خارج إطار مهمتها المقتصرة على تشجيع النادي الذي تنتمي إليه ودعمه في مواجهاته التي يخوضها، اتجهت روابط مشجعي كرة القدم في البلاد العربية، لا سيما المغرب العربي ومصر، لبث رسائلها المطالبة بالعيش الكريم والحرية ومواجهة الظلم والفساد.
ولكن ذلك لم يمرر مرور الكرام من قبل بعض الحكومات، فمنها من فرضت بعض العقوبات على روابط الأندية ومنها من قمعتها بقوة السلاح.
أحداث ستاد بورسعيد
في 1 من شباط من عام 2012، وفي الذكرى السنوية الأولى لموقعة الجمل، وقعت أحداث شغب في ستاد بور سعيد راح ضحيتها نحو 72 قتيلًا، ومئات المصابين وفق ما أعلنت مديرية الشؤون الصحية في بورسعيد المصرية.
وتعتبر تلك الكارثة الأكبر في تاريخ الرياضة المصرية والعربية، بسبب العدد الكبير من الضحايا ما دفع الكثيرين لتسميتها بـ”المذبحة أو المجزرة”.
نزلت الجماهير إلى أرضية ملعب المباراة خلال قيام لاعبي الأهلي المصري بعمليات الإحماء قبل اللقاء، قبل أن يقتحم عشرات المشجعين أرضية الملعب في الفترة ما بين شوطي المباراة.
وتكرر الأمر بعدما أحرز المصري البورسعيدي هدف التعادل ثم هدفي الفوز، حيث اقتحم الآلاف الملعب، بعضهم يحمل أسلحة بيضاء وعصيًا، واعتدوا على جماهير الأهلي، ما أوقع عددًا كبيرًا من القتلى، ووفق ما نقلت مواقع رياضية مصرية، فإن لافتات رفعها مشجعو الأهلي وعليها “بلد البالة مجبتش رجالة” عدها مشجعو المصري إهانة لمدينتهم.
أحداث الشغب كانت في وقت تسلم فيه الرئيس المصري، محمد مرسي، عقب تنحي حسني مبارك عن منصبه استجابة للثورة المصرية.
كما أن غياب الإجراءات الأمنية والتفتيش في أثناء دخول الجماهير إلى الملعب، فضلًا عن قيام قوات الأمن بقفل البوابات في وجه جماهير الأهلي وعدم ترك سوى باب صغير للغاية لخروجهم، أدى إلى تدافع الجماهير ووفاة عدد كبير منهم.
واتهم النائب الممثل لبورسعيد، البدري فرغلي، قوات الأمن في المدينة بالضلوع في الحادث بسبب سماحهم بدخول أسلحة نارية وبيضاء إلى الملعب بخلاف العادة، وصرح أن “اللافتة المسيئة لمحافظة بورسعيد في مدرجات جماهير الأهلي مدسوسة على الأهلي لمحاولة إثارة الفتن وإحداث هذه الكارثة”.
واتهم الشرطة بأنها تقاعست عن التوافد إلى الاستاد رغم أن الإسعاف أتى فور حدوث أعمال العنف، كما اتهم الاتحاد المصري لكرة القدم بالتحريض.
هتافات الجماهير في الثورة السورية
اقتبست الكثير من المظاهرات في الثورة السورية شعاراتها من جماهير الأندية، لا سيما في مدينة حمص وريف دمشق، كما قدمت الجماهير طابعًا مميزًا خلال المظاهرات، مع تغيير على بعض الأهازيج والحفاظ على نغماتها وموسيقاها.
ولم يتوقف الأمر عند الجماهير، بل أصبح حالة وصلت إلى اللاعبين وعلى رأسهم عبد الباسط الساروت حارس مرمى شباب الكرامة والمنتخب الوطني حينها، الذي قاد العديد من المظاهرات.
نقلت الجماهير هتافات الملاعب والتناغم في الرقص والدبكة والتصفيق إلى المظاهرات، كهتافات “هي يالله هي يالله… منصورين بعون الله”، وهتاف “هي سوريا والأسد جرثومة فيها”، وأغاني “غزالة شردت” و”واساري سار الليل” وغيرها الكثير الكثير من الشعارات التي لا يزال موقع “يوتيوب” يحوي على عشرات الهتافات منها.
الجماهير المغربية… الرجاء البيضاوي نموذجًا
تحت عنوان “في بلادي ظلموني” أطلقت جماهير الرجاء البيضاوي المغربي أغنيتها تعبيرًا على الواقع المرير الذي تعيشه المنطقة، من فقر وفساد وانتشار المخدرات.
وتحدثت من خلالها عن تعامل الحكومة المغربية معها، ومنعها من رفع “تيفو” (لافتات تحوي رسومات ذات دلالات رياضية أو سياسية) بسبب انتقادها فيما سبق لممارسات الحكومة.
قبيل أن تطلق الجماهير أغنيتها أطلقت شعارات “لا تريدوننا أن ندرس حتى تتحكموا بنا”، ومن ثم انطلقت الأغنية التي تقول كلماتها في أولى مقاطعها “لمين أشكي حالي… شكواي للرب العالي”.
وتتحدث الأغنية بكلمات باللهجة المغربية العامية عن سوء الوضع فيها “بهذه البلاد نعيش في غمامة”، قبل أن تتطرق إلى انتشار المخدرات في المنطقة، “صرفوا علينا حيشي بكتامة.. جعلونا كاليتامى.. تتحاسبوا يوم القيامة”.
ليست الأغنية الأولى التي تطرقت إلى ثروات الوطن المنهوبة والفساد والقوانين التي تخدم القائمين على الاتحاد الرياضي في قمع الاحتجاجات المنطلقة من المنصات الجماهيرية في المغرب العربي.
شيء من التغيير في مصر
بالعودة إلى مدرجات نادي الأهلي المصري، أطلقت جماهير النادي سيلًا من الشتائم نالت فيها من رئيس هيئة الرياضة السعودية، المستشار تركي آل الشيخ، الذي كان أحد كبار المستثمرين في الرياضة المصرية، ما دفع الأخير إلى سحب استثماراته منها وإغلاق القناة الرياضية التي كان قد فتحها في مصر.
ولكن رد فعل الجماهير على تصرفات تركي آل الشيخ، وعبثه بالشارع الرياضي المصري، لاقى مناهضة كبيرة من الإعلاميين المصريين ورؤساء بعض الأندية، ومن ضمنهم مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك والإعلامي المصري مدحت شلبي.
“ألتراسات” سورية وليدة
شهدت الرياضة السورية في الموسمين الماضي والحالي ظهور روابط مشجعين بطريقة مغايرة عما كانت عليه، قبيل اندلاع الثورة السورية، في محاولة إعادة إحياء الواقع الرياضي بعد سنوات من الركود وقلة القاعدة الجماهيرية للعبة بسبب الحرب.
وشهدت الملاعب السورية الموسم الماضي، توجيه جمهور نادي تشرين (ألتراس إيغيل)، خلال مباراة الاتحاد ضمن منافسات الدوري السوري، في نيسان الماضي، الشتائم لقيادة الاتحاد الرياضي ورفع لافتة تتهمه بالفساد.
وتظهر اللافتة التي رفعتها الجماهير، صورة لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، مع عبارة “سوا منحارب الاتحاد الرياضي الفاسد”، ما اعتبره الاتحاد الرياضي ورئيسه موفق جمعة إهانة له.
كما أشعل الجمهور النار والدخان الكثيف في المدرجات، ووجه الشتائم إلى المدرب الوطني للرجال ومراقب المباراة، بالرغم من توجيه الحكم إنذارًا للجمهور.
وعقب ذلك فرض الاتحاد عقوبة على نادي تشرين بغرامة مالية مقدارها 200 ألف ليرة سورية، إضافة إلى إقامة المباريات المتبقية له دون جمهور وخارج مدينة اللاذقية.
ومنع الاتحاد السوري لكرة القدم رفع صور لأشخاص في مباريات الدوري باستثناء صور الأسد، ووفق بيان صادر عن الاتحاد، في 19 من أيلول الماضي، طلب الاتحاد من الأندية إعلام جماهيرها بالتقيد والالتزام ببعض الإجراءات غير المسموح بها في الملاعب خلال المباريات.
وبالرغم من اختلاف الرسائل باختلاف جماهير الأندية وانتمائهم وأصولهم، تبقى الهتافات واللافتات تحمل رسائل سياسية أو رسائل مناهضة لبعض الانتهاكات من الحكومات أو من أشخاص متنفذين، وتشكل الحالة الجماهيرية العربية متنفسًا للكشف عما تعانيه البلاد، خاصة في ظل حظر بعض الدول للتظاهر السلمي وإيقاف منح التراخيص للتجمعات المدنية والاحتجاجات.
ولكن الجماهير بذلك تخرج عن الهدف الذي حددته الاتحادات الرياضية الدولية، على عكس ما هو الحال في معظم دول الاتحاد الأوروبي، حيث يحظر رفع لافتات تحمل عبارات ذات رسائل سياسية.