قمة “أربعة في أربعة” في اسطنبول
إبراهيم العلوش
عقدت في اسطنبول قمة رباعية ضمت تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا، في 27 من تشرين الأول الماضي، لمناقشة الوضع السوري. أربع دول اجتمعت بالوكالة عن أربع دول هي أمريكا وإسرائيل وإيران والنظام السوري، إذا صح أن نسمي ما تبقى من هذا النظام دولة.
عقدت القمة على خجل وسط ضوضاء اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده السعودية في اسطنبول، بينما تقوم القنصلية السورية في اسطنبول بممارسة طرق الخنق والقتل والنهب، وأمام العالم، بحق السوريين الذين يخسرون أوراقهم وثبوتياتهم، ويخضعون للابتزاز الرسمي، فيما يشبه القتل العلني، فالرسوم الباهظة تدفع البعض من السوريين للتسول من أجل الحصول على ورقة مختومة، ناهيك عن تجاهل تسجيل المواليد السوريين وممارسة شتى الطرق لإكراههم على هجر بلدهم، وعدم العودة إليه، فالميليشيات الإيرانية صارت صاحبة الدار، والقواعد الروسية صارت حاكمة البلاد، وهذا تحت سمع وبصر القمة الرباعية.
خرجت القمة الرباعية بنتائج محدودة، ولم تسلط عليها الأضواء بسبب ضآلة مخرجاتها، فالروس يتمنعون عن الحل السياسي، أسوة بالإيرانيين الذين يرغبون باستمرار الحرب ضد الشعب السوري عقودًا مقبلة، مما يتيح لهم استمرار البقاء، والتأثير في مصير سوريا، وجعل النظام يُصدر ما يحلو لهم من قرارات يتحكمون بها بسوريا وبأهلها، تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وشرعية النظام، وحقه في استعمال البراميل، والتعذيب، والاستعانة بالخبرات الطائفية الإيرانية، وبالخبرات الكيماوية الروسية، التي صارت شائعة هذه الأيام، ولم ينافسها على تصدر الأخبار في أوروبا، وفي الشرق الأوسط، إلا مقتل خاشقجي بهذه الطريقة الفاحشة.
الأتراك ضمنوا عبر القمة، هيمنتهم على الشمال السوري، ووقف الحرب على إدلب من قبل الروس، والإيرانيين والنظام، وتقربوا خطوة من الأمريكيين الغائبين عن القمة والحاضرين بمندوبيهم الأوروبيين.
الألمان والفرنسيون ضمنوا عدم انفجار موجة لجوء جديدة باتجاه أوروبا، فميركل خسرت منصبها، وصرحت بأنها لن تترشح من جديد لرئاسة حزبها، وهي لن تكون المستشارة القادمة لألمانية بسبب أزمة المهاجرين الذين استقبلتهم بلادها، وكانت أرحم عليهم من بلاد العرب، وبلاد المسلمين (سنّة، وشيعة)، وبكل أسف فحتى الربع الخالي، أبو العقارب والعطش، محرّم على السوريين، ناهيك عن الأشكال العنصرية للتعامل في مختلف مناطق اللجوء العربية، وغير العربية، التي تستهين بكرامة اللاجئ، ويذهب البعض إلى حد تحميل اللاجئين الفارين من الموت مسؤولية عدم استسلامهم للطاغية ولشبيحته.
أما الروس فقد تم وضعهم في الزاوية، وهم يتهربون من الحل السياسي، ومن تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 2254 ومقررات جنيف التي صارت حبرًا على ورق، بعد تصريح وزير الخارجية في النظام الأسدي، بأنه يريد أغلبية الثلثين ورئاسة اللجنة الدستورية، وبالتالي وضع الدستور الجديد وفق ما يمليه الروس والإيرانيون المحتلون الرسميون لسوريا.
وحاول الروس ابتزاز الأوروبيين بقضية موجة الهجرة لثلاثة ملايين من سكان إدلب ونازحيها، ما يقلب الأوضاع السورية والأوروبية رأسًا على عقب، وبتدبير إيراني روسي يتسم بالوحشية المدروسة، والمتصاعدة خلال السنوات السابقة من عمر الثورة السورية، التي جرب فيها المحتلون كل أنواع التهجير والاستئصال والهندسة الطائفية والتعذيب، ولم يتركوا لغرائزهم حدًا، وهم ينتهكون حقوق الإنسان السوري بحجة الإرهاب.
قد تكون هذه القمة بمثابة تذكرة للعالم بأن وضع سوريا، والسوريين، يستحق أن يتناقش به قادة العالم، وبأن على السوريين أن يشعروا بالأمل، ولكن المعطيات على أرض الواقع هي إلحاق المزيد من الدمار بسوريا، وبجميع الأسلحة الدولية: الروسية والإيرانية والتركية والأمريكية، وبما تيسر من بلاد تجرب أسلحتها وإرهابييها وأحقادها على الشعب السوري.
النظام يرفض اللجنة الدستورية بأوامر روسية، من أجل أن يبدو بوتين في قمة اسطنبول رجل سلام، يحاول إقناع بشار الأسد بالحل السياسي، في حين يتم تحميل بشار الأسد منفردًا بطائرة شحن إلى أي مكان يوجد فيه بوتين، ويرغب بعرضه على العالم كتابع يتلقى الأوامر منه، ويتم إسكاته أمام الكاميرات، وبلا أي خجل، لا منه، ولا من سيادة دولته المزعومة، ولا من رجولة شبيحته التي تحولت إلى التعفيش بعد التدمير.
الإيرانيون والإسرائيليون يتحاربون على الأرض السورية، في مسلسل تاريخي وعقائدي طويل يشبه مسلسلات الكواسر والطواحش، التي أنتجها نجدت أنزور، والذي انضم إلى قائمة تجار الحرب.
الأمريكيون يحتلون ربع سوريا، رغم أن النظام يقول إنه حرر 95% من سوريا، ويرسلون المزيد من المبعوثين الدبلوماسيين، وقد صرح جيمس جفري، المبعوث الأمريكي، بأن الحل السياسي هو ما يوقف تدخل القوات الأمريكية، وإذا كان الروس والنظام، يريدون عقد لجنة دستورية على مزاجهم، فليفعلوا ذلك دون أي شرعية دولية.
قمة “أربعة في أربعة” التي عقدت في اسطنبول، بادرة دولية، وبذرة قد تتطور إلى وقف إعادة تأهيل الأسد، ووقف دعمه بأموال إعادة الإعمار التي ينتظرها الإيرانيون والروس بكل شغف، ليعوّضوا خسائرهم الكبيرة في دعمهم للأسد، وللنظام المخابراتي، الذي يدعون ليل نهار من أجل استمراره في الحكم، فهم قد حاربوا السوريين، وليس لديهم أمل في البقاء في سوريا إلا مع بشار الاسد، ومع شبيحته الذين أضنتهم الحرب، ويئسوا من انتظار استسلام السوريين لهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :