محمد رشدي شربجي
يعاني العرب السنة في منطقة الشرق الأوسط من هزيمة تاريخية، انظروا حولكم.
الفلسطينيون منذ 70 عامًا تحت حكم الأقلية اليهودية التي أصبحت أكثرية بعد المذابح والتهجير.
الفترة ذاتها تقريبًا عاشها العرب السنة في لبنان تحت حكم المسيحيين الموارنة بداية ثم الشيعة بعدهم.
لدى الجار الكبير سوريا لم يكن حال السنة أفضل، أو قُل، كان الأكثر فداحة وكارثية، استولى حافظ الأسد على السلطة بعد انقلاب تشرين الأول 1970، بشكل أدق بعد انقلاب 1966، فانقلاب 1970 كان حربًا بين العلويين أنفسهم على السلطة.
في العراق التحق العرب السنة بركب إخوانهم في دول الجوار، اجتثاث البعث هناك كان في حقيقته اجتثاثًا للسنة من الدولة، وآخر اللاحقين كان اليمن بطبيعة الحال.
من لبنان إلى اليمن هناك غائب أساسي في أي نقاشات سياسية، وهم العرب السنة.
قد يكون قيام الثورة الإسلامية في إيران وتبنيها مفهومًا جديدًا للأمن القومي أسماه عزمي بشارة يومًا بالأمن القومي المذهبي، سرع بهذا المسار التنازلي، بيد أن الانحدار سابق على الثورة ويمتد حتى بداية القرن الماضي مع تفكك الإمبراطورية العثمانية وتقسيم المشرق العربي بين القوى العظمى التي زرعت عن سابق إصرار وترصد في جذور الكيانات العربية الناشئة بذور الشقاق.
ولا يجوز إلقاء كل الملامة على القوى الخارجية، وإن لعبت دورًا محوريًا في هذا، فالقومية العربية، لأسباب كثيرة أبرزها غياب الديمقراطية، لم تكن قويةً بما يكفي لتشكيل هوية صامدة لسكان المنطقة بعيدًا عن الولاءات الطائفية، وهذا حديث آخر.
لقد تغيرت الخارطة السياسية العربية خلال القرن الماضي بشكل حاد، ومن المفيد هنا الاطلاع على دراسة مهمة قدمها الباحث مروان قبلان في هذا المجال، فحتى حرب الخليج الثانية كان العراق بجانب سوريا ومصر هو الناظم لإيقاع النظام السياسي العربي، ثم تغيرت المعادلة لتصبح أقطاب المثلث سوريا ومصر والسعودية.
واليوم وبعد أن أتت الثورات العربية على الكيان السوري والمصري لم يبق -وَيَا للعجب- في المنطقة دولة سنية قائمة إلا السعودية، وهي قادرة بحكم ما لديها من موارد على لعب دور قيادي في العالم العربي والإسلامي على السواء، ولكنها تتبنى أيديولوجية سلفية وهابية تنتمي للقرون الوسطى، وهذه السلفية إحدى مصائب العرب السنة بالتأكيد، حتى حين قررت المملكة التخلي عن الوهابية -وهذا شيء صحيح- وتحديثها، تولى هذه المهمة مراهق مدلل معجب بنصف مجنون كاره للإسلام ليس لديه أي التزام تجاه أي قضية عربية أو إسلامية.
ويرى المراقب أن الوحيد الذي يدافع بقوة عن ابن سلمان لإنقاذه من ورطة خاشقجي هو رئيس الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، وفي هذا خسارة هائلة للسعودية سواء نجا ابن الملك أم لا، فقد كانت وستبقى القضية الفلسطينية قضية مركزية في العالم العربي والإسلامي، ويحار المرء كيف لابن سلمان أن يعتقد أن المملكة بتخليها عن الإسلام والعروبة ستستطيع هزيمة إيران، إلا قناعة طفولية أن إسرائيل والولايات المتحدة ستحارب إيران نيابة عن العرب!
لقد اخترقت إيران العالم العربي بعد تخلي العرب عن فلسطين في كامب ديفيد، واليوم يفتح ابن سلمان أبواب العالم الإسلامي أمام إيران بتخليه عن العروبة والإسلام.
لقد أطلق ابن سلمان رصاصة الرحمة على العرب السنة.