تمام محمد – بيروت
«حجزٌ فندقيٌ ومبلغٌ قدره 1000 دولار بالعد والنقد حتى نخرج من تحت الدلف إلى أسفل المزراب»، بهذه الكمات افتتح الشاب ياسر حديثه لعنب بلدي حول قرار الحكومة اللبنانية الأخير، الذي يقيد دخول السوريين ويحدد سمة دخولهم ومدة إقامتهم في أراضيها.
ووصف ياسر القرار بـ «التعجيزي»، «فكيف يمكن لهاربٍ من براميل الموت وصواريخ الأسد بثيابه وعائلته أن يحمل هذا المبلغ.. لقد عدلت عن السفر».
وأعلنت المديرية العامة للأمن العام اللبناني نهاية الشهر الماضي، وضع معايير جديدة تنظم دخول السوريين إلى لبنان بدءًا من 5 كانون الثاني، ما أثر سلبًا على المسافرين والمهجرين خوفًا من الحرب، أو المقيمين وأصحاب العمل داخل الأراضي اللبنانية، إذ اتسم القرار بجدية تطبيقه على المنافذ البرية والجوية، بينما جعله البعض محط سخريةٍ على أنه «غير قابلٍ للتطبيق».
معايير تربك حسابات السوريين
أم أحمد وصلت مع عائلتها الأسبوع الجاري إلى لبنان عبر مطار رفيق الحريري الدولي، وأفادت عنب بلدي أن هذه الإجراءات قيد التنفيذ مع تشديدٍ في تطبيق الشروط المتعلقة بها، «انتظرنا ساعةً في المطار حتى تأكد الضابط من حجز الفندق وأن بحوزتنا ألف دولار أمريكي تحت سمة سائح».
كما انعكس القرار خلال الأيام الخمسة بين صدوره وتنفيذه على تجهيزات قدوم العائلة إلى لبنان، وتقول أم أحمد «اضطررنا إلى حجز غرفةٍ في أحد فنادق بيروت لمدة شهر لتوافق شروط الدخول رغم استئجارنا لأحد المنازل… لقد خسرنا الأجرة ورفض صاحب المنزل رد المبلغ إلينا».
تأشيرة سياحية وإقامة مؤقتة
وتشمل المعايير الجديدة المفروضة أنواعًا مختلفة من التأشيرات والإقامة وهي: التأشيرة السياحية والإقامة المؤقتة وتأشيرات أخرى للراغبين في الدراسة في لبنان، أو للسفر عبر مطاره أو أحد موانئه البحرية، أو القادمين للعلاج أو لمراجعة سفارة أجنبية.
كما نصّت المعايير الجديدة على حصر دخول السوريين بهذه الأسباب إلا «في حال وجود مواطن لبناني يضمن ويكفل دخوله وإقامته وسكنه ونشاطه».
نقطة المصنع تواصل «تعاليها» على الوافدين
من جهة أخرى، لم تتحسن معاملة حرس الحدود البرية مع سوريا عند نقطة المصنع إثر صدور القرار، إذ استمر بالتحكم بدخول السوريين بشكل «مزاجي وسط تكبر واستعلاء على الوافدين»، بحسب محمد، الذي فشلت محاولة سفره على الرغم من التزامه بالشروط.
يقول محمد «رفض الضابط استقبالي بعد أن رأى حجز الأوتيل والـ 1000 دولار التي أملكها»، مؤكدًا على سوء المعاملة غير المبررة، «عندما حاولت معرفة السبب حصلت على منع دخول لثلاثة أشهر مصحوبةً بالشتائم والنظرات الفوقية».
كما تحدث نذير، أحد سائقي التاكسي على خط دمشق – بيروت، لعنب بلدي عن تناقص عدد المسافرين إلى لبنان بعد صدور القرار «توقف عملنا، يأتيني طلبٌ كل يومين وأحيانًا كل ثلاثة، ولا يوجد باليد حيلة».
غير أن قسوة الشروط باتت أفضل من المنع التعسفي الذي شاع في الآونة الأخيرة «هكذا يعرف المسافر ما إذا كان سيدخل أو يحصل على منع دخول»، بحسب رؤية نذير.
عامٌ دراسي تحت رحمة القرار
طلاب الشهادة الثانوية السورية اللاجئون في لبنان كان لهم كذلك نصيب من الضرر، فهاجس الحدود ومنع الدخول بات أرقًا يوميًا يعيشونه، حيث يتوجب عليهم العودة إلى سوريا لتقديم اختبار القبول والامتحانات النهائية بغية نيل شهادةٍ معترفٍ بها دوليًا، بحسب طلاب البكالوريا في البقاع.
وقالت دانيا، إحدى الطالبات، لعنب بلدي «سبب لنا القرار ضغطًا إضافيًا، وتراجع مستوانا الدراسي وضعف تركيزنا»، وتضيف زميلتها ريم «لقد وضعنا القرار أمام 3 حلول: إما أن نقدم في سوريا وننتظر قرارًا يسمح لنا بالعودة، أو نلجأ إلى دراسة المنهاج الليبي، وآخرها أن نترك الدراسة منتظرين فرج الله».
قرارٌ جائر وانتهاك للقانون الدولي
بدوره، وصف علي سلامة، الناشط اللبناني في إغاثة اللاجئين السوريين، القرار بـ «الجائر» متمنيًا لو كانت هذه الخطة لتخفيف العبء عن الحكومة اللبنانية بشكلٍ آخر، معتبرًا «إنشاء مخيماتٍ إنسانيةٍ حدوديةٍ تقوم على تأمين حاجات اللاجئين الخدمية والرقابة الأمنية كمخيمات تركيا كان سيحل المشكلة».
كما عزا إصدار هذه الإجراءات إلى أسبابٍ أمنيةٍ «الاشتباكات على الحدود المشتركة بين البلدين في القلمون وظهور داعش وبعض التنظيمات المتطرفة الأخرى يهدد لبنان أمنيًا»، وأخرى عنصريةٍ وطائفية «والأقليات التاريخية عززته بحجة تهديد الديموغرافيا اللبنانية».
كما حذرت منظمة العفو الدولية «آمنستي» من أن الإجراءات الجديدة «تشكل انتهاكًا للقانون الدولي»، وشددت على ضرورة أن يدفع ذلك المجتمع الدولي إلى مساعدة لبنان وغيره من بلدان المنطقة لمواجهة واحدة من أكبر أزمات اللجوء في التاريخ الحديث.
ولفتت المنظمة، في بيان لها يوم الجمعة، إلى أن «فرض السلطات اللبنانية شروطًا جديدة قد تقيد دخول الأشخاص الذين يحاولون جاهدين الفرار من سوريا إلى أراضيها».
جدل وسخرية
مجموعات الفيسبوك الخاصة باللاجئين في لبنان كانت جزءًا من الحدث أيضًا، فالأسئلة والنقاشات التي تطرح وتطلب معلوماتٍ عن الشروط لا تكاد تتوقف يوميًا منذ إعلانها.
بينما اتسمت بعض التعليقات بالسخرية والاستهزاء من القرار وعدم قابلية تطبيقه فكتب أحدهم «إذا أغلقت الحنفيات في سوريا… لبنان رح تموت من العطش»، وكتب آخر «الدهان سوري والبلاط سوري والمعمرجي سوري والنجار سوري والحداد سوري… عزيزي اللبناني بدك ترجع للعصر الحجري بعد تسكير الحدود مثلًا».
بينما دارت العديد من التعليقات حول ارتباط القرار بأجندات سياسية بعيدًا عن الحالة الإنسانية، خصوصًا مع قرارات مماثلة في الأردن ومصر التي منعت كذلك دخول السوريين إلا بشروط معقدة، في حين أوقفت ليبيا مؤخرًا دخولهم إطلاقًا تحت أي صفة.
ويستضيف لبنان قرابة مليون ونصف لاجئ سوري منذ بداية الثورة السورية قبل 4 سنوات تقريبًا، ولديها أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة لعدد السكان في العالم، وقد بدأت الحكومة بإجراءات تحد من دخول اللاجئين منذ منتصف العام الماضي، لكن بشكل غير رسمي.
وتذرعت الحكومة بأن القرارات الجديدة تعود لأسباب أمنية واقتصادية، لكنها لم تحاول إغلاق الحدود في وجه اللبنانيين المتسللين إلى القلمون وحمص وغيرها من مقاتلي حزب الله وغيرهم، ولم تشتكِ للأمم المتحدة من فقدان السيطرة على الحدود، فهل يكون النأي بالنفس باتجاه الضغط على السوريين فقط؟