عنب بلدي – خاص
مع محاولاتها المتكررة للنأي بالنفس عن الحرب في سوريا، تشهد محافظة السويداء صراعات أجندات ترمي للهيمنة عليها وتوظيف أبنائها لخدمة تلك الأجندات المتضاربة في مصالحها وأهدافها.
شهدت السويداء في الأيام الماضية، تطورات لافتة في قضية المختطفات، بعد إقدام مقاتلين يدعون أنهم تابعون لتنظيم “الدولة الإسلامية” على إعدام إحدى المختطفات، موثقين ذلك بتسجيل مصور مرفقًا بتهديدات بقتل من تبقى من النساء والأطفال، في ظل تعثر المفاوضات للإفراج عنهن، والانقسام الداخلي في المدينة.
وجاءت عملية الإعدام بعد اعتذار أعضاء لجنة متابعة ملف المختطفات عن عدم الاستمرار في عملها، في بيان صدر عنهم، في 2 من تشرين الأول الحالي، جاء فيه أن مساعي اللجنة تتعرض للعراقيل، دون الإفصاح عنها بشكل دقيق.
الحادثة أدت إلى غضب شعبي وانقسامات داخل المدينة وتهديدات بالسيطرة على مبنى المحافظة، ونتج عنها تحركات روسية وأمنية، عرض من خلالها نشر الشرطة الروسية لحماية المدينة، عقب خلافات تتهم النظام ولجنة المفاوضات بالخيانة والتقصير.
القضية المعقدة
شن تنظيم “الدولة” هجومًا على الريف الشرقي للسويداء في تموز الماضي، قتل خلاله أكثر من 200 شخص بينهم نساء وأطفال، إلى جانب خطف 30 امرأة وطفلًا، ما زالوا محتجزين لدى التنظيم.
وهدد الخاطفون الذي يقولون إنهم تابعون لتنظيم “الدولة” بإعدام بقية المختطفات في حال لم تنفذ مطالبهم، وهي إطلاق سراح سجينات من داخل سجون النظام السوري، إضافة إلى دفع مليون دولار عن كل مختطفة.
وفشلت روسيا بتحرير المختطفين رغم تعهداتها بذلك بعد عجز النظام عن القضية، ويوجه أهالي المختطفين التهم لمشايخ العقل والوجهاء بالتقصير حيال إعادة ذويهم من قبضة التنظيم، وسط تخبط وحالة من الفلتان الأمني عمّت في السويداء خلال الفترة الماضية.
ويمسك بملف التفاوض حاليًا وبشكل رسمي شيخ العقل حكمت الهجري، والذي التقى باللواء كفاح الملحم للبحث في آلية سير التبادل بعد صدور القائمة.
غضب شعبي بعد تعثر المفاوضات
اعتصم أهالي المختطفات أمام مبنى المحافظة، طيلة الأسبوع الماضي، على خلفية إعدام الشابة ثروت أبو عمار، قبل مطالبة الشيخ عبد الوهاب أبو فخر، المعتصمين بالعودة إلى منازلهم، وأنهم سيتولون قضية المفاوضات من أجل إعادة المختطفات.
وشهد مبنى المحافظة في المدينة، إطلاق نار بعد محاولة الشيخ عبد الوهاب أبو فخر، مدعومًا بشرطة المحافظة، فض الاعتصام، لكن الأهالي رفضوا المغادرة، ورافق ذلك وصول رجال من فصيل تابع لـ “حركة رجال الكرامة”، للمطالبة بأن تكون المفاوضات علنية وأن يشارك بها الجميع.
واتهم أحد مسلحي الفصيل النظام السوري باستقدام تنظيم “الدولة” إلى السويداء، وهدد باحتلال مبنى المحافظة إذا لم يتم حل قضية المختطفات، بحسب مراسل عنب بلدي في المدينة.
وعقب ذلك علق الأهالي اعتصامهم أمام مبنى المحافظة، الثلاثاء الماضي، لمدة 48 ساعة، وأكدوا في بيان أن “تعليق الاعتصام من أجل قطع الطريق على أصحاب الفتن والصيادين بالماء العكر ووأد الفتنة في مهدها وعدم النيل من قدسية قضيتنا وعدالتها”.
تحركات عسكرية وأمنية
على ضوء الأحداث الأخيرة المتسارعة، وصل وفد من الجيش الروسي إلى السويداء والتقى فصيل “قوات الفهد”، المنشقة عن “حركة رجال الكرامة”، الخميس الماضي، وأفاد مصدر مطلع على الاجتماع لعنب بلدي أن الوفد الروسي اقترح على الفصيل إعادة ترتيب صفوفه أكثر وتنظيم الأسلحة بيد العناصر بهدف حماية المدينة.
وأشار المصدر إلى أن روسيا تسعى من هذا الطرح إلى الإشراف على تدريب فصائل السويداء وتوزيع السلاح الخفيف والثقيل، منوهًا إلى أن الهدف النهائي هو نشر الشرطة العسكرية الروسية في المدينة.
سبق ذلك وصول تعزيزات عسكرية تابعة لقوات الأسد إلى المدينة، واستقر قسم منها داخل السويداء في حين توجه القسم الآخر إلى البادية، وذكرت شبكة “السويداء 24″ أن التعزيزات قدمت من درعا ودمشق، وهي تابعة لـ” الفرقة الرابعة” و”قوات النمر”، مشيرة إلى احتمال نصب عدة حواجز في المحافظة.
وتزامن ذلك مع زيارة وفد أمني من وزارة الداخلية في حكومة النظام السوري إلى المدينة، بحسب ما أفادت الوزارة عبر صفحتها في “فيس بوك”، وقالت الوزارة إن معاون الوزير اللواء، حسان معروف، وقائد قوات حفظ الأمن والنظام، العميد أحمد رفعت ديب، وصلا إلى المدينة، وقاما بجولة تفقدية.
من جهتها، نقلت شبكة “السويداء 24” عن مصدر من “قوات الفهد” أن “الجانب الروسي كانت لديه اعتقادات خاطئة عن الفصائل بأنها إرهابية وممولة من الخارج (…) لكن هذا المفهوم تغير بعد اللقاء، وشرحنا لهم موقفنا الرامي لحماية محافظة السويداء من اعتداء أي طرف”.
وأوضح المصدر أن الجنرال الروسي أكد على عدم السماح بتوتر الأوضاع داخل المدينة، وطرح عليهم التباحث في الأيام المقبلة حول تسوية للتشكيلات المحلية المشابهة، تضمن لهم البقاء ضمن المحافظة وحمايتها.
صراع روسي- إيراني
في رصد لعنب بلدي لآراء ناشطين في السويداء، لفتوا إلى وجود صراع روسي- إيراني في الخفاء على السويداء، إذ تبحث طهران عن طرق لإقحام ميليشياتها في المدينة بحجة حمايتها ممن يصفونهم بـ “الجماعات الإرهابية”.
الناشط المدني شادي عزام من السويداء، قال لعنب بلدي إنه “لم يتبين الهدف من هجوم تموز لتنظيم الدولة حتى الآن، فالمجموعات الداعشية الموجودة في محيط السويداء تختلف عن المجموعات الموجودة شمالي سوريا”، مضيفًا أن الأحداث الأخيرة جعلت الأهالي يصلون إلى نتيجة أن “داعش السويداء هم مجموعات من البدو ممولة من إيران، وأننا حاولنا عدم التصريح بذلك لدرء الفتنة بين البدو والدروز”، بحسب تعبيره.
عزام يرى أن إيران تحاول تأجيج الصراع في السويداء وعرقلة المفاوضات حول إخراج المختطفات، معتبرًا أن “شيخ العقل الثالث حكمت الهجري (الذي يتولى المفاوضات الآن)، هو رجل إيران”.
وأبدى عدد ممن استطلعت عنب بلدي آراءهم ارتياحًا لوجود الشرطة الروسية على حساب الميليشيات الإيرانية وقوات الأسد.
وقال أحد منسقي اعتصام أهالي المختطفات لعنب بلدي، إن “أمان الطائفة وضمان وحدتها أولوية، وهذا ما يمكن أن يخلخله الدخول الإيراني الذي يسعى منذ بداية الأزمة إلى تشييع بعض المناطق، وقد حاولت إيران عدة مرات وضع خطط لشراء الأراضي أو بناء أماكن دينية شيعية في المنطقة، واستطاع وعي الأهالي دحرها”.
ما أبرز التشكيلات في السويداء؟
تشكل خريطة معقدة من الفصائل مشهد السويداء العسكري، في ظل تراجع القبضة الأمنية للنظام السوري، إذ تتصدر حركة “رجال الكرامة” المشهد العسكري غير الرسمي في السويداء، وهي حركة ظهرت عام 2012، واعتمدت مبدأ “تحريم” الاعتداء على سكان المحافظة، من قبل النظام ضد السوريين الثائرين أو المجموعات الإرهابية كجبهة النصرة وغيرها، وفرضت هذه الحركة أمرًا واقعًا داخل المحافظة بقوة السلاح.
وتعرضت الحركة لنكسة باغتيال قائدها ومؤسسها وحيد البلعوس، في انفجار سيارة مفخخة، وهي الحادثة التي فجرت غضبًا ضد النظام السوري، ثم عادت الحركة وأعادت ترتيب أوراقها وسمت قائدًا جديدًا لها، هو رأفت شقيق الشيخ وحيد البلعوس.
ومنذ شباط 2017، سمت الحركة الشيخ يحيى الحجار (أبو حسن)، قائدًا عامًا لها.
لكن انشقاقات شهدتها الحركة، أبرزها “قوات الفهد” التي يقودها سليم حميد، إلى جانب “قوات شيخ الكرامة” التي يقودها ليث البلعوس، نجل الشيخ وحيد، رغم أن الفصيلين أعلنا ولاءهما لمبادئ حركة “رجال الكرامة” الأولى.
على الجانب المقابل، توجد تشكيلات موالية للرئيس الروحي للموحدين الدروز، حكمت الهجري، الذي يتولى التفاوض حاليًا، والمقرب من النظام السوري.
وسبق أن استقبل الهجري ميليشيات عراقية مقربة من إيران، وطالب بتسليح مواطني السويداء بدعم من النظام السوري لمواجهة المعارضة.