فراس العقاد – اسطنبول
لم يكن أحمد شوقي يعلم حين قال «العلم يرفع بيوتًا لا عماد لها» أن عناء الحصول على الشهادة الجامعية سيزول ببضعة دولارات، ولم يدرك أيضًا أن هذه الورقة الملونة والمزينة ببعض الأختام ستكون كالبقرة الحلوب لتجار يبررون خلال حملاتهم التعاطفية الإعلانية عبر موقع الفيسبوك بأنها «خدمة لمساعدة أبناء وطنهم» في الحصول على أوراقهم الرسمية.
بجهد بسيط وصلت عنب بلدي إلى رقم أحد المزورين في تركيا، وقامت بطلب شهادة في الاقتصاد منه، لكنه اعتذر لانشغاله طالبًا الاتصال بعد ساعة، لتعيد الجريدة المحاولة مع عددٍ من المزورين، فيردها اتصال من رقم مشفر بدأ الحديث بتهجم: «تريدون كتابة تقرير عنا أيها الصحفيون.. أين ألتقي بك.. هل تريدون مهاجمتنا؟».
وبعد أخذ ورد، استجاب المزور للأسئلة، مبررًا أن «كل ما نقدمه من أوراق هو لخدمة أولاد شعبنا السوريين الذين خرجوا من الحرب وفقدوا أوراقهم الثبوتية أو غيرها»، لافتًا أنه اختار هذا العمل لحالته المعيشية المتردية «أنا إنسان يجب أن أعيش وأطعم عائلتي وأولادي»، واختصر واصفًا آلية التزوير «ما أقوم به هو عملية تصميم على برنامج photoshop وطباعتها»، لكن مزورين آخرين استطاعوا الحصول على الأختام النظامية من جامعة حلب ودمشق، وتعتبر هذه الشهادة هي الأعلى وتعادل تقريبًا 1500 دولار، بحسب المزور، الذي أضاف «أما شهاداتنا فتعادل 700 دولار فقط».
أويس، خريج كلية العمارة في جامعة دمشق، يتساءل «بغض النظر عن ترتيب الجامعات السورية، هناك خريجون تعبوا وقضوا عددًا من السنين في سبيل الحصول على الشهادة، هل هذا رخيصٌ في عيون المزورين لهذه الدرجة؟». وأردف «لم أحاول شخصيًا تجربة تعديل شهادتي، لكن أصدقائي ينقلون لي صعوبات في المراسلات بين الخارجية السورية والتركية، ما دفع بعضهم للعمل بطرق غير شرعية».
ورغم اتهام حكومة الأسد بالتورط مع السماسرة في تسهيل التزوير أو تأمين الأوراق اللازمة له دون تدقيق، صرح محمد المارديني، وزير التعليم العالي في حكومة الأسد، لصحيفة الوطن الموالية أنه «سيتم قريبًا إطلاق تجربة تضمن فيها الشهادة عبر كودات أمنية وشريحة ذكية»، مؤكدًا أن «الشهادة السورية ما زالت قوية ويجب اتخاذ إجراءات كفيلة للمحافظة عليها فيما يصب في جودة وسمعة هذه الشهادة».
وبالتواصل مع جرير الطه، وهو مدير المركز العلمي في اسطنبول، أكد بدوره الأثر السلبي للشهادات المزورة بالقول «موظفو الجامعات التركية لا يعرفون حقيقة الشهادة السورية، وعندما يشاهدون 4 شهادات مختلفة يضيع بين الشهادات ويرفضها جميعًا، ويعسر على بقية الطلاب السوريين».
وبالرغم من حملات التزوير الشائعة ما تزال الجامعات التركية تقبل السوريين بشروط طبيعية، مشترطة في أغلب الأحيان شهادة بكالوريا بمجموع عال بالإضافة لجواز السفر، لكن الطه يؤكد أن «القبول في الجامعات لن يبقى هكذا في حال استمر المزورون بهذا العبث.. يضر نفسه ويضر غيره»، داعيًا إلى «إنشاء جهة ما لملاحقة الشهادات المزورة بالآلاف».
إلى ذلك أطلق موقع دوبارة حملة «شهادة مالك دارسها.. مو منطقية بنوب» للتوعية من تداعيات التزوير على المدى البعيد، ليس على المزور أو مستخدمها فحسب بل على كل خريجي الجامعات السورية.
وجاء في إحدى منشورات الحملة «حتقلي راحت عليك وما فيك تكمل دراستك.. اللي بيحط هدف قدامو بيوصلوا حتى ولو أخذ وقت أطول شوي والفرص موجودة وما في شي مستحيل».
كما أطلقت صفحة «الباحثون السوريون» هاشتاغ #تصديق_الشهادات_إلكترونيًا، محاولةً نقاش الحلول عن طريق موقع يمكن من التأكد من خلاله من موثوقية الشهادة بإدخال رقمها وكنية الشخص «هذا الحل على الرغم من سهولته ينقذ حياة الكثيرين، ويسعف هيبة المؤسسة السورية التعليمية».
يعتبر البعض أن القضية تحلّ بمحاربة التزوير، لكن آخرين يشيرون إلى أن الخروج عن القوانين ثقافة لدى أصحابها ويجب التغلب عليها بالتوعية واحترام المواثيق، إذ إن الرادع الأول والأخير هو «الضمير».