوم مفهومًا ومقبولًا لدى السوريين عامة. أما في ظل ما تشهده الساحة اليوم، فهو أقرب ما يكون إلى «الهرولة في الفراغ»، باستثناء موجة الانشطارات الذاتية داخل كل فريق، وحُمّى التجاذبات الإقليمية وانعكاساتها المدمّرة، ما يزيد الأمر تعقيدًا، ويقطع من شهية الدول المعنيّة للتدخل بشكل جدّي من أجل إيجاد حل. في موقفٍ كهذا، يُحجِم الجميع عن تصدّر المشهد، ويكون موقف النأي بالنفس مَقيتًا وسببًا في إفشال أي طَرْح، فكل الأطراف المتناحرة باتت على يقين اليوم، أن فكرة الحسم العسكري لصالح أي طرف، فكرة مستبعدة تبعًا للواقع الميداني، وغير واردة بتاتًا من وجهة النظر الدولية التي تُدير الصراع.. فما العمل ونحن ندخل عامنا الرابع في هذه الحرب؟
تقول القاعدة الدبلوماسية: “مئة عام مفاوضات ولا ساعة حرب” ..
وبناءً عليه، يُطل السيد معاذ الخطيب مؤخرًا باسم “مجموعة سوريا الوطن”، وبإيجازٍ بليغ يقدّم “بيانٌ إلى الشعبِ السوري”، عبارة عن سـت نقاط، هي بمثابة بيان جنيف (1)، يعيد الرجلُ طرحَها مجددًا، ليؤكّد على أنّ التفاوض انطلاقًا من هذه المبادئ، هو السبيل الأمثل لوقف حمّام الدم والمضيّ قُدُمًا باتجاه حل معقول، ولا يعدّ ذلك انتقاصًا لطرفٍ على حساب آخر، ولا يمكن أن يكون تفريطًا بأيّ مكتسبات ولا تَرفًا سياسيًا ولا عَبَثًا ثوريًا، فالغاية هنا أسمى من الوسيلة وتبرّرها. فإن كان للمعارضة اليد الطولى ميدانيًّا، سيكون التفاوض حينها من موقع الأقوى وليس المنتصر، وإن كان بأقلّ من ذلك، فسيكون لها شرف الشجاعة للإقدام على هكذا خطوة، من شأنها حقن الدماء وإنهاء المأساة. وللأمانة، إن أبرز ما يميّز بيان “مجموعة سورية الوطن” هو التأكيد على استقلالية القرار السوري، وتعزيز فكرة الانتماء، ولطالما كانا الغائب الأكبر في زحمة هذا الصراع، وباستباحتهما فَـقَـدَ الشعب السوري كلّ شيء، وكان الخاسر الأكبر.
لقد آن الاوان لأن يقول الجميع: كفى للقتل، كفى للدمار، كفى لكل أصناف الذل والتدخلات.. فأهل مكّة أدرى بشعابها، وهذي البلادُ لهـا أهلها!
يمكنني أن أملأ الصفحات في وصف أشكال الألم السوري، ولكنّي أعجز عن ردّ دمعة طفلٍ تيتّـم، وأتلاشى أمام حُرقة كَبِدِ أمٍّ ثكلى. فالحرب هي الحرب.. وتبقى أنبـلُ المعارك تلك التي نخوضها ببسالة الضمير، لا بسلاحِ القتلة، ولا بعضلاتِ الحَمقى.
توضيح: المعارضة السورية المعتدلة هي كل ثائر يعمل على رفع الظلم وإحقاق الحق وتطهير أرض سوريا من الدُخلاء والمنبوذين.