«ذاكرة الماء» هو عنوان رواية الأديب الجزائري «واسيني الأعرج»، لكن هل للماء ذاكرة؟، يجيب الكاتب: «هو ذاكرة جيلي الذي ينقرض الآن داخل البشاعة والسرعة المذهلة والصمت المطبق، ذنبه الوحيد أنه تعلّم وتيقن أن لا بديل عن النور إلا النور»
تتحدث الرواية عن أستاذ جامعي قرر البقاء داخل نيران الوطن وقيامات حرب الجزائر التي أشعل جحيمها قتلة متعطشون للدم، متشوقون للصحراء، رافضًا أن يترك الفاشية الدينية الرعوية لتصبح قدرًا بلا مقاومة، تاركًا زوجته وابنه في باريس، يستعرض فيها الفترة الأصعب في تاريخ الجزائر والتي كانت تقترب من حرب أهلية بعد نجاح التيار الديني في الوصول للحكم في انتخابات تشريعية في مطلع التسعينات.
الرواية أقرب إلى نص أدبي طويل على شكل رواية، تحتشد فيه تفاصيل كثيرة وحوارات غنية سكب فيها «واسيني» طفولته ودهشته وعدم اعتياده على البشاعة، ملأها بالجمال ورسم خطوطها بالنور البنفسجي، كتبها على طول عامين تنقل فيهما بين مدن كثيرة ابتدأت بالجزائر وانتهت عندها، بدءًا من شتاء 1993 وحتى 1995، كان الكاتب طوال العامين يحلم بشيء واحد صغير، كبير بالنسبة له، هو أن يكمل النص قبل أن تسرقه رصاصة طائشة، نكاية في القتلة.
فيكتب في مقدمة كتابه: «وها أنا ذا بعد هذا الزمن الكثير الذي لا يساوي الشيء الكثير أمام من فقدوا أرواحهم، أخرج للنور مثقلًا برماد الذاكرة، أمشي على الملوحة والماء وفاء لهذا الماء ولتلك الذاكرة»
الرواية مكتوبة بلغة شاعرية بأعلى مقامات الحزن والحرب، ينقل فيها معاناة الإنسان الجزائري الذي يعيش مفتقرًا للأمان، مدججًا بحب وطن لا يوفر له هذا الأمان، وسجينًا بين حيرته وحريته ومحاصرًا بالمسلحين المتشددين الدينين الهمجيين.
«ذاكرة الماء» لا تحوي قيمة تاريخية أو معرفية أو حتى روائية كبيرة، فلا دهشة في تسارع أحداثها ولا تشويق أو حبكة روائية معتبرة، لكنها مسبوكة بالعطر والرقة وبالياسمين ذي العبق المؤلم الذي يخترق القلب كالبارود. وفيها وصف غني جدًا لتفاصيل الجزائر وأسماء شوارعها وحاراتها وشواطئها ورمالها.
التفاصيل هي روح الرواية وسرها، لذلك لن تكون خيارًا جيدًا لمن يبحث عن القراءة بهدف التشويق أو القيمة أو المعرفة.