مفاجآت طريق الجامعة.. معايدة في إسطنبول ورصاصة قناص في حلب
غالبًا ما تصل التهاني والأماني لشخص في يوم ميلاده من الأهل والأصدقاء، لكن أن تأتي من آلة قطع التذاكر فلا بد أن الأمر يدعو للاستغراب، هذا ما حدث مع عائشة حين كانت في طريقها للجامعة.
عائشة، طالبة الهندسة العشرينية، المقيمة في مدينة إسطنبول التركية، اختارت العمل إلى جانب الدراسة، وهذا ما جعلها مشوشة صباح يوم 25 من كانون الثاني الماضي، حين كانت متجهةً إلى جامعة اسطنبول.
“كانت تراكمات العمل والدراسة تتصارع في رأسي، وكان ضجيج صراعها يطغى على ضجيج محطة المتروبوس”، تصف عائشة حالتها عند دخولها إحدى محطات النقل الداخلي في إسطنبول.
”Doğum gününüz kutlu olsun” وتعني ميلادًا سعيدًا في اللغة التركية، هي الجملة التي قاطعت أفكار عائشة وجعلتها تبحث عن مصدر الصوت، لتكتشف أن آلة قطع التذاكر تهنئها بعيد ميلادها، بعد أن مررت عليها بطاقة مواصلاتها الطلابية.
تقول عائشة، “بقدر ما أسعدتني هذه اللفتة الإنسانية بقدر ما أعادت إليّ ذكريات كنت غافلة عنها”، فقد وقفت في ازدحام مشابه حين قصدت نفس المكان (الجامعة)، على معبر كراج الحجز في حلب، وهو الممر الواصل بين حلب الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة والغربية الخاضعة لسيطرة النظام آنذاك.
وهناك، في المعبر، كان صوت رصاص القناص يعلو على كل صوت، وكونها كانت من سكان حلب الشرقية، اضطرت عائشة أن تتحدى، أو ربما تتجاهل، رصاص القناص مرارًا، لتصل إلى جامعة حلب الواقعة في القسم الغربي، إلى أن اتخذت قرارًا بمتابعة دراستها في تركيا، لتنهي بذلك معاناة طريق الجامعة.
دخلت فصائل الجيش الحر إلى مدينة حلب في تموز من عام 2012، وارتسمت خارطة حلب الجدیدة وتوضحت الخطوط الفاصلة بین الأجزاء الخاضعة لسیطرة النظام والأجزاء الأخرى الخاضعة لسیطرة الجیش الحر في أیلول من نفس العام، وصار التقدم والتراجع بعد ذلك محدودًا لكلا الطرفین، فأصبحت حلب بشطريها الشرقي والشمالي الشرقي تحت سیطرة الجیش الحر.
أما القسم الغربي من المدينة، فبقي تحت سیطرة قوات النظام، ليصبح معبر كراج الحجز في حي بستان القصر ممرَ الدخول والخروج الوحید بین قسمي حلب، وكان مرصودًا من قبل قناص القصر البلدي، الذي سمح له موقعه بكشف مساحة كبیرة من شارع المعبر، ما أدى إلى سقوط مئات الضحایا من قاصديه.
تم إغلاق المعبر في نهایة عام 2013، واقتصر بعد ذلك فتحه على مرور الحالات الإنسانیة تحت إشراف الهلال الأحمر، كما كانت تجري من خلاله عملیات تبادل الجثث والأسرى لكلا الطرفین.
رصاصة عند المعبر
على نفس المعبر، كان لهبة قصة مع طريق الجامعة، ولكن بنهاية مختلفة، فلم تنتقل لجامعة أخرى ولم تحصل على شهادة التخرج لأن رصاصة القناص كانت الأسبق.
تقول شابة قريبة لهبة لعنب بلدي تدعى فاطمة، إن هبة قطعت معبر كراج الحجز قاصدة كلية الهندسة الحيوية في جامعة حلب، لتقديم امتحان في أحد المقررات الدراسية، و”كان آخر اتصال لها مع والدتها الساعة الثالثة عصرًا، أخبرتها أن امتحانها كان جيدًا”.
بعد ذلك انقطع الاتصال بهبة ليتبين لاحقًا أن القناص استهدف “السرفيس” الذي كان يقلها في أثناء العودة عند معبر كراج الحجز، واخترقت إحدى رصاصاته ظهرها وأصابت قلبها، وفق ما أكدته فاطمة، التي تتذكر الحادثة بتفاصيلها لافتة أنها وقعت بعد عيد ميلاد هبة بيومين.
في كانون الأول من عام 2016 تم الاتفاق على إجلاء المعارضة من أحياء حلب الشرقية، برعاية روسية- تركية، وجاء ذلك بعد حملة عسكرية عنيفة شنها النظام وصلت لحد استخدام الصواريخ الباليستية، وأفضى الإجلاء إلى سيطرة النظام على مدينة حلب بالكامل.
خيارات الموصلات
في مكان خاضع أيضًا لسيطرة النظام، على بعد ما يقارب 350 كيلومترًا، لم يكن طريق الجامعة في وسط العاصمة دمشق بالمثالية المتوقعة، فيتلخص طريق الجامعة عند الطالبة مرام، التي لم تذكر اسمها الكامل لدواع أمنية، “بالمشي لمسافات طويلة” كما أفادت لعنب بلدي.
فهي تضطر یومیًا أن تمشي من منزلها الواقع في تنظیم كفرسوسة في دمشق إلى كلیة العلوم في حي البرامكة أي ما یتجاوز مسافة كيلومترين، على حد قولها، فتضطر إلى أن تقطع المسافة مشیًا نظرًا للازدحام الكبیر بعد الساعة الثامنة صباحًا، وعدم قدرة خطي مواصلات (كفرسوسة – لوان)، و(كفر سوسة – مهایني) على استیعاب أعداد الموظفین والطلاب في المنطقة.
تقول مرام، “أنا لا أعتبر نموذجًا لمعاناة الطلاب مع المواصلات فطریق الجامعة الیومي يعتبر معاناة حقیقية للكثیرین غیري”.
أما عائشة (في اسطنبول) فتقل “المتروبوس” إلى جامعتها، وتفضله عن خطي الباص و”الدولموش” (باص نقل داخلي صغير في تركيا يتميز بتجواله في الشوارع الفرعية)، وذلك بسبب عدم دخوله في الازدحام المروري، فهو يتخذ مسارًا خاصًا لا تدخل ضمنه أية وسائل نقل أخرى، وتقول عائشة “بالرغم من ازدحام المحطة بالركاب لكن انتظاري لا يتجاوز الدقائق”.
وتتمتع إسطنبول بنظام مواصلات عالي المستوى، وتعطي الحكومة أهمية خاصة لهذا القطاع، فبحسب صحيفة “ترك برس” حصل قطاع المواصلات في تركيا على الحصة الأكبر في موازنة عام 2015 بنسبة 31٪، مع إعطاء الحكومة الأولوية للاستثمارات في القطارات السريعة.
كما حازت مؤسسة النقل والمواصلات التابعة لبلدية إسطنبول على ثلاث جوائز عالمية في قطاع المواصلات لنفس العام.
أكثر من معايدة وأقل من خدمات
عائشة التي اختبرت الدراسة في جامعات سوریا رأت أن الامتیازات التي حصلت عليها كطالبة في الجامعات التركیة لا تقارن بما حظيت به في سوريا، فهي لا تقتصر على كرت المواصلات الذي يؤمن لها تخفيضًا كبيرًا في المواصلات، بل یحق لها دخول المراكز الصحیة والنفسیة والریاضیة التابعة للجامعة مجانًا، ودخول المتاحف لقاء أجر رمزي.
كما تستطيع عائشة دخول مطاعم الجامعة ثلاث مرات يوميًا، لقاء ليرتين ونصف لكل مرة، إضافة إلى تمكنها من زیارة كبرى المكتبات الإلكترونیة عبر برید الطالب الإلكتروني الذي خصصته لها الجامعة، ناهیك عن التخفیضات المقدمة لها من بعض الشركات التجاریة كطالبة.
ويتلقى ما يقارب 20 ألف طالب سوري تعليمهم العالي مجانًا في تركيا، إضافة إلى برامج تعليم اللغة التركية التي أطلقتها الحكومة التركية للطلاب السوريين والعراقيين.
وتحظى جامعتي إسطنبول وغازي عنتاب بالنصيب الأكبر من الطلاب السوريين.
لكن الأمر مختلف تمامًا بالنسبة للطلاب في سوريا، إذ تؤكد مرام لعنب بلدي أنها لم تحظ بأية امتیازات كطالبة وأن “أمرًا كذلك” نادرًا ما یحدث في دمشق، وإن حدث فهو یقتصر على تخفیضات بسیطة تقدمها محال تجاریة أو مطاعم عند افتتاحها بغرض الدعایة والتسویق أكثر من كونه مساعدة للطلاب.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :