إعادة الإعمار بانتظار صافرة النهاية

  • 2018/10/14
  • 12:34 م

رجل يقود دراجته النارية خلف المباني المدمرة في مدينة حرستا شرقي دمشق. (AFP)

مراد عبد الجليل | رهام الأسعد | محمد حمص | أحمد جمال

يزداد الحديث عن إعادة الإعمار في سوريا، منذ أشهر، في أروقة مسؤولي الدول المعنية بالملف السوري، بحسب التوجهات السياسية لبلدانهم ومصالحها الاستراتيجية. دول داعمة لنظام الأسد مثل روسيا وإيران، وأخرى تقول إنها تبحث عن حل سياسي وفق مباحثات جنيف، مثل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.

يأتي ذلك عقب ذلك تطورات شهدتها الساحة السورية، خلال العام الماضي، على الصعيد العسكري والميداني، كان أهمها تراجع العمليات العسكرية بين قوات الأسد وفصائل المعارضة، بعد بسط النظام السوري، بمساندة روسية وإيرانية، سيطرته على مساحات واسعة من مناطق المعارضة، بدءًا من الغوطة الشرقية وجنوبي دمشق وصولًا إلى درعا في الجنوب.

الدول الراغبة بالمشاركة تنتظر إطلاق صافرة نهاية الحرب والتوافق على صيغة نهائية للحل السياسي، لتطلق مشاريعها وتبدأ شركاتها بالدخول إلى سوريا من أجل حجز حصصها الاستثمارية، كون الحكومة الحالية غير قادرة على إعادة الإعمار بنفسها.

تحاول عنب بلدي في هذا الملف تسليط الضوء على أثر تأخر الحل السياسي على موعد انطلاق إعادة الإعمار، وأهم الدول التي يمكن أن تشارك به في ظل بقاء نظام بشار الأسد أو في حال رحيله.

تقاسم الحصص والحل السياسي

إعادة الإعمار في سوريا ليست عملية اقتصادية فحسب، وإنما عملية سياسية ستؤدي بالطرف المتحكم بها إلى بسط سيطرته وقراره السياسي على المدى البعيد في سوريا، فأغلب الدول المشاركة تبحث عن دور في مستقبل سوريا.

الباحث السوري، سقراط العلو، المتخصص في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، استبعد أن يكون تقاسم الحصص في إعادة الإعمار هو الذي يؤخر الحل السياسي ويعطله، وإنما العقبة الأساسية تتلخص في محاولة روسيا فرض الحل على رؤيتها عن طريق مؤتمر “سوتشي”، (أي بقاء الأسد وإعادة الأراضي لسيطرة الدولة وتغيير الدستور وإجراء انتخابات)، بينما تريد أمريكا والدول الأوروبية والخليجية هيئة حكم انتقالية وفق مقررات جنيف والقرار 2254.

كما اعتبر، في حديث إلى عنب بلدي، أن هناك عدة عوامل أهم من إعادة الإعمار تجعل سوريا ساحة حرب، أبرزها الوجود الإيراني الذي يؤرق المنطقة، وخاصة إسرائيل والدول الخليجية، وهاجس الكرد بالنسبة لتركيا، التي لن تنسحب من سوريا قبل حل الأزمة مع أمريكا وتأمين حدودها، إضافة إلى الوجود الأمريكي الذي يسيطر على قطعة كبيرة من سوريا، تحتوي موارد النفط، وسد الفرات الذي يعد أكبر مولد للطاقة كهربائية في البلاد.

من جهته اعتقد المعارض السوري عضو “منصة القاهرة”، فراس الخالدي، أن تقاسم الحصص بين الدول الكبرى لا يشكل أي عقبة في طريق الحل السياسي المنشود وتثبيته، وإنما لاتفاق الدول الكبرى على تقاسم نفوذها في سوريا مصلحة لسوريا والشعب السوري، وسيجعل من نشر الأمن والأمان واقعًا حتميًا يفرضه الوجود الدولي على الأرض السورية، ولو كان على هيئة شركات متعددة الجنسيات تُعنى بإعادة إعمار، واستثمار ثرواتها من جديد.

وأشار الخالدي إلى أن آلية عمل هذه الشركات، فيما لو باشرت عملها داخل سوريا، تتعارض مع أي نظام سياسي أمني احتكاري قمعي يتخوّف السوريون اليوم من إعادة فرضه عليهم.

دولتان فقط قادرتان على إعادة إعمار سوريا

تكلفة إعادة الإعمار في سوريا “كبيرة” لا طاقة لسوريا وداعميها (روسيا وإيران) على الانفراد بها، ما يطرح تساؤلات عن الدول التي يمكن أن تقوم بدفع التكلفة، التي تصل إلى 400 مليار دولار، بحسب رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في نيسان الماضي.

العلو قال إنه بالنظر إلى الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي، فإن دولتين فقط لديهما فائض وقدرة على الدخول في السوق السوري، وهما ألمانيا والصين، أما دول الخليج فتعاني من عجز في الميزانيات إلى جانب صفقات التسلح الكبيرة مع أمريكا.

واعتبر العلو أن ألمانيا تعلم أنها ستكون شريكًا كبيرًا في إعادة الإعمار “لذلك نلاحظ تقاربها مع روسيا إلى جانب زيادة دورها الفعال خلال الفترة الماضية”، أما الموقف الصيني فيبدو ضبابيًا لسببين، الأول أن سوريا لا تعتبر ضمن مصالحها، والثاني يعود إلى عدم السماح لها بالدخول سياسيًا في سوريا من قبل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي يريد أن تدخل فقط باستثمارات وأموال، مشيرًا إلى أن الصين، على غرار الاتحاد الأوروبي، ترفض الدخول بالأموال فقط لأن ذلك يدعم ويقوي موقف بوتين في سوريا، وإنما تريد المشاركة في الحل السياسي.

“مارشال” ونفوذ روسيا وأمريكا

النفوذ على الساحة السورية يكاد ينحصر بين قطبين، الأمريكي ومن ورائه الدول الأوروبية والخليجية، والقطب الروسي الداعم الأكبر للنظام، ويعتقد أن أمريكا قد تلجأ إلى سحب النفوذ من روسيا عن طريق محاربتها وطرح مشاريع اقتصادية كما فعلت سابقًا بعد الحرب العالمية الثانية عندما أعلنت تطبيق مشروع “مارشال”، إذ بدأ الحديث يعود عن استخدامه كنموذج لإعادة الإعمار في سوريا خلال العام الماضي.

حينها، أخذت أمريكا مبادرة اقتصادية لعزل الاتحاد السوفيتي عن أوروبا ودول العالم وحمايته من نمو ونشاط الفكر الشيوعي.

سمي مشروع مارشال بذلك نسبة إلى وزير الخارجية الأمريكي في 1947، جورج مارشال، الذي أعلن عن مشروع لإعادة إعمار الدول الأوروبية التي تعرضت لدمار كبير، يقوم على تقديم هبات عينية وقروض طويلة الأمد، وخلال أربع سنوات من تطبيق المشروع، بين عامي 1948 و1952 منحت أمريكا الدول الأوروبية 13 مليار دولار أمريكي، أغلبها على شكل هبات وجزء منها قروض طويلة.

كما أطلقت مشروع “النقطة الرابعة” الذي أعلنه الرئيس الأمريكي، هاري ترومان، في 1949، وكان جزء منه موجهًا إلى بلدان الشرق الأوسط (منها لبنان وسوريا وغيرها) عن طريق تقديم مساعدات فنية وزراعية وصحية واقتصادية، بهدف التدخل في شؤونها الداخلية والخارجية، للوقوف في وجه المد الشيوعي، عن طريق فتح مكاتب في العديد من دول العالم وأسند إليها تنفيذ تلك البرامج.

الباحث سقراط العلو قال إن هذا السيناريو من الصعب تحقيقه لأن أمريكا ليس لديها أي مصالح في سوريا أو نية البقاء وإعادة الإعمار في المنطقة الموجودة فيها، ولكن وجودها مرتبط بالوجود الإيراني على الأراضي السورية، ومرتهن فقط بمطالب إسرائيلية وخليجية (السعودية) التي دفعت ملايين الدولارات من أجل بقاء القوات الأمريكية في سوريا، بعد تهديد الرئيس، دونالد ترامب، بالانسحاب في حال لم تدفع الرياض تكاليف بقاء القوات الأمريكية.

وحول التجربة الألمانية في سوريا، اعتبر العلو أن “مشروع مارشال” كان لإنقاذ أوروبا الغربية من هيمنة الاتحاد السوفيتي والمد الشيوعي، في أن حين الدور الروسي اليوم منسجم وبتنسيق مع أمريكا والدول الأوروبية في الداخل السوري، فلم يعد هناك عداء أيديولوجي بين الأطراف، بحسب قوله.

وأعرب العلو عن تخوفه من اختلاف الثقافات في عدة مناطق بسوريا بحسب الجهة التي ستعيد إعمارها، مؤكدًا أن الشمال السوري سيكون من حصة تركيا التي بدأت باتخاذ خطوات عملية لإعادة الإعمار من بناء مدارس وطرق اقتصادية وشركات اتصالات، إضافة إلى تدريس الأطفال المنهاج التركي في المدارس، إلى جانب العلاقات التاريخية بين البلدين، الأمر الذي قد يؤدي إلى فرض ثقافة مختلفة عن باقي المناطق التي سيعيد النظام إعمارها أو التي ستدخل بها الشركات الأوروبية.

رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حلب – 10 كانون الثاني 2018 (defenseone)

مصطلحات العملية السياسية

“حل سياسي” أم “انتقال سياسي”

الواضح من تمسك بعض الدول بمسمى “الانتقال السياسي” وإصرار روسيا على مصطلح “الحل السياسي” هو عمق المقصد ما بين المصطلحين واستخدامهما وربطهما كشرط أساسي لأي عملية تأتي بعد العملية السياسية، سواء إعادة الإعمار أو عملية عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.

الطريق إلى الحل السياسي شهد ثلاث محطات رئيسية من “جنيف” إلى “أستانة” وصولًا إلى “سوتشي” الروسية، وبين تلك المحطات تختلف مواقف الدول من شروط العملية السياسية وخطواتها.

ولما كان “الانتقال السياسي” عملية سياسية متدرجة تسمح بالتحول من نظام ديكتاتوري إلى نظام ديمقراطي تعددي، يكون قائمًا على حرية الاختيار والشرعية الشعبية المعبر عنها بانتخابات حرة ونزيهة، تنوعت تعريفات “الحل السياسي” وفقًا للدول المعرّفة للمصطلح بحد ذاته، الذي عرّف بما يخص سوريا بعملية سياسية تضمن دخول المعارضة في الحكم مع حكومة النظام مع تخفيض صلاحيات الرئيس.

وفي تصريحه لعنب بلدي قال المستشار الإعلامي لـ “هيئة التفاوض” يحيى العريضي، إنه بالنسبة لمصطلح “الحل السياسي” فهو بالنسبة لروسيا حسب مقاسها ومقاس النظام.

وأضاف العريضي، “بالنسبة لنا وللاتحاد الأوروبي وأمريكا وبعض الدول العربية والإقليمية من ضمنها تركيا تحديدًا، يعني تطبيق القرارات الدولية والانتقال السياسي”، موضحًا أن “المقصود من الانتقال السياسي، هو التغيير الفعلي الذي يوجد البيئة الآمنة لعودة اللاجئين وإعادة الإعمار”.

وعادةً ما تحتاج المرحلة الانتقالية لسنوات، سواء كانت ممثلة بـ “الانتقال السياسي” أو “الحل السياسي”، والتي تتوج في نهايتها بانتخاب هيئات دستورية ومن المفروض أنها تمتلك سلطات سيادية محددة بنص الدستور.

وتحتاج كلتا العمليتين لعوامل تساعد على تسييرها وتسريع وتيرتها، ومنها الحالة الاقتصادية والجو العام المناسبان ووقف النزاعات المسلحة، إلى جانب عملية تحضيرية تسبقها.

ولكي تدعم روسيا حلها السياسي مهدت له بعدة مراحل تحضيرية بهدف فرضه على الساحة الدولية، وأولها السيطرة على المساحة الأكبر من البلاد إلى جانب عمليات “مصالحة وطنية” شكلية “بضماناتها”.

الحديث الأول عن عملية سياسية تفضي لانتقال سياسي يقوم به السوريون أنفسهم كانت في جنيف، 30 من حزيران 2012، في اجتماع لـ “مجموعة العمل من أجل سوريا” بناءً على طلب كوفي أنان مبعوث الأمم المتحدة السابق، وجامعة الدول العربية إلى سوريا في ذلك الوقت.

وجاء في نص الخطوات الانتقالية للعملية السياسية في جنيف “لن ينتهي النزاع في الجمهورية العربية السورية حتى تتأكد كل الأطراف من وجود سبيل سلمي نحو مستقبل مشترك للجميع في البلد”.

وتقول الخطة إن “أي تسوية يجب أن تتضمن خطوات واضحة لا رجعة فيها تتّبعها العملية الانتقالية وفق جدول زمني محدد”. وتشمل الخطوات الرئيسية التي تحدثت عنها إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية، وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية.

ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة.

وتضيف الخطة أن “الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلد، ولا بد من تمكين جميع فئات المجتمع ومكوناته في الجمهورية العربية السورية من المشاركة في عملية الحوار الوطني، ويجب ألا تكون هذه العملية شاملة للجميع فحسب، بل يجب أيضًا أن تكون مجدية، أي أن من الواجب تنفيذ نتائجها الرئيسية”.

وعلى هذا الأساس “يمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية، ويجب أن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام، كما يجب الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة وتعددية وإجراؤها لشغل المؤسسات والهيئات الجديدة المنشأة بعد إقامة النظام الدستوري الجديد” بحسب الخطة.

بعد جنيف أصدرت الأمم المتحدة القرار 2245، عام 2015، من 16 مادة وتنص الفقرة الرابعة منه على دعم عملية سياسية بقيادة سورية، تسيرها الأمم المتحدة، وتقيم في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية.

ويحدد القرار جدولًا زمنيًا وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملًا بالدستور الجديد، فـي غضون 18 شهرًا تحـت إشراف الأمم المتحدة.

ويؤكد القرار الأممي أنه ما من حل دائم للأزمة الراهنة في سوريا إلا من خلال عملية سياسية جامعة بقيادة سوريا تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، بهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف المؤرخ، في 30 من حزيران 2012.

روسيا اتجهت بالعملية السياسية “الخاصة بها” إلى مؤتمر “الحوار الوطني” في سوتشي الذي أقيم في كانون الأول 2018، والذي اختتم بالاتفاق على تشكيل لجنة دستورية من ممثلي النظام السوري والمعارضة لإصلاح الدستور وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي “2245”.

ونص بيان سوتشي الختامي على “بناء مؤسسات أمنية ومخابرات تحفظ الأمن الوطني، وتخضع لسيادة القانون وتعمل وفقًا للدستور والقانون وتحترم حقوق الإنسان”.

ونص البند الثالث من البيان الختامي على “حق الشعب السوري وحده في تحديد مستقبله من خلال العملية الديمقراطية وعن طريق الانتخابات، وحقه وحده في تقرير نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي من دون أي تدخل خارجي أو ضغوط بما يتلاءم مع حقوق وواجبات الشعب السوري على المسرح الدولي”.

الحديث الروسي وتشكيل الحل السياسي ترافق مع سيطرة روسية على المشهد السوري وخفوت التفاعل الأوروبي، فضلًا عن تحييدها لمسار جنيف الذي يحظى بقبول غربي ودولي، لكن واشنطن ما زالت تتمسك بمسار جنيف السياسي، وكذلك الأمر بالنسبة لبعض دول الاتحاد الأوروبي.

مؤتمر “بروكسل” حول مستقبل سوريا، الأربعاء 5 نيسان 2017 (تويتر)

باستثناء الأسد..

أوراق قد تتنازل عنها روسيا لتحصيل أموال إعادة إعمار سوريا

تجاذبات دولية أحاطت بالعملية السياسية في سوريا وسط مساعٍ روسية للإمساك بجميع أطرافها، بعد استفراد الحليف الروسي بالملفين العسكري والاقتصادي، لتصطدم موسكو بواقع يمنعها من التفرّد بالملف السياسي، كون الدول الغربية ربطت مشاركتها في إعادة إعمار سوريا بضرورة التوصل لحل سياسي يرضي مصالح تلك الدول، قبل المصالح الروسية.

وبما أن الاقتصاد الروسي لن يسعف الرئيس بوتين ويتيح له حمل ملف إعادة إعمار سوريا دون مشاركة الغرب، كان لا بد من مزايا تقدمها روسيا للمجتمع الدولي لجذبه نحو فرص إعادة الإعمار، ولكن في سياق يحافظ على مصالحها و”شرعية” وجودها على الأراضي السورية.

وباستثناء الدعوات الشفهية التي لم تؤت ثمارها، أطلقت روسيا أولى مغرياتها للغرب، حين أعلنت عن خطة لإعادة 5.6 مليون لاجئ إلى سوريا محاولة إعطاء المجتمع الدولي فسحة سماوية، وربما فرصة للتخلص من عبء اللاجئين الذي أثقل كاهله، مقابل إجباره على دفع الأموال اللازمة لإعادة إعمار سوريا.

لكن ضعف استجابة المجتمع الدولي لخطة إعادة اللاجئين، التي لا تزال مجهولة المعالم والأهداف، يبدو أنه سيجبر روسيا على تقديم تنازلات أخرى في الملف السوري، خاصة أن الخطة الروسية تزامنت مع فشل موسكو في إشراك كبرى دول العالم ضمن خططها لإعادة الإعمار في سوريا.

هل تساوم روسيا على نظام الحكم؟

من وجهة نظر المعارض السوري، فراس الخالدي، عضو “منصة القاهرة”، فإن روسيا لا تملك في سوريا شيئًا لتساوم عليه الدول الكبرى إلا النظام الحاكم، معتبرًا أن الوجود الجوي والعسكري واستخدام المنظومات الدفاعية المتطورة لن يمكّن الروس من ليّ ذراع المجتمع الدولي، الذي يمكنه قلب مجريات وقائع الميدان خلال أيام، في حال أراد ذلك، وفق ما قال الخالدي لعنب بلدي.

وتتخبط الآراء حول التنازلات التي يمكن أن تقدمها روسيا لقاء مشاركة الدول الغربية في إعادة إعمار سوريا، إذ يرى البعض أن روسيا قد تتخلى عن الأسد مقابل ذلك، فيما ترجح الآراء أن أكثر ما قد تسمح به روسيا هو مشاركة المعارضة السورية في نظام الحكم، بما يرضي الغرب، الذي يحوم حول مخرجات “جنيف” لا “أستانة”.

أما فراس الخالدي، فيرى أن الروس لن يُفرّطوا بورقتهم الوحيدة في سوريا، وهي الحفاظ على نظام الأسد، كونهم يظنون أنهم يستمدون مشروعية وجودهم في سوريا من بقاء الأسد على رأس السلطة، وبالتالي لن تتخلى موسكو عن الأسد قبل أن تستكمل بالحد الأدنى تحقيق أهداف تدخلها كاملة، حسبما قال الخالدي.

ورغم أن روسيا تُلح، منذ بداية تدخلها في سوريا، على رفض رحيل بشار الأسد ونظامه الحاكم، خرج نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، ليقول في حديث لوكالة “سبوتنيك” الروسية، في 8 من تشرين الأول الحالي، إن مسألة رحيل الأسد “تم تجاوزها ولم يعد أحد يطرحها”.

وأشار إلى أن مصير رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لن يكون مادة للنقاش في أي محادثات قد تجري مستقبلًا بين النظام والمعارضة، وبالتالي نسفت روسيا مسألة تغيير النظام الحاكم في سوريا من أي اعتبارات غربية، وإن كلفها ذلك إحجام الغرب عن إعادة الإعمار.

ومع ذلك، يرى عضو “منصة القاهرة” فراس الخالدي أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، ماضٍ في خطته المشتركة مع الروس لإحلال السلام في سوريا، إذ لم تُسجل حتى اللحظة أي محاولة أمريكية جادة لخرق هذا الاتفاق.

وأضاف، “حتى اللحظة الروسي، وبنظرة تتجاوز الصندوق السوري، مَعني اليوم أكثر من أي جهة أخرى في العالم بتقديم أوراق اعتماده من جديد كلاعب دولي حقيقي، وكجزء وازن من منظومة العمل الدولية المعنية بإدارة وحل الأزمات في العالم”.

واعتبر أن روسيا تدرك أن امتحانها الآن هو بمثابة الفرصة الأخيرة إما للعودة الفاعلة أو للخروج النهائي من اللعبة الدولية، “وعليه فإن ارتفاع الرهان الروسي هو الذي أظهر النظام الحاكم بهذه القيمة العالية”، يقول الخالدي.

اجتماع جنيف لتحديد آليات الحل السلمي للأزمة السورية (AFP)

فرصة أوروبية لتصفية الحسابات الروسية

يرى الباحث سقراط العلو أن الدول الأوروبية والغربية قد تستغل ملف إعادة إعمار سوريا لتصفية ملفات دولية عالقة مع الروس، وعلى رأسها شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، التي ضمتها روسيا إلى أراضيها وسط تنديد أوروبي، بالإضافة إلى ملف بحر البلطيق و”التحرش” الروسي بالدول الاسكندنافية وغيرها من القضايا المتأزمة.

وأضاف أنه في حال فصل الأوروبيون تلك القضايا وركزوا على الملف السوري، فإن أكثر ما قد تقدمه روسيا هو منح حصة للمعارضة السورية في نظام الحكم، ولكن بالرجوع إلى مسار “جنيف” وبمشاركة كل الدول، بعيدًا عن مساري “أستانة” و”سوتشي”، اللذين همشا أي دور غربي في العملية السياسية السورية.

ومع ذلك، اعتبر العلو، في حديث لعنب بلدي، أن مشاركة المعارضة ستكون شكلية، على اعتبار أن نظام الأسد هو المهيمن فعليًا على مؤسسات الدولة، فيما ستعمل روسيا على توزيع حصص إعادة الإعمار بالتفاهم مع تركيا والدول الغربية والولايات المتحدة، كل على حدة، بما يؤدي إلى حل سياسي.

وأضاف “لن يكون للنظام السوري ولا للمعارضة أي دور فعلي في عملية إعادة إعمار سوريا”.

كيف ينظر الشارع السوري إلى التنازلات الروسية؟

في استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني، تقاربت آراء المشاركين، بين من رأى أن روسيا قد تقدم تنازلات للغرب لقاء مشاركته بإعادة إعمار سوريا، وبين من رأى أن الحليف الروسي سيظل متمسكًا برؤيته للحل السياسي في سوريا.

وطرحت عنب بلدي سؤالًا: “برأيك.. هل يمكن أن تقدم روسيا تنازلات في الملف السياسي السوري مقابل مشاركة الغرب بإعادة الإعمار؟”، وبلغت نسبة المشاركين فيه 450 شخصًا، تضاربت آراؤهم بين “نعم” و”لا”.

56% من المشاركين رأوا أن روسيا ستتخلى عن جزء من مصالحها في سوريا، باعتبارها غير قادرة على تمويل إعادة الإعمار بمفردها، وهذا مؤشر يدل على أن هذه الفئة لا تزال تعتقد أن للدول الغربية دورًا في الحل السوري، عكس ما تروج له روسيا والنظام.

أما 44% من المستطلع رأيهم فرأوا أن روسيا لن تتنازل عن إدارتها للملف السياسي السوري بموجب رؤيتها التي تخالف بها رؤية المجتمع الدولي، وبالتالي تعول هذه الفئة على الدور الروسي والإيراني والصيني في تمويل مشاريع إعادة إعمار سوريا.

https://www.enabbaladi.net/archives/257087

مواقف دولية من عملية إعادة الإعمار

تدعم أغلب الدول والمنظمات الغربية توجه الأمم المتحدة حول ربط إعادة الإعمار بالحل السياسي في سوريا.

وبدأت روسيا بدعوة الدول الغربية للمشاركة في إعادة الإعمار بعد خطة تتيح إعادة اللاجئين إلى سوريا، قبل أشهر، لكن تلك الدعوات قوبلت بالموافقة المشروطة بالحل السياسي في سوريا من الدول الغربية.

الأمم المتحدة

وضعت الأمم المتحدة الحل السياسي شرطًا لتسهيل بناء وإعادة الإعمار في سوريا، بحسب وثيقة نشرتها صحيفة “الشرق الأوسط”، في شباط الفائت، ووصفتها بالنادرة، وربطت الوثيقة التي أعدتها الأمم المتحدة بين إسهام مؤسساتها بإعادة الإعمار وبين حصول انتقال سياسي جدي وشامل.

وجاء فيها أنه فقط عندما يحصل انتقال سياسي شامل وجدي ومتفاوض عليه بين الأطراف المعنية، ستكون الأمم المتحدة جاهزة لتسهيل الإعمار.

المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، خلال لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في آب الفائت، أكد على ضرورة تقديم الحل السياسي على مشروع إعادة الإعمار في سوريا.

واعتبر الطرفان أن الحديث حول إعادة البناء في سوريا “سابق لأوانه”، في إشارة للعمل على مسار الحل السياسي وإجراء انتخابات نزيهة ضمن إطار قرارات مجلس الأمن الدولي، قبل الضغط لعودة اللاجئين إلى بلادهم.

أمريكا

أعلنت الولايات المتحدة، في آب الفائت، أنها لن تقدم أي تمويل لإعادة إعمار سوريا قبل بدء محادثات سلام جادة بقيادة الأمم المتحدة، في إشارة إلى مسار “جنيف” للحل في سوريا.

كما قال وزير الخارجيّة الأمريكي مايك بومبيو في تشرين الأول الحالي، إن واشنطن لن تقدم أي إسهام في تمويل إعادة إعمار سوريا طالما أنّ هناك قوات إيرانية أو مدعومة من إيران في هذا البلد.

وأضاف “لقد كُنّا واضحين، إذا لم تضمن سوريا الانسحاب الكامل للقوّات المدعومة إيرانيًا، فهي لن تحصل على دولار واحد من الولايات المتحدة لإعادة الإعمار”، وفقًا لوكالة “فرانس برس”.

وفي نيسان الماضي، وافق مجلس النواب الأمريكي، على مشروع قانون يحظر تقديم أي مساعدة في إعادة إعمار المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، مقابل تطبيق الحل السياسي في سوريا.

الاتحاد الأوروبي

أعلن الاتحاد الأوروبي في أيلول الفائت، على لسان مفوضة الشؤون الخارجية للاتحاد، فيديريكا موغيريني، أن لدى أوروبا شروطًا للإسهام في إعادة الإعمار، أبرزها حل سياسي له صفة “الشرعية الدولية، وصياغة دستور جديد لسوريا بمشاركة المجتمع الدولي”.

ولفتت موغيريني إلى أن الالتزام بدعم سوريا، وإعادة الإعمار يجب ألا يقتصر على شقه المادي.

الدول السبع

أعلنت مجموعة “الدول السبع الكبرى” (الولايات المتحدة وكندا واليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا)، في نيسان الفائت، أنها لن تشارك بإعادة إعمار سوريا دون انتقال سياسي “ذي مصداقية” لنظام الحكم.

ألمانيا

وفي حزيران الفائت، قالت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إن “ألمانيا لن تشارك في عملية إعادة الإعمار في سوريا ما لم يتحقق حل سياسي للأزمات السياسية والأمنية في البلدين وعودة الاستقرار إليها”، وفق ما نقلته صحيفة “الغد الأردني”.

وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتفن زايبرت، عقب لقاء بوتين وميركل، إنه يجب السعي أولًا للتوصل إلى “اتفاق سلام سياسي في البداية” في سوريا.

فرنسا

أكد السفير الفرنسي في مجلس الأمن، فرانسوا دولاتر، في تموز الفائت، عدم مشاركة بلاده بإعادة إعمار سوريا “ما لم يجرِ انتقال سياسي فعلي بمواكبة عمليتين، دستورية وانتخابية بطريقة جدية ومجدية”، مضيفًا أن الانتقال السياسي شرط أساسي للاستقرار في سوريا، وموضحًا أنه لا سبب يبرر لفرنسا والاتحاد الأوروبي تمويل جهود إعادة الإعمار.

السعودية والإمارات

نقلت صحيفة “العرب اللندنية” نهاية العام الفائت عن مصادر روسية أن موسكو حصلت، خلال زيارة العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو، في تشرين الأول الفائت، على “وعود قوية بالإسهام في إعادة إعمار سوريا ما بعد الحرب”.

وأشارت إلى أن الملك سلمان أبلغ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن الرياض لا يمكن أن تدفع بمليارات الدولارات لتصب في خدمة إيران، وأن أي حديث عن إعادة الإعمار يجب أن يكون بعد حل سياسي يكون فيه القرار بيد السوريين دون تدخل خارجي لفائدة أي جهة كانت.

وفي آب الفائت، قدمت السعودية والإمارات مبلغ 150 مليون دولار لإعادة الإعمار والاستقرار شرقي سوريا (الخاضعة لسيطرة “قسد”)، وخاصة في مدينة الرقة، بحسب ما أعلن التحالف الدولي.

تركيا

أعلنت تركيا في شباط الفائت، استعدادها للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، بحسب ما قاله وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو.

وأضاف جاويش أوغلو “نحن مستعدون للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، لكن على الدول الراغبة بالتعاون معنا أن تلتزم الشفافية والصدق”، بحسب وكالة “الأناضول”. وتتمسك تركيا برحيل الأسد كشرط أساسي للحل السياسي في سوريا.

اجتماع الدول السبع في سنغافورة حزيران 2018 (رويترز)

مقالات متعلقة

في العمق

المزيد من في العمق