الاحتفاظ للجحش بحق الرد

  • 2018/10/14
  • 12:00 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

النظام السوري لم يكن، في الأساس، مسخرة، ولكننا، نحن السوريين، جعلناه مسخرة أمام الذي يسوى والذي لا يسواش.. حضراتكم تعرفون أن الأرض السورية تتعرض، منذ عشرات السنين، لقصف إسرائيلي “غاشم”، والنظام يحتفظ بحق الرد. لا جديد، ولكن، ولأننا لا نفهم بتعقيدات القصف والحروب والتوازنات الاستراتيجية، كنا نخطف الكباية من رأس الماعون، ونضحك، ونقول: هه هه، ليكه، “أبو حَفُّوظة” احتفظ بحق الرد.

وبعضنا لا يضحك وينتقل إلى حديث آخر، بل إنه يعطي لضحكته صدى، وأحيانًا تتخللها وقفات تشبه استخدامَ المكابح (الفرامل) الخاصة بسيارة عتيقة، فيقول في أثناء الضحك كه كه ككك، وهناك أناس يلفظون حرف (خ) بدلًا من (ك)، فيضحكون هكذا: هاهاها.. إخ خخ خخ.. وكان لنا صديق مرح جدًا اسمه “نوار”، عندما يرى المذيع التلفزيوني “رَجَا فرزلي” يقول: وأضاف المصدر العسكري أن قواتنا العسكرية تحتفظ بحق الرد على العدو في الزمان والمكان المناسبين.. يضحك حتى يرتوي، وأحيانًا يقف ويهرع باتجاه جهاز التلفزيون، ويحتضنه بذراعيه، ويلصق شفته بالجزء العلوي من رأس المذيع ويقول له: احتفظتم للصهاينة بحق الرد يا حبيبي؟ أنا أبوس هالحواجب الحلوين يا سيد رجا. تصور إيش ممكن يصير فينا لو ما احتفظتوا بحق الرد!

وذات مرة ارتفعت وتيرة الضحك لدى “نوار”، وبعد حوالي أربعين ثانية، تحول شكلُه إلى شكل رجل ضاحك، ولكن دون صدور أي صوت، يا ساتر. خفنا عليه، ذعرنا. ومع أننا لا نفهم شيئًا في موضوع الإسعافات الأولية، فقد ركضنا إليه غريزيًا، وأمسكنا به من جهة صدره، وظهره، وبطنه، وصرنا نعالجه بضربات خفيفة، وبعضنا حاول ثني جذعه، دواليك حتى توقفت الحالة، ولكن تنفسه بقي متوقفًا، ونحن نقول له: إهدا يا نوار، رَوّقْ، وحد الله.. ومسحنا وجهه بالماء، وبللنا شفتيه، وصار يفتح عينيه ويغمضهما وكأنه يودع هذه الدنيا الفانية، وصاح أحدُنا: اطلبوا له الإسعاف. فردَّ آخر: سيارة الإسعاف لا يمكن أن تمر إلى هنا بسبب ضيق الزقاق، يجب أن نحمله إلى ساحة الحارة.

بصعوبة بالغة تمكن “نوار” من القول: أنا أمشي.

فصحنا به: لا. لا يجوز أن تمشي وأنت بهذه الحالة.

وقال محمود: كما تعلمون، أبي طبيب، سمعتُه مرة يقول إن مريض الجلطة لا تَدَعُوه يتحرك. احملوه، أحسن.

وعلى الرغم من مأساوية الموقف انفتحت شهية “برهو” على المزاح، والتفت من توه إلى صديقنا “فلان” الذي كنا نلقبه “الجحش” وقال له: اليوم يومك يا مُعَوَّد!

وقال برهو لـ نوار: أكبر غباء أن يكون معك، ضمن مجموعتك، جحش، وتضيع وقتك في طلب سيارات الإسعاف.

هذه العبارة أعادتنا، كما قال عضو مجلس التصفيق والدبكة خالد العبود، إلى المربع الأول، فصديقنا “نوار” أضحكته هذه العبارة أكثر مما كانت تضحكه فكرة الاحتفاظ بحق الرد، وباشر الضحك الذي كان من المحتمل أن يجعله يختنق لولا أن صاح به الجحش بصوت حاسم وهو ينيخ أمامه:

– خلص بقى. اطلع على ظهري!

وحمله ومشى وهو يقول لنا: وأنتم يا عرصات، والله لأحتفظ لكم بحق الرد!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي