دمشق – ماري العمر
مع دخول العام الدراسي أيامه الأولى يجد أهالي الطلاب في سوريا أنفسهم أمام نفقات لا تنتهي، فبالإضافة إلى مصاريف المدارس والكتب والقرطاسية التي تتجاوز دخل الموظف الحكومي الشهري، تظهر نفقات جديدة لم تكن مألوفة في السنوات السابقة.
تنتشر المعاهد الخاصة بكثرة في السنوات الأخيرة مع تراجع المستوى التعليمي في المدارس الرسمية، وتتفاوت تكاليفها تبعًا لموقع المعهد، والكادر التدريسي، والخدمات.
جودي كانت تدرس المرحلة الإعدادية في حمص، لكن بعد عام 2011 اضطرت مع عائلتها إلى مغادرة المدينة باتجاه العاصمة دمشق، حيث واجهت عائلتها غلاء إيجارات المنازل، وارتفاع تكاليف المعيشة، خاصة أن إخوتها صغار، ووالدها لا يتجاوز راتبه الشهري 25 ألف ليرة (50 دولارًا).
ويعيش 69% من السكان في سوريا في فقر مدقع، واستنفدت القدرة على التكيف لدى الكثير من الناس في المجتمعات المحلية الأكثر تضررًا، بحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، نهاية عام 2017.
لم تتخلَّ جودي عن حلمها بمتابعة دراستها، ولأنها تجاوزت سن أقرانها في الصف التاسع، ولم تدرس سوى الصف السابع، اضطرت اللجوء إلى أحد المعاهد التي تدرّس منهاج الصف التاسع، عسى أن تعوض ما فاتها.
تقول جودي لعنب بلدي “لولا مساعدة أحد أخوالي المقيمين في دولة خليجية لما استطعت إتمام دراستي، فالتسجيل في المعهد مرتفع التكلفة بالنسبة لنا، علمًا أنني اخترت معهدًا رسومه أقل بكثير من بقية المعاهد، رغم وجوده في منطقة بعيدة عن منزلي”.
ويتجاوز التسجيل في معاهد التاسع والشهادة الثانوية (البكالوريا) 100 ألف ليرة، للعام الراسي الواحد، وهو رسم مرتفع قياسًا بدخل الفرد.
حل وسط بين دورات التقوية والدروس الخصوصية
لم تكن ظاهرة المعاهد الخاصة منتشرة في سوريا خلال التسعينيات أو حتى السنوات التي تلتها، إذ كانت المدارس تُحدث دورات تقوية، بعد انتهاء الدوام الرسمي في المدرسة، برسوم رمزية، لكن هذه الدورات كانت في الغالب غير مجدية، ويرجع ذلك إلى عدم اهتمام المدرسين بالطلاب الذين يلتحقون بدورات التقوية، وذلك لسببين، أحدهما وصول المدرس إلى درجة من التعب والإرهاق تجعله غير قادر على إعطاء الدروس بشكل جيد، والثاني السعي للحصول على فرصة إعطاء دروس خصوصية في المنزل، والتي تكون أجورها مرتفعة.
وهذا ما دفع بعض المعلمين المخضرمين أو الراغبين بمكاسب اقتصادية إلى إنشاء معاهد خاصة تعطي المناهج للطلاب، بتكلفة يجدونها متوسطة، لكنها تبقى مرتفعة بالنسبة للأهالي، الذين ليس لديهم بديل، في ظل واقع التدريس المتردي الذي تشهده المدراس الحكومية.
أم أحمد، تقول إن معلمي ومعلمات ابنها الذي يدرس في إحدى مدارس دمشق، “لا يأبهون للطلاب، وغالبًا ما يتغيبون عن الدوام الرسمي، وإن حضروا فهم مشغولون بعدة أمور خارج الصف”.
دفعها ذلك لتسجيل ابنها في معهد خاص بعد دوام المدرسة، أملًا بأن يساعده ذلك على حل وظائفه.
مدة الدوام في المعهد تحدد بساعتين يوميًا، برسم تسجيل 80 ألف ليرة للعام الدراسي (ما يعادل 200 دولار تقريبًا).
معاهد اللغات ليست أفضل حالًا
ولا ينطبق هذا على المعاهد الخاصة بتدريس مناهج الشهادات فقط، إذ يعاني طلاب معاهد اللغات الأجنبية مما يصفونه بـ”جشع” أصحاب المعاهد، وتقول سارة وهي طالبة “توفل” في معهد خاص بدمشق، لعنب بلدي “أدرس (التوفل) في هذا المعهد، ولكن الرسم المترتب مرتفع جدًا، فمستويات (التوفل) عادة هي ستة، ولكن تم تقسيم كل مستوى الى مستويين، للاستفادة من الطلاب والرسوم المرتفعة”.
كل دورة مدتها شهر تقريبًا من أصل 12 دورة، تكلف حوالي 25 ألف ليرة (60 دولارًا تقريبًا)، غير متضمنة الكتاب.
فيما يبرر محمد، وهو مدرّس للغة الإنكليزية في المعهد ذاته، ارتفاع تكاليف التسجيل بالراتب “الجيد” الذي يدفعه المعهد للمدرسين لاستقطاب مستوى عالٍ، بالإضافة إلى الخدمات التي يقدمها المعهد والتي يصفها بأنها “غير موجودة في معهد آخر”.
وكان وزير التربية في حكومة النظام، هزوان الوز، فاجأ أهالي مدينة حلب، بقراره إغلاق 23 معهدًا خاصًا في المدينة، عام 2017.
ومن بين المعاهد المغلقة معاهد معروفة وكبيرة، كمعهد “أرض المعرفة” ومعهد “النخبة”، وقد ألزم الوزير الطلاب وخاصة طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية بالحضور والدوام بشكل نظامي في المدارس الحكومية.
وبرر إغلاق المعاهد بكونها لا تحمل ترخيصًا، بالإضافة إلى منع المعاهد المرخصة من فتح أبوابها طيلة فترة دوام المدارس الحكومية.