عنب بلدي – العدد 150 – 4/1/2015
سوريتنا – عامر محمد
من جوبر إلى الجوية
في الثاني من أيلول من ذات العام (2012)، اعتقلت مريم للمرة الثانية، حين كانت تعمل في معالجة الجرحى في المنطقة التي كانت لجأت إليها بين جوبر وعربين، أُلقي القبض عليها في مشفى ميداني بعد أن تم الإبلاغ عن المشفى وأسماء الطاقم الطبي. في المعتقل أنكرت مريم كل التهم التي وجهت إليها، إلا أن عناصر المخابرات عرضوا عليها مقاطع فيديو تظهر نشاطها، فاعترفت، وتصف التعذيب الذي تلا ذلك بالوحشي.
مريم قالت إنها أمضت أكثر من شهرين في المخابرات الجوية قبل أن تُنقل إلى الأمن السياسي وتمضي فيه عامًا ونصف. رئيس الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان، عبد الكريم ريحاوي، الذي اطّلع على شهادة مريم، قال إن المكان الذي نقلت إليه مريم من المخابرات الجوية، هو على الأغلب فرع آخر للجوية، مرجحًا أن يكون فرع المعلومات في ساحة العباسيين، معتمدًا في هذا الاستنتاج على عدة نقاط من أهمها أن منطقة جوبر تخضع أمنيًا للمخابرات الجوية فقط، فضلًا عن أن الأمن السياسي أقل وحشية في عمليات التعذيب من الجوية، وأن مريم ذكرت أنها شاهدت ضابطًا في المعتقل الثاني كانت قد شاهدته في اعتقالها الأول، وعملية النقل للضباط بين الجهتين، الجوية والسياسية أمر لا يحدث عادة، ثم إن المعلومة التي تستند إليها مريم حول مكان وجودها في الأمن السياسي كانت قد حصلت عليها من زميلاتٍ معتقلاتٍ معها، ريحاوي يقول إن المعتقلين في جميع الأفرع الأمنية، يقال لهم معلومات مُضلّلة عن اسم الفرع الذي هم فيه، ما يعني في النهاية، أن مريم أمضت الفترة كاملة في المخابرات الجوية لكن في مكانين مختلفين.
تقول الشاهدة إن عمليات الاغتصاب أخذت شكلًا جديدًا تمامًا خلال اعتقالها الثاني، إذ تعرضت لاغتصاب جماعي مع زميلاتٍ لها لمراتٍ عديدة، فيما نفذ العناصر والضباط الاغتصاب بشكل يومي ولأكثر من مرة في ذات اليوم، فضلًا عن عمليات التعذيب الأخرى، وتقول «في يوم واحد تم الاعتداء علي من قبل ثلاثة عشر رجلًا مختلفًا، وذلك بآلية عشوائية وغير منتظمة». تقول الشاهدة إن عمليات التعذيب أجبرتها على تقبيل حذاء عنصر كان يهمّ باغتصابها كي لا يفعل، ولمرة واحدة توقف اغتصابها بعد أن رجت عنصرًا كان يهمّ بذلك، العنصر أشعل سيجارة وراقبها طويلًا، ثم مضى من دون اغتصابها، لكنه بصق على الأرض قبل أن يرحل.
تذكر الشاهدة عددًا من أسماء المعتقلات اللواتي كنَّ معها، وبعضهن فقدن الحياة نتيجة الضرب المباشر على الصدر، الأمر الذي كان يؤدي إلى ظهور كدمات كبيرة، ما تلبث المعتقلة بعدها أن تفارق الحياة، كما سُجلت حالات وفاة لأسباب منها سوء التغذية والبرد والاغتصاب، فيما كانت تقيم في زنزانة كبيرة تتسع لأكثر من 200 معتقلة، عَبَرها مئات المعتقلات خلال الفترة التي قضتها هناك.
- السجود للآلهة
تتحدث مريم عن حادثةٍ شهدتها أثناء الاعتقال، حيث أمر عناصر المخابرات المعتقلات بأن يسجدن ويصلين لصورة بشار الأسد، وأن يحرِّفن في سورة الصمد من القرآن الكريم ليقلن «بشار الصمد» فرفضت معتقلة من إدلب تدعى «إيمان» -لا تذكر الشاهدة اسمها الكامل أو التهمة التي وجهت إليها- تنفيذ الأمر، فقتلت بيد العناصر بعد ضربها الرضوخ لأمر الصلاة للصورة، فيما قامت بقية المعتقلات بتنفيذه، بعد أن أدركن خطورة رفض التحريف في المقدسات، وبعد أن نصحتهن معتقلة من دوما بالامتثال للأمر، تركت جثة «إيمان» في مكان إقامة المعتقلات لأكثر من ساعتين، وحين طلبت المعتقلات نقل الجثة ردَّ العناصر عليهن بأن الجثة تمثل مصيرهنّ جميعًا.
تؤكد مريم في شهادتها، أن المعتقلات كن يجبرن على تناول أدوية بشكل منتظم، منها على شكل حبوب ومنها عن طريق حقن وريدية، هذه الجرعات كانت تمنع مريم ومن معها من النوم، وتشير إلى أن السجانين كانوا يعلمون في حال لم تأخذ المعتقلة الجرعة التي أعطيت لها.
عبد الكريم ريحاوي رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان يؤكد أن هذه الجرعات هي منشطات تعطى عادة للمعتقلين والمعتقلات في أجهزة الأمن السورية، وتعرف باسم «الكبتاغون» ولها تأثير المنشط الجنسي مع عدم القدرة على المقاومة، فيما يشير أيضًا إلى أن دراسة حالات الاعتقال المماثلة تقول إن الضحايا تقلُّ مقاومتهن مع الزمن وعدد مرات الاعتقال.
- ومحمد
غادرت مريم المعتقل في المخابرات الجوية في تاريخٍ لا تستطيع تحديده تمامًا، كانت في الشهر الثامن من الحمل الذي أتى نتيجة الاغتصاب، من دمشق إلى النبك ثم حمص ثم حلب انتقلت مع حملها، وبعد ذلك مع طفلها الذي وضعته وأسمته محمد، ولا تزال تربيه حتى الآن، بعد عدة محاولات للتخلص منه عبر تركه في الطريق، لكنها كانت تعود لحمله حين يبكي، ولا تستطيع اليوم أن تحدد مشاعرها تجاهه، تشعر بالكره له في بعض الأحيان.
المعالجة النفسية آية مهنا تقول إن علاقة مريم بطفلها محمد هي من أكثر النقاط تعقيدًا أثناء التدخل العلاجي في حالتها، وتقول إن حالة من الإسقاط النفسي من الممكن أن تقوم بها مريم تجاه الطفل الذي يشكل بالنسبة لها رمزًا للاعتقال والاغتصاب، ما سيعني أيضًا إفراطًا في التعامل العاطفي مع طفلها، مريم كانت أمًا قبل ذلك من زواجها في سوريا، اليوم لا تعلم أي شيء عن طفلها الأول، الذي نخفي اسمه هنا، مهنا تقول إن الحالة المزدوجة التي تعيشها مريم بين طفل أنجبته في ظروف طبيعية وآخر نتيجة الاعتقال والاغتصاب، سيتركها أمام وضع نفسي أكثر تعقيدًا بالذات في مشاعر الأمومة التي تعيشها، فمن حالة فقد ابن، لابن آخر لم تكن تريده سيجعلها غير متقبلة للواقع الجديد.
تعيش مريم اليوم بعيدًا عن بلدها وما تبقى من عائلتها، حيث اعتبر زوجها أنها دنست شرف العائلة، فنبذها وهدد بقتلها، وحرمها من أي معلومة قد توصلها إلى ابنها الأول، فوقعت في اعتقال اجتماعي يعاملها لا كضحية أو ناجية بل كمذنبة تستحق القصاص.