محمد رشدي شربجي
في معرض رده على سؤال مذيعة قناة “سي إن إن” حول رواية قناة العربية بأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي هو مسرحية اختلقتها قطر وتركيا، قال الصحفي الأمريكي المخضرم توماس فريدمان ما معناه أن المنطقة العربية تعاني من عجز كلي في المعرفة والحريّة وتمكين النساء، وما لم يتم تدارك هذا العجز فإن المنطقة مقبلة على الهلاك، وإن تداول روايات من هذا النوع في الفضاء العربي هو تعبير عن هذا العجز.
وبغض النظر عن حقيقة أن الحكومة الأمريكية التي يكون فريدمان أحد مواطنيها مسؤولة عن هذا العجز، لا بل حرصت عبر دعمها للاستبداد والاحتلال على بقائه وتوسعه وترسخه، ولكن يبقى كلام فريدمان صحيحًا للأسف. فأهم وأكبر وأغنى دولة عربية يحكمها طفل مدلل لم يذهب إلى أي جامعة وليس لديه أي مؤهل من أي نوع، ينفق نصف مليار دولار لشراء يخت لن يركبه، مومياء تحكم الجزائر منذ سنوات، ونصف راقص ونصف مجنون على رأس السودان، وعبيط على عرش مصر، وهارب من زمن الفينيقيين يحكم ما يسمى لبنان، ما العجز إذًا إن لم يكن هذا!
من يتابع الإعلام العربي وخاصة الموالي للسعودية هذه الأيام يصاب بالجنون، نخبة المجتمع من كتاب ومفكرين وأساتذة جامعات ورجال دين فرغوا أنفسهم ليل نهار لاختراع سيناريوهات عجيبة تبرئ المملكة -والأهم تبرئ ابن سلمان طبعًا- فهو الشاب صاحب الحكمة الطموح العصري الحضاري الذي اخترع العجلة ورتق ثقب الأوزون. وليس هذا جديدًا على عالمنا العربي بطبيعة الحال، مرتزقة محور المقاومة يكيلون المديح لبشار الأسد منذ ثماني سنوات.
من المحيط إلى الخليج تحكمنا عصابة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة، أهدافها تشريد من تبقى منا. ليس اختفاء ومقتل الصحفي جمال خاشقجي حدثًا عاديًا، أن تستدرج صحفيًا يعرّف نفسه في أكثر من موقع أنه ليس معارضًا للعائلة المالكة، وكان لوقت طويل من صحفيي بلاطها، وكل ذنبه أنه رأى أن قليلًا من الحريات سيكون مفيدًا للمملكة وللعائلة المالكة على حد سواء، أقول إن استدراجه إلى فخ مفضوح في قنصلية، عدا عن كونه سابقة في تاريخ الاغتيالات السياسية، تشوه جديد وصل له المسخ المحكم برقابنا المسمى النظام الرسمي العربي.
لقد كانت الثورات العربية فرصة هائلة لتدارك هذا العجز الحضاري، كانت قفزة حضارية أظهرت أجمل ما فينا لأنفسنا وللعالم، ولكنها فشلت لحظيًا في هدفها، فشلت بجهود نظام ابن سلمان الميمون بداية، وبسبب عجزنا الفكري نفسه، وهنا تكمن اللعنة، فعجزنا الفكري يحتاج ثورة لتغييره، وهذه الثورة المنشودة صعبة النجاح ونحن بهذا العجز، إنها حلقة معيبة محتم علينا دخولها حتى يجعل الله لنا سبيلًا.
لقد تفسخ النظام العربي وتعفن وفقد كل شرعية وكل اتصال بأي قضية عربية، فلا حقق الرفاه ولا حقق الحرية ولا حقق الأمان، لم تعد الدول العربية دولًا بتعريف توماس هوبز لها، باتت وحشًا فقط (لويثان) تجبر الناس على تقديم الطاعة لها ليحموا أنفسهم منها هي لا من أعدائها، وأمام الوحش لا يملك المحشور في الزاوية إلا أن يهجم، فانتظروا الطوفان.