“موزاييك” أم “فسيفساء حجري”، لا تهم التسمية بقدر ما يلفت ذلك الاهتمام الذي توليه منظمات المجتمع المدني داخل سوريا وخارجها، مؤخرًا، لتعليم هذه الصنعة.
تنوعت نشاطات المنظمات بين عقد دورات تدريبية لتعليم مبادئ فن الفسيفساء وبين افتتاح معارض ومراكز متخصصة في هذا المجال، صبت بمجملها في إطار تمكين الفئات المستضعفة داخل المجتمع السوري، وفي مجتمع اللجوء أيضًا.
منظمة “سوريات عبر الحدود” عقدت ورشة تدريبية في العاصمة الأردنية عمان، للتدريب على مهارات صناعة “الموزاييك” الحجري، في الفترة بين 14 و17 من تشرين الأول الحالي، استهدفت من خلالها فئة السوريين من كبار السن.
مسؤول برامج التأهيل والتدريب في “سوريات عبر الحدود”، عبادة العاسمي، قال لعنب بلدي إن عدد المستفيدين من الورشة بلغ 20 شخصًا من كبار السن، مشيرًا إلى أن الورشة تضمنت شرحًا عمليًا ونظريًا حول فن “الموزاييك”، وانتهت بحفل اختتام تم تكريم المشاركين فيه تقديرًا على اللوحات التي أنتجوها خلال التدريب.
وحث العاسمي على ضرورة أخذ شريحة كبار السن بعين اعتبار منظمات المجتمع المدني السورية، ودعا إلى تخصيص أنشطة تساعدهم على التخلص من ضغوط الحياة، وتزيد من ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على الإنتاج.
ونُظمت الورشة التدريبية بدعم من برنامج “عدم ترك أحد خلفنا” التابع للمنظمة الدولية لمساعدة المسنين، والمختص بدعم التكيف والتكامل في جميع مراحل العمر.
وتقول إحدى المستفيدات من ورشة “الموزاييك”، وتدعى منى سكرية، لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إنها شعرت بسعادة غامرة وثقة متزايدة بالنفس، حين حولت الحجارة إلى عمل فني “يشبع البصر”.
وسبق أن نظمت “سوريات عبر الحدود” ورشة مماثلة، في أيار الماضي، استهدفت خلالها سوريين من ذوي الاحتياجات الخاصة في الأردن، بهدف تعليم المتدربين حرفة تساعدهم على تأمين عيشهم والاندماج في المجتمع، وزيادة وعي الناس بهذه الحرفة التراثية المهمة.
وأقامت المنظمة معرضًا فنيًا عرضت خلاله لوحات “الموزاييك” المصنوعة بأيدي أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ممن شاركوا بالورشة.
ومن المقرر أن تُعرض اللوحات في معرض فني خاص بالولايات المتحدة الأمريكية قريبًا، وفق ما قال مسؤول الإعلام والتعليم في منظمة “سوريات عبر الحدود”، إياد أيوبي، لعنب بلدي.
تجربة جديدة في الشمال السوري
لم يقتصر الاهتمام بفن “الموزاييك” على مجتمع اللجوء السوري، بل نشط أيضًا في الداخل، إذ افتُتح مركز تدريبي في مدينة كفرنبل بريف إدلب، استهدف النساء السوريات من الأرامل وزوجات المعتقلين.
مركز “غزل”، الذي افتتح في آب الماضي، عقد حتى الآن دورته الأولى وضمت 30 سيدة من المعيلات لأسرهن، ويهدف إلى تأمين دخل ثابت للمستفيدات، بالإضافة إلى الحفاظ على هذا الفن عبر نشر ثقافته بين الأجيال الحديثة وبين النساء أيضًا، إذ لطالما كانت هذه الصنعة، نسبيًا، حكرًا على الرجال في المجتمع السوري.
ومن المقرر أن تعمل النساء المتدربات في صناعة “الموزاييك” ضمن مشاريع منزلية صغيرة تؤمّن لهن دخلًا شهريًا، بحسب ما قال مدير معهد “غزل”، أحمد الداني، في حديث سابق لعنب بلدي، مشيرًا إلى أن هذه المهنة لا تحتاج إلى أدوات مكلفة، وتقتصر على شراء الأحجار التي هي بالأساس متوفرة في كفرنبل، بالإضافة إلى أداة يدوية لتقطيع الأحجار.
وتعتبر صناعة “الموزاييك” فنًا عريقًا تعود جذوره إلى تاريخ مدينة دمشق قبل أكثر من 300 عام، وهو عبارة عن فن تطعيم الخشب بالصدف والفضة أو العاج، اشتهرت به منازل العائلات الدمشقية العريقة منذ مطلع القرن الـ 19، ليصبح بعدها السمة الغالبة على الصالونات في بعض القصور الرئاسية حول العالم.
كما كان لفن “الموزاييك” شهرة كبيرة في محافظة إدلب، وبالتحديد في كفرنبل، التي تعتبر أحد أبرز المصادر في إنتاجه وتسويقه ضمن البلدان العربية.