“أنا لا أكتب عن سوريا السياسية ولا أهتم بها فقط، أنا أكتب عن سوريا الطبيعة القديمة من مدرسين حتى غزة”، يبدأ حديثه مستندًا إلى إرث ثقافي رفض التفريط به على أعتاب الحرب التي عاشتها مدينته إدلب، مفضلًا الإسهاب بالحديث عن آثار مدينته وحضارتها، متجاوزًا معاناة طالت تلك الحضارة وأهلها.
فايز قوصرة، مؤرخ وباحث ثقافي تجاوز الـ 73 من عمره، بدأ مشواره الثقافي متأثرًا بجد أمه المؤرخ والمؤلف محمد راغب الطباخ، صاحب سيرة “إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء”، مستمدًا منه خبرة سادت أجواء العائلة والمنزل، بحسب ما قال قوصرة في حديث لعنب بلدي.
درس المؤرخ السوري المرحلتين الإعدادية والثانوية في مدينة إدلب، وتابع تحصيله الجامعي في جامعة دمشق، التي حاز فيها على إجازة بالتاريخ وأخرى بالدراسات الفلسفية والاجتماعية.
لكن نشاطه الثقافي لم يبدأ بعد تخرجه في الجامعة، بل التحق بالمركز الثقافي الذي افتتح في إدلب عام 1960، وحينها كان قوصرة طالبًا مدرسيًا، وهناك وجد البيئة التي تشبع اهتماماته الثقافية متعمقًا في مجال آثار إدلب، لينشر أول مقال له بعنوان “إيمان بالنجاح” في مجلة “الخمائل” الحمصية والتي عمل مراسلًا لها عام 1962.
أشهر مؤلفاته
أول المؤلفات الخاصة بالمؤرخ فايز قوصرة صدرت عام 1984 بعنوان “الرحالة في محافظة إدلب”، لتبدأ بعدها سلسلة من المؤلفات والمراجع التي أصبحت إرثًا ثقافيًا ومرجعًا لكل من يرغب بالاطلاع على تاريخ إدلب وحضارتها.
ومن بين هذه المطبوعات:
– “من إيبلا إلى إدلب”، وهو مجلد ضخم يحوي أكثر من 140 وثيقة وصورة، في 422 صفحة.
– “الثورة العربية في الشمال السوري.. ثورة إبراهيم هنانو”، الكتاب الصادر عن وزارة الثقافة السورية.
– “التاريخ الأثري للأوابد العربية الإسلامية في محافظة إدلب”، والفائز بالجائزة الأولى في مسابقة جمعية العاديات في حلب عام 2004م.
– “قلب لوزة درة الكنائس السورية”، الصادر باللغتين العربية والإنكليزية.
– “حصن شغرـ بكاس”، وهو حصن استعصى على صلاح الدين الأيوبي الذي حاصره ستة أيام، حيث وثق الباحث معلومات عنه وأكد على أهميته الأثرية والتاريخية.
– “عرب على عرش روما”، يروي فيه قصص سبعة أمراء عرب حكموا روما.
قلم لا يزال يكتب
يتحدث فايز قوصرة لعنب بلدي عن صعوبات عدة واجهته خلال سنوات الحرب السبع التي عاشتها سوريا، مشيرًا إلى أن الأوضاع الأمنية والمعيشية والجو النفسي السائد لدى الكثير من السوريين أدى إلى تقويض عمله في مجال الثقافة.
ومع ذلك، لا يزال في جعبة قوصرة عشرون كتابًا لم يطبعوا بعد، بانتظار جهة تتبنى طباعة هذه الأعمال، التي ينشر قوصرة جزءًا منها عبر صفحته الشخصية في “فيس بوك”.
الآن، يعمل قوصرة على إنجاز كتاب تحت عنوان “إدلب البلدة المنسية”، وهو عبارة عن أجزاء عدة، الجزء الأول منه يتحدث عن تاريخ إدلب، في 400 صفحة، متطرقًا إلى حال السكان والزوايا والتكايا والمساجد والمقابر منذ القدم حتى تاريخ الوحدة بين سوريا ومصر، فيما ستتحدث الأجزاء الأخرى عن التغييرات التي طرأت على إدلب في التاريخ الحديث.
ويختم المؤرخ السوري حديثه مؤكدًا إصراره على مواصلة ما بدأ به منذ صغره، مكرسًا جهوده داخل المركز الثقافي في إدلب، الذي أعيد تأهيله منذ حوالي خمسة أشهر.