عنب بلدي – حلا إبراهيم
أدت العروض الدرامية السورية الأخيرة إلى اختزال المشاهد العربي لهذه الدراما بمسلسل “باب الحارة” بأجزائه المتتالية، هذا المسلسل الذي ولد شعورًا بالفخر بالدراما السورية في جزأيه الأول والثاني، إذ اعتبر الجزءان امتدادًا مساويًا في الجودة أو حتى إنهما “الأفضل” بين مسلسلات البيئة الشامية، التي حظيت بشعبية كبيرة من “أيام شامية” إلى “الخوالي” فمسلسل “ليالي الصالحية” الذي كرس رؤية المخرج السوري بسام الملا للحارة الشامية.
هذا الاختزال للدراما السورية انعكس سلبًا على بقية فئات الدراما، خاصة بعد قيام الثورة في سوريا عام 2011، إذ بدأت شركات الإنتاج المعروفة بالحد من أعمالها، وبعضها غيرت اسمها مثل “سوريا الدولية” التي أصبح اسمها “سما الفن”، كما ظهرت شركات جديدة ولكن برؤوس أموال صغيرة انعكست على نفقات الإنتاج فأصبحت تأتي بممثلين مغمورين لتوفير نفقات الممثلين المشهورين.
ويرى المخرج السوري ثائر موسى، في حديث إلى عنب بلدي، أن هذا أحد عوامل تدهور الدراما السورية بعد الثورة، إضافة إلى هزالة النصوص، وظهور شركات للإنتاج الدرامي، لا تفقه شيئًا عن الإنتاج، وتسعى للربح فقط.
وكان عدد من الفنانين السوريين عبروا عن استيائهم، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من الحالة المتردية للدراما السورية، كان آخرهم سيف الدين سبيعي، الذي أعلن اعتزاله طالما أوضاع الدراما السورية بهذا السوء.
وأمام الحرب، لم تقاوم تلك القاعدة الدرامية السورية المتضعضعة تيار الترميز السياسي الذي فُرض على الدراما بشكل فج، ولم تسلم من الأزمات الاقتصادية، وتسرّب كتاب ومخرجي وممثلي الصف الأول إلى ظلال شركات الإنتاج العربية، ففقدت الكثير من رونقها القديم، وخسرت قيمتها كأعمال سورية خالصة ذات صيت جيد.
تجارب فاشلة فرضها واقع الحرب
انقسم الوسط الفني في سوريا إلى مؤيد للنظام وآخر معارض، واضطر المعارضون لمغادرة سوريا خوفًا من الاعتقال أو التصفية، خاصة بعد اعتقال بعضهم من قبل النظام، مثل الممثلة الراحلة مي سكاف، وليلى عوض، وسمر كوكش، وإلحاق تهم الإرهاب بهم.
وكان لمغادرة عدد كبير من الممثلين والكتّاب والمخرجين لسوريا وقعه السلبي على الدراما، فأصبحت المسلسلات السورية تقتصر على الممثلين الذين بقوا في الداخل، خاصة أن عددًا منهم غادر إلى الدول المجاورة بحثًا عن الأمان، رغم تأييدهم للنظام، مثل قصي خولي، وباسم ياخور، وأمل عرفة وغيرهم.
وأسهمت مغادرة ممثلي الصف الأول بإسناد أدوار البطولة إلى ممثلي الصف الثاني، وفي ذلك يرى الناقد جلال سيريس، أثرًا إيجابيًا وليس سلبيًا، وخاصة للخريجين الجدد من المعهد العالي للفنون المسرحية، إذ تتوفر لديهم فرصة إبراز مواهبهم وعرض أنفسهم كمشاريع نجوم.
ومن المسلسلات التي اعتمدت ممثلي الصف الثاني لبطولتها مسلسل “زهر الكباد”، الذي يلعب دور البطولة فيه ليث المفتي ويخرجه مظهر الحكيم، ومسلسل “جرح الورد” لليث المفتي ودانا جبر، ويزن السيد.
الدراما المشتركة ليست حلًا
أما الممثلون المؤيدون للنظام والذين استقروا خارج سوريا، أصبحوا أكثر ميلًا للدراما المشتركة، ويرى سيريس أنه “من الطبيعي أن تختار قناة لبنانية شراء مسلسل يكون بطله تيم حسن لأنه يتمتع بجماهيرية كبيرة في لبنان والعالم العربي”، وذلك على الرغم من وجود ممثلين لبنانيين قديرين وجيدين، لكن شركات الإنتاج ترغب بالدرجة الأولى بتسويق أعمالها، وهو حق مشروع.
ولم تكن الدراما المشتركة وليدة الحرب في سوريا كما يظن كثيرون، لكن الحرب أسهمت في ازدياد الأعمال المشتركة، فكثيرًا ما كان مخرجون وممثلون سوريون يشاركون في أعمال خليجية أو أردنية منذ الثمانينيات، إذ حافظ الممثل السوري على الريادة منذ ذلك الوقت، مثل طلحت حمدي، وعباس النوري، ورشيد عساف.
وكانت إعلانات مسلسلات رمضان 2018 تزخر بهذه المسلسلات، إذ غابت التركيبة السورية الكاملة، واقتصر المسلسل على نجم سوري، وبقية فريق العمل يكون لبنانيًا، باستثناء المخرج، مثل مسلسلات “طريق”، “جوليا”، وحتى مسلسل “الهيبة” الذي كان ظهور الممثلين السوريين المشاركين للممثل تيم حسن فيه هزيلًا وغير مؤثر كبقية أدوار الممثلين اللبنانيين، وهذا الأمر طبيعي عندما تكون الشركة المنتجة لبنانية.
وعلى الجانب الآخر، قدمت شركات الإنتاج السورية مسلسلات فشلت جماهيريًا، وفنيًا، وذلك لمجرد مقارنتها بالمسلسلات السورية قبل الثورة، إذ تربعت الدراما السورية على عرش الدراما العربية على مدى 25 عامًا.
وكان عرض مسلسل “الواق واق” الذي شكّل عودة للتعاون بين المخرج الليث حجو والكاتب ممدوح حمادة، اللذين قدما أعمالًا اعتبرت من روائع الدراما منها “ضيعة ضايعة”، صادمًا للكثيرين، إذ اعتبر نقاد أن قصته “مستهلكة” بالإضافة إلى الأخطاء الفنية التي غطت على أداء الممثلين.
أرادت شركة “إيمار الشام” للإنتاج الفني، أن تقدم من خلال “الواق واق” نموذجًا مطابقًا لدراما “العصر الذهبي”، فخصصت ميزانية كبيرة للإنتاج، وتعاقدت مع ممثلين من الصف الأول، مثل باسم ياخور، ورشيد عساف، وشكران مرتجى، حتى إنها استعانت بموقع تصوير في إحدى مناطق تونس الساحلية، ليطابق النص، ورغم ذلك خرج العمل مخيبًا بحسب متابعين ونقاد.
كذلك الأعمال الدرامية الأخيرة التي عرضت في رمضان الماضي، لم تحقق أي نجاح جماهيري بسبب اعتمادها على المأساة السورية في نصوصها، فمعظم تلك المسلسلات تتمحور حول نفس الفكرة، وهي الحرب في سوريا، الأمر الذي أبعد المحطات العربية عن شرائها، لأن المشاهد العربي لا يجد نفسه معنيًا بهذه المواضيع.
الحاجة إلى صحوة في الدراما السورية
في خضم هذا الكم من الأعمال الدرامية المشتركة، أصبح المشاهد العربي والسوري متعطشًا لمسلسلات تجمع نجوم الدراما كما كانت بين عامي 2000 و2010، هذه الفترة التي اتسمت الدراما فيها بالبطولة الجماعية، رغم اكتظاظ العمل بالنجوم، ما أعطى تلك الأعمال قيمة لدى المشاهدين والنقاد، مثل “الزير سالم”، “سلسلة النجوم”، “الخربة” وغيرها من الأعمال.
ودعا نقاد إلى صحوة في الدراما السورية، لإنقاذها من التردي والانحدار، والذي أسهمت فيه بشكل كبير المشاكل التسويقية، ولحل تلك المشاكل كان لا بد من إيجاد أعمال تكون على مستوى جيد لتدفع المنتجين والمحطات الفضائية لشرائها.
وكان مسلسل “أوركيديا” الذي عرض في رمضان 2017، مثالًا واضحًا عن الحاجة إلى هذه الصحوة، فرغم تولي إخراجه من قبل المخرج حاتم علي، إلا أن استقاء أحداثه من المسلسل الأجنبي “صراع العروش” جعل المشاهد ينظر إلى المسلسل على أنه مكرر، مع انتظار بعض لمسات حاتم علي التي من الممكن أن تصنع فرقًا.
لكن تصريح الكاتب أحمد العودة، مؤلف المسلسل، الذي اتهم فيه المخرج بإسناد إدخال تعديلات في إحدى شخصيات المسلسل للممثل إياد أبو الشامات، وأنه أصبح الكاتب مكانه، الأمر الذي دفع شركة “إيبلا” المنتجة إلى إصدار بيان تؤكد فيه على أن العودة هو مؤلف العمل.
مسلسل “كوما” دراما معاصرة جمعت الداخل والخارج
بدأ عرض المسلسل السوري “كوما” بداية أيلول الماضي، عبر قناة “OSN” المشفرة، ووجدت أحداث المسلسل استحسانًا لدى المشاهدين، بعد اعتماده على طاقم عمل سوري، جمع بين ممثلين سوريين غابوا عن الدراما السورية بسبب مواقفهم المعارضة للنظام، مثل مكسيم خليل، وآخرين وقفوا موقفًا حياديًا، مثل كاريس بشار، وصفاء سلطان، بالإضافة إلى الاعتماد على مخرجين اثنين لحل إشكالية عدم دخول فنانين معارضين إلى الأراضي السورية، وذلك لأن النظام لا يؤمن جانبه في هذه الحالة.
تقسيم العمل تم على أساس جغرافي فرضته الظروف السياسية، إذ أخرج المشاهد التي صورت في أبو ظبي المخرج ماهر صليبي وكتبتها جيهان الجندي، بينما تولى إخراج مشاهد دمشق، المخرج زهير قنوع وكتبها أحمد قصار.
رغم هذا التقسيم يظهر المسلسل في شكل عمل متكامل، ما ذكر المشاهد بـ”دراما ما قبل الحرب”، وهو رغم استقاء أحداثه من واقع الحرب، يسلط الضوء على مشكلات اجتماعية تصلح لكل زمان ومكان، كالمخدرات، والطلاق، والخيانة، والشعور بالوحدة.
ويؤكد الناقد جلال سيريس لعنب بلدي أن “الفصل بين الفن والسياسة يحصل عندما يسمح رئيس النظام، بشار الأسد، للفنان أن يعبر عن موقفه ورأيه السياسي، بحرية، وهذا أمر مستحيل”، ويضيف سيريس أن النظام يسمح للممثلين المؤيدين له بالتنقل بحرية بين الدول، لمتابعة أعمالهم، بينما يبقى الممثل المعارض مهددًا بالاعتقال.