عنب بلدي – العدد 150 – 4/1/2015
سيرين عبد النور – دير الزور
لم يبقَ الكثير من الثورة في شوارع دير الزور، التي باتت تحت وطأة حكم الدولة، إذ لم تمنع حسرة الناشطين وزفرات الأهالي عناصر التنظيم من مسح كل ما يذكّر بالثورة، وإن كان ما تبقى «لا يتعدى خطوطًا ملونة، تعتليها طبقات من الأتربة فوق جدران مزقها لهيب الحرب المستعرة والتطرف الأعمى، الذي يحاول مسح التاريخ وتدمير الذاكرة».
على بعد أمتار من الحديقة المركزية في المدينة يقع دوار النور، الذي يحمل الكثير من الذكريات لثوار الدير وأهلها، وقد تغيرت تسميته ليصبح «دوار الموت» بعد أن راح التنظيم يلقي حوله جثث من يقتلهم من أبناء المدينة وعناصر الجيش الحر أو مقاتلي الأسد، معلقًا رؤوس القتلى وصالبًا ما تبقّى من أجسادهم.
أثار الأمر حفيظة السكان، كما يقول حسن وهو شاب من حي الحميدية، ويعتبر في حديثٍ لعنب بلدي «تحويل هذا المكان إلى معرض للجثث أمر مخزٍ ويسيء لوجه الثورة في المدينة».
الشاب الذي ينفي قبول الأهالي بما يحدث رغم عجزهم عن تغييره يرى «أن التنظيم يحاول إزالة كل ما يتصل بالثورة من ناشطين وجيش حر ورموز وشعارات».
ورغم أن دوار النور مكشوف تمامًا على جبل المدينة، الذي يتمركز فوقه قناصة الأسد، إلا أن عناصر التنظيم يعلقون الجثث ويجولون بآليتهم فيه، دون أي رصاصة تطلق باتجاههم.
غير بعيدٍ عن مشفى النور تحول شارع التكايا، والذي يشكل اليوم العصب الحيوي للمدينة والشارع الرئيس فيها، إلى مسرح مفتوح يمارس فيه التنظيم فنون الترهيب والقمع «من الجلد والرجم والقتل والتشهير».
وفي منتصف الشارع تقريبًا يقع المكتب الدعوي رافعًا الأناشيد الجهادية التي تخص التنظيم وتمجده، كما يوزع آخر الإصدارات من الصور والتسجيلات التي أنتجت بشكل احترافي على يد مختصين أجانب وبالاستعانة بإعلاميين محليين.
ساحة الحرية معلمٌ آخر في دير الزور تم العبث به، وهو أحد أبرز رموز الثورة، حيث حولت لتكون معرضًا مفتوحًا ولوحة إعلانات موسعة لنشاطات التنظيم ويافطاته وشعاراته وأفكاره، تطلى فوق ما بقي من آثار الثوار في ساحتهم.
«لم أعد أشعر أنها مدينتي، بتنا غرباء في أرضنا»، بهذه الكلمات تصف فاطمة لعنب بلدي الحال في دير الزور، وهي إحدى بنات حي الحميدية اللاتي رفضن الخروج من الحي رغم القصف المتكرر والمعاناة في الحصول على القوت اليومي.
لم تتم فاطمة بعد دراستها الجامعية بعد أن منعت من السفر دون محرم، كما أرهقها التفتيش الدقيق على حواجز التنظيم، إذ تقول «كل من يزور مناطق النظام في المدينة هو متهم بالعمالة أو موالاة الكافرين والعمل معهم» وفق التعبير «الداعشي»، سواء كان طالبًا أو موظفًا أو صاحب عقار.
وفي الوقت الذي يؤمن التنظيم النازحين إليه من المناطق الأخرى بالمسكن والطعام، تتزايد أعداد النازحين من الدير بشكل مستمر، حسب توثيق الناشطين الذين عبروا عن خوفهم «من كونها سياسة مدروسة وموجهة لتهجير السكان والاستيلاء على أملاكهم».
ويدلل النشطاء على ذلك بحملة للسيطرة على الأراضي والبيوت والعديد من الأملاك العامة والخاصة، شنها التنظيم «متذرعًا بحجج واهية»، كما يصفها عمر، أحد ناشطي الريف الغربي، مضيفًا «أملاك لعشرات العائلات منهم السراج وكنامة، وأراضي تقدر قيمتها بمئات الملايين تم الاستيلاء عليها»، وأردف متحسرًا «إنها سطوة القوة وسرقة موصوفة لا تجد رادعًا ولا يخشى فاعلها عقابًا».
وصف يكاد يتفق عليه أغلب أهالي المدينة الذين يعانون من رعب يومي يجتاح شوارعهم ما جعل منهم أسرى المنازل، في حين بدأ آخرون فعليًا بتحوير فكرهم والاندماج مع سياسات التنظيم.