أماني رياض – بيروت
تتزايد أعداد شهداء ومعتقلي ومفقودي الحرب الدائرة في سوريا من الرجال بشكل ملحوظ، مما يلقى على عاتق المرأة أعباءً جديدة، لتجد نفسها المعيل الأول لأبنائها والمسؤولة عن معظم المهام المعيشية بعد أن كادت مهامها تصل إلى حد التهميش في كثير من مجالات الحياة.
ودفع ذلك عددًا من المنظمات لخلق بيئة حاضنة لتمكين المرأة السورية ومساعدتها على تأمين احتياجاتها بنفسها، ولتصبح عضوًا فعّالًا في مجتمعها، وعليه أنشئ مركز النساء الآن في لبنان في 2 كانون الثاني من العام 2014 ليعمل على تمكين المرأة في شتى المجالات.
تقول مجد شربجي، مديرة المركز، إنه «مشروع وطني، وهو امتداد لعدة مراكز موجودة في الجنوب والشمال السوري»، مؤكدة أن «الهدف القريب من العمل هو توعية وتمكين المرأة لتستطيع أن تعيل نفسها وأسرتَها في هذه الظروف، أما الهدف البعيد فهو تنشيط دور المرأة في المجتمع وحل الصراع القائم في سوريا وإحلال السلام والمساهمة في عملية إعمار سوريا من جديد».
- نشاطات المركز
نظم القائمون على المركز دورات عديدة تشمل الحلاقة والتجميل، الكمبيوتر، اللغات الإنكليزية والفرنسية، الرسم، التطريز، الحياكة بالإضافة إلى دورات في مجال الدعم النفسي للسيدات وأطفالهن سواء في المخيمات أو في المركز نفسه.
ويعمل المركز أيضًا على دورات العدالة الانتقالية وحملات المجتمع المدني كحملة «فرحة العيد من جديد»، التي تضمنت فعاليات وأجواء مشابهة لأعياد سوريا، وحملة «السلام» التي أطلقها ووُزعت من خلالها الزهور البيضاء مرفقة بعبارات تحمل معاني السلام على السيارات والمارة في منطقة سعد نايل بالبقاع الغربي.
وبلغ عدد المستفيدات من المركز منذ انطلاقه وحتى نهاية العام 2014 حوالي 5 آلاف امرأة وفتات، منهن 650 حصلن على شهادات في الدورات التي خضعن لها، وبعض هؤلاء السيدات استطعن أن يجدن فرص عمل بعد حصولهن على الشهادة.
- تجارب ناجحة
عبير (30 عامًا)، مدرّسة رسم لاجئة من دمشق إلى لبنان، استطاعت أن تجد عملًا ضمن مجال التمريض وتصبح مدربة بعد أن كانت متدربة إثر حصولها على شهادة بتقدير ممتاز في دورة التمريض التي خضعت لها.
وكذلك حال زميلتها أم أمين (36 عامًا)، وهي لاجئة من درعا، وجدت عملًا في مجال الحلاقة والتجميل، وتقول إن السبب الرئيسي الذي دفعها وابنتها إلى التسجيل في المركز هو حاجتها لخوض غمار الحياة بنفسها بعد انقطاعها ضمن بيتها فترة طويلة.
ولكي تثبت نفسها كامرأة منتجة لا مستهلكة، وجدت أمّ أيمن في المركز حاضنًا أكثر من الذي كانت تتوقعه، مشيرةً إلى دورات الدعم النفسي التي قدمت لها «حافزًا جيدًا وجرعة من الأمل استطعت من خلالها حصد ثمرة جهدي».
ولنساء المخيمات وأطفالهن في منطقة البقاع الغربي نصيبٌ من نشاطات المركز، إذ ترى أم مصطفى (40 عامًا) أن دورات الدعم والتوعية التي أقيمت في المخيم الذي تقطنه، فتحت لها المجال للتعامل مع أطفالها بشكل أفضل بعيدًا عن العنف الشائع الذي أصبح وسيلة للتربية.
كما طبقت المدربات برنامج «أنا أتعامل» لأطفال المخيمات، من إعداد منظمة أطفال الحرب، وهو عبارة عن تدخل نفسي بالمهارات الحياتية التي تنمّي قدرة الأطفال على التعايش في مناطق النزاع.
- مشاركة لبنانية
وفي تطور جديد، أتاح المركز المجال أمام المواطنين اللبنانيين للاستفادة من نشاطاته، إذ فتح باب التسجيل لهم في كافة الدورات التي يقيمها، وقدم فرص عمل ضمن فريقه وذلك «لتشجيع الاندماج بين المجتمعين والتأكيد على رابطة الأخوة بين البلدين» على حد تعبير نور، المديرة التنفيذية للمركز.
في المقابل، تشتكي عدد من النساء من عدم توافر المواصلات إلى المركز وعدم حصولهن على المعدات والأدوات اللازمة لإنشاء عملهن الخاص، كما تقول سلوى اللاجئة من حلب، التي تتمنى لو أن المركز يوفر معدات وأدوات للتجميل للمتدربات.
بدورها تقول مجد شربجي إن المركز ليس من خططه تأمين مواصلات المتدربات باستثناء تغطية جزء من مواصلات المخيمات، مشيرةً إلى أن «تمويل المركز لخدمة النساء داخله وكل شيء متوفر فيه بالمجان».
وأردفت «المركز يعمل على تمكين المرأة لتصبح قادرة على إنشاء عمل لوحدها، أما تأمين المستلزمات ليس من نظام المركز وليس متفقًا عليه بشكل مسبق مع أحد».
- وللأطفال والشباب نصيب
«انطلاقًا من أن الأسرة نسيج واحد ويجب رفع سوية الثقافة بين الذكر والأنثى داخل الأسرة الواحدة على حد سواء، وبسبب قلة الاهتمام من قبل المنظمات بالشباب وتركيزها الأكبر على الأطفال والنساء»، افتتح المركز قسم خاصًا للتمكين الأسري للشباب.
وقدم القسم دورات في مهن ومهارات تفسح لهم إيجاد فرص عمل مثل الحلاقة، المونتاج، التصميم، صيانة الحاسوب، التصوير، التمريض، واللغة الإنكليزية.
ولم يُغفل القائمون على المركز دورات المتابعة الدراسية للأطفال الذين حرموا من دخول المدارس، إذ وصل عدد المشاركين فيها إلى 60 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 6 لـ 13 عامًا، قدمت لهم دورات في مادتي اللغة العربية والإنكليزية.
يسعى مركز النساء الآن في لبنان إلى مزيد من التطور مع دخول عامه الثاني من خلال خطة لتوسيع مجالات عمله وتطويرها بما يخدم المرأة وأسرتها، على الرغم من الصعوبات التي تعترض السوريين في معظم البلدان التي لجأوا إليها هاربين من ظلم الحرب والدمار.