سوريا – المؤامرة: أحجيةٌ أم معجزةٌ ؟
جريدة عنب بلدي – العدد 25 -الأحد – 22-7-2012
في خضم تطور الواقع الميداني للثورة والثوار، وتقدم ونجاحات الجيش الحر في نقل المعركة إلى عمق قلعة النظام في دمشق، وفي ضوء تزايد الانشقاق الذاتي لشرفاء الجيش ووطنييه، بدأت المؤامرة. فكيف لهذا الشعب أن يستعيد كرامته وحريته بيديه؟! ولمن ستؤول الأمور والحكم بعد السقوط؟! وماذا أفرزت الفترة الماضية من وعي اجتماعي وسياسي لدى الشعب والثوار؟! وكيف ستُوجَه هذه الطاقات بعد النصر؟! وما هي الأفكار والسياسات المحتملة للثورة والثوار؟! وكيف وبماذا يُملأ الفراغ؟!
كلها أسئلةٌ تهم المتابع والمراقب للحراك الشعبي السوري، فسوريا كانت أحجيةً وخارج كل الموازين والتكهنات، نظامٌ مستبدٌ، مؤسساتٌ مواليةٌ ومصنّعةٌ بطريقة النظام، قبضةٌ أمنيةٌ قوية، مؤسسةٌ دينية موالية أو صامتة ومنتفعة أو سلبية ومقيِّدة. فعناصر بقاء النظام كثيرة ومتنوعة ومترابطة بعلاقات تبادلية وانتفاعية. ثار الشعب رغم كل هذه المعوقات ورمى بها بعيدًا، فكانت صدمةً للنظام والعالم. صمت ومراقبة، وساطة وحصار، ولكن دون جدوى، يا لهذا الشعب العظيم؟!
حسبوا الجوعَ يقتلُه، أو العِوَزَ يشلّه، أو القهر يُصمِته. تكالب المحيط الصديق والقريب والبعيد لوأدِه فما نجحوا.
في المقابل، معارضةٌ هزيلة ذات خبرة قليلة وفيها (مندسون)، أضاعها العالم في مساحاتٍ فضائيةٍ إعلامية كبيرة، ومحاكماتٍ دولية وحقوقِ إنسان، سفرٍ ولقاءاتٍ موجّهة. والتركيز على الرغبة النفسية للشعب الثائر لتفريغها وليس للعمل على تحقيقها.
سُئل أحد أعضاء المجلس الوطني قبل سفره إلى تونس بساعاتٍ عن أجندة عملهم في (أصدقاء سوريا)، فأجابني (والله ما بعرف)، وقد كان صادقًا، فقد أثبت ذلك في صفحته. للأسف كانت المعارضة تُقاد من بلدٍ لآخر لملء الفراغ الإعلامي. وكم امتنع كثيرٌ من المعارضين المستقلين عن أداء هذا الدور، وهم كبار بتاريخهم ونضالهم ومرجعيتهم، ولن نخوض بالأسماء بهدف الدعاية. إن معارضتنا الحالية في أغلبها انبثقت من رحم النظام، ولا يزال جزءٌ منها يمتلك عقليته وسلوكه وأساليبه.
وقد صدَق أستاذٌ في جامعة أوربية عندما بدأت الثورة في درعا، وكان كلامه غريبًا حينها حيث قال: سيطورون الحراك لوأده، وإن لم ينهوه ستكون المعارضة (علمت أم لم تعلم) هي سبب إطالته، فهي بأيدٍ أمينة كما قال، وقصد الاحتيال الأمريكي الروسي، وإن هذا الشعب لن يقف معه إلا الله. واستمرت اللعبة، ولكن يبدو أنها في نهايتها. فما يتحقق على الواقع بات يخلط الأوراق كل لحظة.
سوريا ستنتصر لا محالة، ولكن لمن ستكون النتائج؟! فغالبًا ما تُصنع في الكواليس. لم لا تكون مثلًا مثل قطر أو السعودية أو بقية دول الخليج؟ دولة شراكة تُدار اليوم بيد خارجية، بعد أن كانت دولة وظيفة وخدمات. فقد تعب الغرب من عملائه وخدّامه طيلة السنوات الماضية، فهم مطيعون ولكنهم مثيرو شغب، مطيعون ولكنهم مغامرون ومقامرون، وقد أظهرت السنوات السابقة ذلك (الهجرة الشرعية والغير شرعية، تصدير الإرهاب، التوتر الاقتصادي السياسي).
نعم دولة شركة فيها رئيس ومجلس إدارة وموظفين، تقوم في النهاية على الربح والخسارة، فالمقترح نموذج خليجي. فدول الخليج تقوم على أساس الخدمات وينظر إليها من أعلى كناتج من عدة نقاط، ولا تهم التفاصيل، نفط، غاز، خدمات، وسوق استهلاك، وتُدعم بعناصر استمراريتها، سلطة أمنية وإدارة مالية. أما السلطة الأمنية فهي جيش ودين، جيش أمني، وهيئات وجمعيات دينية وغيرها، تثبّط وتشلّ المجتمع في كل شيء إلاّ الاقتصاد والاستهلاك، إضافة إلى تيار سلفي (مطيع ولا يخرج عن التعليمات وطاعة ولي الأمر).
ولكن، كيف يمكن مقاربة هذه الصورة في بلد كسوريا؟ أيمكن أن يكون هذا في بلدنا؟ رغم تنوعها الحضاري، العرقي والإثني، الحضري والقبلي، الديني متعدد الطوائف.
قد ينجح القسم الأول (دولة شركة) لما سيقدمه من فرص عمل في مشاريع كبيرةٍ ومردودُها سريع ويمكن لمسه بسهولة، أما الثاني (الديني السلفي وهيئاته) فمستحيل أن تكون له القاعدة المرجوة، فما هو البديل؟
المطلوب تيار ثالث، ينبثق من رحم النظام ويسانده، وتنشأ بينهما علاقة غزل حميمة، وأحيانًا عتاب وتبادل للأدوار. تيار ثالث ينطوي في ظله أغلب تيارت دمشق الدينية الصامتة والسلبية (بدءًا من مدرسة الرفاعي، وتكون واجهةً لما تتمتع به نسبيًا من سمعة طيبة، إلى كفتارو والنابلسي). وبشطره الأمني يقوده المنشقون عن النظام لحماية روح النظام، من معارضين كنواف فارس ومناف طلاس.
لم تقدم أي دولةٍ عربية ولا جامعتهم أي دعمٍ مادي أو سياسي لأي تحركٍ تركي، فقد باءت جميع الزيارات التركية للمنطقة بالفشل. واستمرت المعاناة واستمر بطش النظام، ويستمر الصمت وعملية عض الأصابع. فالجيش الحر، كان حرًا وما زال حرًا، لا يتبع لتمويلٍ ولا لأجندة، ويستمر النظام البائس والمتهالك والمنخور في طغيانه.
ويصمت العالم، ما دام الوضع في توازنٍ حرج، ولكن سيتدخل عندما تبدأ علائم النصر والسقوط، لاحتواء هذا الانتصار الذاتي والعجيب. سيتدخل وسيكون العرب كرماء ومحبين، فكل ما يخشونه عندها هو تصدير الثورة، وهي ليست كباقي الثورات، فهي ليست كالثورة الفرنسية (ثورة جوع)، ولا بلشفية، ولا لاتينية كوبية، إنها ثورة كرامة وعزة، وهذا ما سرقوه جميعًا من شعوبهم.
ولكن بدأت سوريا المعجزة بعد طول رُقاد، ولا شيء سيثني شعبها عن الإبداع والتقدم قبل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :