البترودولار .. حياتك وحريتك مقابل الدولار

  • 2015/01/11
  • 10:33 م

أسامة العقاد

البترودولار، إعادة تكرير البترودولار، البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، كيف يمكن لبضع ورقات تطبع في مطبعة أن تشتري لك ما تحب. دم خمسمئة ألف طفل عراقي وملايين المسلمين الآخرين

بعض هذه المصطلحات غريبة عليك عزيزي القارئ، لكن إن اخترت الاستمرار في القراءة فستجد ما قد يذهلك عن ترابطها وغرابة معلوماتها، لكن بالوثائق

حقيقة العملة الورقية

يحكى أن الناس كانوا يتبادلون البضائع بالمقايضة ولم تكن لديهم عملة معينة يشترون بها الأشياء، فخمس تفاحات يمكن مقايضتها مثلا بقطعة لحم.

ثم في مرحلة ما بدأ الناس بالتعامل بالذهب والفضة وهما معدنين ثمينين نادرين لا سلطة لبشر على إنتاجهما ولهما قيمة مزروعة في فطرة البشر والكتب المقدسة في وصف الجنة ونعيمها. {يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، (سورة الزخرف: 71).

ينسب أول استخدام للورق كما ينسب اختراع كرة القدم والبارود للصين وذلك في القرن السابع، ربما استجابة لرغبة الناس بتسهيل التعامل وزيادة الأمان والتخفيف من حمل مقادير الذهب والفضة عند الحاجة لشراء حاجاتهم. إلا أن بداية الاستخدام الحديث للعملات الورقية كان في منتصف القرن 17 في لندن، وكانت تلك الأوراق مكافئًا لحمل مقدار معين من الذهب أو الفضة يمكن تبديلها بذهب أو فضة مباشرة.

الدولار الورقي

في تاريخ الولايات المتحدة كان للدولار قيمة معينة رسميًا مقابل الذهب، في عام 1900 كان كل دولار واحد يساوي 1.5 جرام من الذهب وفق سعر ثابت، والأونصة الواحدة تساوي 20.5$، (الآن 1200$ تقريبًا)،

وكانت لعلاقة الدولار بالذهب فترات شد وجذب إلا أنه كان يستمد قيمته بشكل رئيسي من الذهب والفضة.

صدمة نيكسون

في عام 1971 قرر نيكسون إلغاء ارتباط الدولار بالذهب وغيره، ويعزى ذلك إلى كثرة نفقات حرب الفيتنام وقيام الولايات المتحدة بطباعة الدولار دون وجود رصيد كافٍ من الذهب.

ما فعلة نيكسون تسبب في إنهاء نظام بريتن وود سيستم Bretton Woods system المتفق عليه بين الأمم والذي كان ربط العملة بالذهب ميزته الأساسية، والذي وافقت عليه 44 دولة من الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية.

وأصبحت هذه العملة الخضراء، التي يعرفها أغلب من يعيش على هذه الأرض وغدت أشهر من رئيس الولايات المتحدة نفسه، أصبحت «نقدا إجباريًا» Fiat Currency أي عملة تأخذ قيمتها من قواعد حكومية أو القانون، بعد أن كانت لعقود مالًا يأخذ قيمته من المادة التي يصنع منها ذهبا كانت أو فضة.

من المفيد الإشارة إلى أن حيازة الذهب جُرمت في الولايات المتحدة عام 1933 وفق الأمر رقم Executive Order 6102، وكذلك الفضة بأمر مشابه، باستثناء الاستخدام في الحلي والصناعة وبعض الأمور الأخرى.

باختصار، الولايات المتحدة صادرت الذهب وأعطت مقابله دولارًا ورقيًا مرتبطًا بالذهب، ثم بعد عدة عقود ألغيت العلاقة بالذهب.

البترودولار

بعد تحول الدولار لمال إلزامي، لا مال ذا قيمة، كان من اللازم على الولايات المتحدة أن تقوم بما يلزم لإيقاف تهاوي قيمته بإخضاعه لقاعدة العرض والطلب. وكيف يمكنهم عمل ذلك؟

وقعت الولايات المتحدة اتفاقًا مع المملكة العربية السعودية يقضي بأن تكون مبيعات النفط السعودي بالدولار الأمريكي مقابل الحماية والسلاح، وذلك عام 1973، وفي عام 1975 تبعتها كل دول أوبك. تروى قصة البترودولار أحيانًا بطريقة درامية تظهر خداع ورشاوى وشهوات قدمتها الولايات المتحدة للمتنفذين للحصول على تلك الصفقة.

بعد هذا الاتفاق أصبح كل من يرغب بشراء النفط عليه أن يحصل على الدولار الأمريكي أولًا ثم يدفعه للدول المنتجة للنفط. اليابان إن أرادت شراء النفط عليها جلب دولارات من أمريكا ببيعها بضائع مثلًا ثم دفعها للسعودية، هذا أمّن للدولار الأمريكي طلبًا عالميًا كبيرًا، أدى إلى ازدهار الاقتصاد الأمريكي وتنامي القوة العسكرية لتتفوق على دول العالم.

تكرير البترودولار

ما يعرف بـ Petrodollar recycling، وهي الحالة التي قامت فيها الدول التي باعت نفطها بالدولار بإعادة استثمار تلك العوائد في البنوك الأمريكية والأوروبية. لماذا؟ يقال لأن العوائد تفوق حاجة الإنفاق المحلي. بالمقابل قامت البنوك الأمريكية بإقراض هذه الأموال للدول النامية مقابل فوائد أدت لتراكم ديونها.

البنك الاحتياطي الأمريكي

هو المقابل الأمريكي لما يعرف بالبنك المركزي، مهمته المحافظة على استقرار النظام المالي، وذلك بالتحكم بسعر الفائدة وكمية السيولة النقدية المتوفرة في السوق. وهذا موضوع طويل ربما يخصص له مقال آخر، وكخلاصة فإن أي واحد منا إذا مد يده إلى محفظته أو خزنته وقرأ العبارة المكتوبة على تلك العملة الخضراء فسيجد التالي: Fedral Reserve Note

ومعناها أن الورقة التي بين يديك هي ورقة يطبعها البنك الاحتياطي الفدرالي. وهو في تعريفه على موقعه الرسمي (الذي يفترض أن يشعرك بالاطمئنان) «مؤسسة مستقلة داخل الحكومة، ليس ملكا لأحد وليس مؤسسة ربحية خاصة»، ويقول التعريف الرسمي كذلك «يستمد البنك سلطته من الكونجرس ويعتبر مستقلًا لأن سياساته المالية لا تحتاج لموافقة الرئيس أو أي شخص آخر في الفروع التشريعية أو التنفيذية للحكومة»، ومن يكمل قراءة التعريف باللغة الانجليزية قد يجد ما يحرك مزيدًا من بواعث الشك التي لم تكن لتزعزع من قبل في هذا الأخضر الذي يضع فيه معظم الناس ثقتهم بدلا من المعادن التي حافظت على قيمتها رغم انهيار وسقوط كثير من العملات على مر التاريخ.

حرب العراق وليبيا وسوريا والهجوم على إيران

كثير من الأحداث العالمية تترك من الحيرة والشك أكثر من المعرفة والحقيقة، بعد الاطلاع على تأثير النفط على الدولار وتأثير ذلك على انهيار أو صعود الولايات المتحدة، ستتفهم كيف أن غزو العراق كان بكذبة «سمجة»، ففي العام 2000 قرر العراق بيع النفط باليورو بدلًا من الدولار، وهذا تهديد مباشر للاقتصاد الأمريكي، فكانت عاقبته الغزو.

في ليبيا، كان القذافي متربعًا على عرش دولة غنية بالثروات ويدعو لاعتماد دينار ذهبي في إفريقيا. يقول رئيس وزراء بريطانيا وقتها «علينا ألا نتساهل مع نظام يستخدم قوته العسكرية ضد شعبه»، عبارة تثير العجب لكنها تعطيك الثقة بالكذب، إذ تستخدم هكذا عبارات عند المصلحة فقط.

سُئلت مادلين اولبرايت: هل تستحق الحرب على صدام قتل 500 ألف طفل عراقي. قالت، تستحق.

بعد قراءة هذا علينا أن نعرف أننا (كعرب وكمسلمين) لسنا أكرم على أصحاب البنوك من الشعب الأمريكي نفسه الذي تتحكم به آلة إعلامية وآلة اقتصادية فتاكة توجهه حيث مصالح أصحاب البنوك، الذين يتحكمون بكل شيء تقريبًا، كما تقول العبارة الشهيرة «اتبع المال» Follow the money .

مقالات متعلقة

اقتصاد

المزيد من اقتصاد