عنب بلدي – دمشق
بذريعة أمن المياه ومحاربة الإرهاب، ألغيت قرى عين الفيجة وبسيمة في منطقة وادي بردى، بسكانها ومنازلها وجميع معالمها، واختفت بذلك ملامح المكان السياحي الأول في ريف دمشق، بعد تشريد السكان عن أملاكهم وذكرياتهم.
تعتبر عين الفيجة وجارتها بسيمة في منطقة وادي بردى، من أهم المناطق السياحية في دمشق وريفها، وأحد أهم المصايف في المنطقة، وتتسم بطبيعة يتخللها نهر بردى الشهير، وتعتبر عين الفيجة المقصد الأهم للسياح، وتحتوي ما يقارب 80 مطعمًا على ضفاف النهر وحول النبع.
وفي مطلع كانون الثاني عام 2017، سيطرت قوات الأسد على تلك القرى من يد المعارضة ضمن حملة عسكرية واسعة مصحوبة بالطيران، ليهجر أهالي المنطقة إما خوفًا من القصف والانتهاكات أو بموجب اتفاقية في نهاية الشهر ذاته، أخليت من خلالها المنطقة من المقاتلين والرافضين للاتفاق.
بعد عام تمامًا، أصدر رئيس النظام، بشار الأسد، القانون “رقم 1” لعام 2018، في 18 من كانون الثاني 2018، الذي حدد بموجبه حرمي النبع “المباشر وغير المباشر”، إضافة إلى تحديد حرمي النفق المائي المار بتلك القرى والواصل إلى دمشق، وبذلك صارت عودة السكان الذي استملكت منازلهم أمرًا مستحيلًا.
ونص القانون على استملاك العقارات وأجزاء العقارات الواقعة ضمن الحرم المباشر، وفق المخططات المرفقة بالقانون، ووفق تعويض معادل للقيمة الحقيقية للملكية.
من يمنع العودة؟
منذ مطلع عام 2017، أغلقت قوات الأسد منافذ القرى بشكل كامل وأعلنتها “منطقة عسكرية”، ومنعت بذلك دخول أي أحد من السكان إليها مهما كان السبب.
وخلال تلك المدة وعد المسؤولون في حكومة النظام سكان عين الفيجة وبسيمة بقرب العودة والبدء بتأهيل الأحياء والبنى التحتية، لكن تلك الوعود تكررت عشرات المرات دون تنفيذ.
“منير ك.”، أحد سكان المنطقة السابقين يقول لعنب بلدي، “أبلغونا عشرات المرات أن العودة للقرية قريبة وسيبدأ تأهيل المنازل وتعويض الأهالي، لكن لا توجد أي مؤشرات للعودة والقرى مدمرة بشكل كامل”.
ويضيف، “الحكومة فجرت معظم أحياء عين الفيجة بحجة توسيع حرم النبع، فإلى أين سيرجع السكان بعد ما اختفت منازلهم؟”.
ولا يوحي حجم الدمار في قريتي عين الفيجة وبسيمة بأي عودة قريبة، لا سيما وأن ورشات مؤسسة مياه دمشق ما زالت تكمل توسعها على حساب الأحياء السكنية والمؤسسات الإدارية في القرى.
من جهته وعد محافظ ريف دمشق، علاء إبراهيم، بشكل رسمي بعودة الأهالي خلال أشهر قليلة، منذ نيسان 2014 وتكررت الوعود على مدار العامين الماضيين، لكن منير وعددًا من أهالي المنطقة الذين تواصلت معهم عنب بلدي وصفوا ذلك بـ “إبر مخدر لا أكثر”، إذ لا توجد تحركات رسمية لفتح الطرقات وترحيل الركام.
وبعد مرور نحو عامين على قرار استملاك الأراضي وتوسيع الحرم المباشر لنبع الفيجة، لم تشهد وتيرة العمل أي تقدم ولم يتم تنفيذ مشروع منشأة النبع على الأقل، علاوة على الركام الذي يحتاج أشهرًا طويلة لترحيله.
أسامة محمد، وهو رجل خمسيني من أهالي عين الفيجة، قال لعنب بلدي إن أيادي خفية تعرقل عودة السكان إلى منازلهم، وذلك بعد كثرة الوعود الحكومية التي انتهت دون نتائج ولا مبررات.
وتحدث أسامة عن عروض لأصحاب العقارات، التي لم يطلها استملاك القانون “رقم 1″، للبيع من قبل تجار محليين، مشيرًا إلى تحذيرات من البيع يتناقلها أصحاب العقارات على لسان مسؤولين في الحكومة من أهالي المنطقة، يصفون ما يجري بـ”ابتلاع المنطقة”.
انتخابات لقرى غير موجودة
ومع فقدان الأمل بعودة الحياة إلى قريتي عين الفيجة وبسيمة، أجريت انتخابات المجالس المحلية التي نظمتها الحكومة في أيلول الماضي، ورغم الحديث عن “انفتاح إداري” روج له النظام السوري في هذه الانتخابات، كانت صبغة “حزب البعث” واضحة في المنطقة، إذ زكى الحزب مرشحيه، لتتم تسميتهم ناجحين عن الفئتين “أ” و”ب”، كأعضاء مجلس بلدتي عين الفيجة وبسيمة.
الخطوة أثارت غضب السكان وسخريتهم في آن واحد، وعلق أسامة محمد، “ما وظيفة أعضاء مجلس البلدية ولم تعد هناك قرى ولا أحياء ولا سكان، أم أن وظيفتهم تقديم الخدمات على الخريطة لقرى ألغيت من الوجود؟”.
ويرى الرجل الخمسيني، أن الخطورة تمكن في عصبة تجار مرتبطين مع الضباط، وهم من كانوا وراء الحملة العسكرية على المنطقة لتنفيذ أجنداتهم، وتمثلت بالسيطرة عليها تحت مبرر أمن المياه والخطر السكاني المحيط بالنبع.
“طوال عشرات السنوات الماضية ونحن نسكن في محيط النبع والنهر، وكانت المياه تتدفق إلى دمشق بشكل طبيعي ولم تتلوث أبدًا”، يختم الرجل حديثه، متسائلًا، “ما الذي تغير حتى يستملكوا قرية بكاملها بحجة أمن المياه؟”.
وعلى ضوء القانون “رقم 1” الذي حدد خريطة الاستملاك الخاصة بحرمي النبع والنفق المائي الذي يمر بالقرى، فإن المساحة المتبقية للسكان تقدر بنصف مساحة القريتين، ولكن حتى إن سمح لهم بالعودة فإن بنود القانون تمنعهم من إعادة الإعمار وفتح منشآت سياحية وحتى الزراعة والصناعة، تحت طائلة الحجز والغرامة المالية.