روسيا توجه أنظارها نحو العمال السوريين في الخارج

  • 2018/11/04
  • 12:00 ص

عمال سوريون في بيروت (رويترز)

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

عانت سوريا خلال سنوات الحرب من غياب اليد العاملة والشباب المنتج في السوق، نتيجة موجات اللجوء إلى الخارج بحثًا عن ملاذات آمنة، ما أثر سلبًا على عجلة الإنتاج والاقتصاد.

خلال الأشهر الماضية عمل النظام السوري إلى جانب حليفه الروسي على دعوات لإعادة اللاجئين، عبر خطة روسية تقوم على التنسيق مع دول الجوار التي تضم النسبة الأكبر من السوريين (لبنان وتركيا والأردن) وتقديم ضمانات لهذه الدول بعدم التعرض للاجئين العائدين، في محاولة من قبل موسكو لإعادة اليد العاملة وخاصة فئة الشباب، لأن التعويل على هذه الفئة كبير لمرحلة إعادة الإعمار التي تحاول إطلاقها، بسبب عدم القدرة على جلب عمالة خارجية من دولة أخرى، بحسب ما قاله نائب المدير التنفيذي للمنتدى الاقتصادي السوري، رامي شراق، لعنب بلدي.

نقص العمالة يهدد الاقتصاد السوري

خلال سنوات الحرب تم تفريغ سوريا من اليد العاملة الماهرة نتيجة الأعمال العسكرية، وهروب الشباب من الخدمة العسكرية الإلزامية أو من الاعتقالات الأمنية، كما أدى الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار إلى هجرة العاملين بحثًا عن واقع اقتصادي أفضل في أسواق الدول المجاورة.

وفي الوقت الذي تغيب فيه إحصائية ثابتة عن عدد العمال الذين غادروا سوريا، قال رئيس اتحاد العمال في سوريا، جمال القادري، إن السوق السورية تعاني من نقص شديد في اليد العاملة نتيجة تسرب العمالة خارج الحدود تحت ضغط الحرب والأزمة المعيشية.

وأضاف القادري، في حديث مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، في نيسان الماضي، أن “الشركات والمؤسسات تشكو من نقص العمالة”، موضحًا أن عدد المنتسبين للاتحاد كان مليونًا و200 ألف عامل سابقًا، في حين يبلغ حاليًا ما يقارب 950 ألف عامل.

في حين نقلت صحيفة “الثورة” الحكومية عن رئيس المكتب الاقتصادي في الاتحاد العام للعمال، عمر حورية، في أيلول 2016، أن قوة العمالة المهاجرة تزيد على المليون عامل معظمهم من الاختصاصيين والفنيين والمهنيين وأصحاب العمل.

كما تراجعت أعداد العاملين في القطاعين العام والخاص بسبب تدمير الكثير من المنشآت في القطاعين، بحسب ما قاله مدير العمل في الاتحاد العام لنقابات العمال، حيدر حسن، لموقع “داماس بوست” المحلي في آذار 2017.

وأشار حسن إلى أن مؤسسة الأقطان التابعة لوزارة الصناعة تراجع عدد عمالها من ستة آلاف إلى 600 عامل فقط. كذلك تراجع عدد العاملين في الغزل والنسيج بحلب من 561 إلى 194عاملًا، ومن 469 عاملًا في الشهباء للغزل والنسيج إلى 158 عاملًا، وانخفض عدد العمال في الصناعات الحديثة بدمشق من 397 عاملًا إلى 81 فقط.

سوريون يحسنون اقتصاد الدول المجاورة

هجرة العمال السوريين كان لها أثر سلبي على الاقتصاد الوطني، إذ أدت إلى ضعف العملية الإنتاجية، كما أسهمت بعدم عودة الصناعيين إلى مناطقهم ومصانعهم بعد انحسار المعارك العسكرية، بحسب نائب المدير التنفيذي للمنتدى الاقتصادي السوري، رامي شراق، الذي أكد لعنب بلدي أن الصناعيين الذين عادوا إلى المناطق الصناعية يشتكون من عدم توفر يد عاملة ماهرة، وخاصة من فئة الشباب غير الموجودة في سوريا.

دفع ذلك معظم المصانع التي كانت تعمل بنظام ثلاث ورديات لمدة 24 ساعة، إلى العمل لساعات معينة فقط نتيجة عدم وجود عمالة وعدم توفر البنية التحتية والمواد الأساسية، مثل المازوت والكهرباء والمواصلات.

وبحسب تقرير صادر عن مرصد سوق العمل التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، نشرته صحيفة “الثورة”، في تموز الماضي، فإن المؤهلات العلمية والمهنية الموجودة غير موائمة لاحتياجات السوق ولا تلبي الطلب، ما يعطي مؤشرًا قويًا على خلل في خصائص الخبرات والقدرات لدى قوة العمل.

كما أسهم نقص العمالة في انخفاض مشاركة العمال الشباب ما بين 18 إلى 31 عامًا في قوة العمل، مقارنة بارتفاع مشاركة الشريحة العمرية بين 32 و49 عامًا، إضافة إلى بروز العمالة المؤنثة التي باتت ثلاثة أضعاف أعداد العاملين الذكور في مؤسسات القطاع العام، بحسب التقرير.

في حين أكدت وزارة الصناعة في دراسة لها، نشرتها الصحيفة نفسها، أن أعمار العاملين الذين تجاوزوا سن الـ 45 عامًا بلغ 23056 عاملًا، بينما بلغ عدد العاملين الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا 863 عاملًا.‏ ‏

لكن هجرة اليد العاملة السورية كان لها أثر إيجابي على الدول المجاورة نتيجة الدور الاقتصادي التي قامت به، ويبلغ عدد العمال السوريين في سوق العمل الأردني 600 ألف سوري يعملون في المهن الإنشائية والزراعية والخدمية، بحسب ما قاله رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في الأردن، مازن المعايطة، لوكالة “الأناضول” في تموز 2017.

أما في تركيا، فشكلت الاستثمارات السورية 14% من الاستثمارات الأجنبية، ووصل الإسهام السنوي للسوريين في الاقتصاد التركي إلى مليار ومليون ليرة تركية، أي ما يعادل 371 مليون دولار أمريكي، بحسب ما ذكرت صحيفة “يني شفق” التركية في أيلول 2017.

وفي ظل غياب الأرقام الرسمية عن عدد العمال السوريين في تركيا، فإن العدد المسجل في دليل التأمينات بلغ بين 1.2 و1.3 مليون عامل، وفق أرقام نشرها الموقع الرسمي في كانون الأول 2017.

وفي لبنان، ورغم دعوات “عنصرية” لترحيل اللاجئين والعمال الذين شكلوا ضغطًا على العمالة المحلية، فإن وزير النازحين اللبناني، معين المرعبي، قدّر حاجة لبنان من العمال السوريين بـ 300 ألف سنويًا.

عودة العمال السوريين هدف روسي

في ظل الحديث عن مرحلة إعادة الإعمار في سوريا، تسعى روسيا إلى عودة اللاجئين السوريين واليد العاملة من الخارج، عبر عدة إجراءات منها التنسيق مع دول الجوار، كما يدعو النظام السوري عبر مسؤوليه بشكل متكرر اللاجئين السوريين في الخارج بالعودة.

آخر هذه الإجراءات كان إصدار رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مرسوم عفو عن الفارين من الخدمة الإلزامية والاحتياطية، في 9 من تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من شطب دعاوى الاحتياط القديمة.

روسيا بدورها ربطت بين مرسوم العفو وبين عودة اللاجئين، إذ قال وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، إن “المرسوم عبارة عن خطوة في اتجاه المصالحة الوطنية، وإيجاد ظروف مقبولة للاجئين الذين يريدون العودة إلى سوريا إلى جانب النازحين داخليًا”.

وقال المحلل الاقتصادي السوري فهد باشا إن النظام يحاول إعادة تلميع صورته بمساعدة ودعم روسي ولكن من الصعب أن ينجح بذلك، بسبب عدم ثقة الشباب به وبقرارات الإعفاء التي يصدرها، في حين عبر مجموعة من الشباب الذين التقتهم عنب بلدي في تركيا عن تخوفهم من العودة إلى سوريا في الوقت الحالي خوفًا من أن يكون رفع دعاوى الاحتياط مصيدة للشباب من قبل النظام.

وأكد الدكتور في الاقتصاد حسام حلمي، لعنب بلدي، أن زيادة الطلب على اليد العاملة في سوريا سيؤدي إلى ارتفاع أجرتها ما يشجع بعض العمالة السورية الموجودة في لبنان (ودول الجوار) على العودة للعمل داخل سوريا، خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة وتدني أجرة العامل السوري في لبنان.

جلب يد عاملة من خارج سوريا “مستحيل”

نقص اليد العاملة السورية يعتبر، إلى جانب توفير ممولين، من أكبر تحديات إعادة الإعمار التي تواجه روسيا، لأن سوريا ليست دولة غنية لجلب عمالة من الخارج، بحسب المحلل فهد باشا، الذي قال لعنب بلدي إنه من الصعب جلب يد عاملة أجنبية على المستوى المجتمعي، خاصة أن السوريين عاشوا خلال تاريخهم يعملون بكل طاقتهم ويصدّرون العمالة إلى دول الجوار والخليج والعالم.

في حين اعتبر شراق أن جلب عمالة من الخارج مستحيل، لصعوبة إقناع اليد العاملة الأجنبية بالقدوم إلى بلد لا تتوفر فيه الظروف الملائمة للعيش.

كما أن السوق السوري سيكون منافسًا ضعيفًا أمام أسواق العمل الأخرى، كأسواق إفريقيا ودول الخليج، وبالتالي لا بد من دفع رواتب كبيرة من أجل إغراء اليد العاملة.

جلب يد عاملة من خارج سوريا مرهون بالظروف الأمنية في المستقبل وحالة الاستقرار الداخلي، بحسب حلمي، فانعدام الأمان قد يجعل جلب عمالة خارجية صعبًا أو غير ممكن.

وأضاف حلمي أن ذلك يعتمد على شركات الإعمار التي من الممكن أن تجلب معها بعض العمالة الخارجية، لكن يجب أن يكون الحافز “كبيرًا”، خاصة ما يتعلق بالرواتب العالية، مؤكدًا أنه رغم ذلك لا يمكن جلب كل العمالة اللازمة.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية