دمشق – ماري العمر
معابر تشبه المعابر الدولية رغم المسافات القصيرة، وانتظار طويل أمام الحواجز الأمنية، وعراقيل عديده تؤخرهم عن أعمالهم ومدارسهم، هكذا ينتقل أبناء الغوطة الشرقية بين بلداتهم والعاصمة دمشق.
بعد نزوح معظم سكان بلدات الغوطة الشرقية إلى مناطق في دمشق وضواحيها عقب المعارك التي سبقت خروج المعارضة منها، قبل خمسة أشهر، باتت العودة الجزئية للسكان إلى منازلهم وأحيائهم حاجة ضرورية رغم كل الصعوبات.
بعض الأهالي يحتاجون بين الحين والآخر للدخول إلى منازلهم المدمرة بنسب متفاوتة، وآخرون يحتاجون للتنقل بين بلداتهم والعاصمة دمشق في إطار استئناف عملهم ووظائفهم أو دراستهم، بعد أن عادوا مؤخرًا إلى ما تبقى من منازلهم.
وسيطرت قوات الأسد على الريف الشرقي لدمشق بعد أن وقعت اتفاقات تسوية بشكل منفصل مع فصائل المعارضة فيها (فيلق الرحمن، جيش الإسلام، حركة أحرار الشام)، في نهاية شهر نيسان ومطلع أيار الماضيين.
رحلة شاقة
يحتاج الطريق من بلدات الغوطة الشرقية إلى دمشق، موافقات أمنية وساعات انتظار، إلى جانب الرفض المتوقع للمرور، وما يتعرض له الشخص من إهانات وتصرفات مزاجية.
وتبدأ الرحلة من منطقة باب شرقي في دمشق، باتجاه بلدات الغوطة بأكثر من سبعة حواجز أمنية تنتظر الأهالي العابرين إلى منازلهم، برفقة موافقة أمنية من لجنة المصالحة مع إثبات يحدد سكنهم الحالي.
منى إحدى سكان الغوطة، وهي طالبة معهد خاص في دمشق، تقول لعنب بلدي، “لا أحمل بطاقة جامعية، ولم يوافق الضابط المسؤول عن الحواجز، وهو برتبة عميد، على العبور، وطلب مني إحضار ورقة مختومة من المدير الإداري للمعهد كي أتمكن من الخروج والدخول”.
ويطلب من ساكني الغوطة أوراق تثبت مكان سكنهم في دمشق بعقد الإيجار أو ورقة من مختار الحي الذي يستضيفهم، ودون تلك الأوراق لا يمكنهم الدخول إلى عقاراتهم وأراضيهم.
المعاناة اليومية لأهالي المنطقة تعيق حياتهم وأعمالهم وحتى مدارسهم، ويقول حسام، أحد أبناء بلدة المليحة وهو طالب جامعي في دمشق، “عليّ أن آتي قبل ساعتين من موعد مدرستي حتى لا أتأخر بسبب الانتظار الطويل على حاجز الأمن”، ويضيف، “هذه قضية شاقة لأنها يومية وليس مرة واحدة في السنة”.
من جهة أخرى، يتطلب نقل أثاث المنازل والأمتعة الخاصة بالسكان، ورقة أمنية خاصة من العميد المسؤول عن المنطقة، ولا تنتهي العملية هنا، بل تحتاج إلى دفع مبالغ لعناصر الحاجز خوفًا من رفض إدخالها.
والطريق من دمشق إلى الغوطة يعرف بوعورته بسبب المعارك وكثرة الأنقاض التي تعترضه وغياب الخدمات، في ظل محاولة قوات الأسد إغلاق جميع الطرقات الفرعية الأخرى، لتحصر مرور المدنيين عبر حواجزها.
معاملة مزاجية
تستغرق رحلة الوصول إلى داخل البلدات نحو ساعة ونصف على الأقل، في ظل الانتظار والتدقيق على الحواجز، ويعود التدقيق إلى مزاجية العناصر تجاه هويات المارين وفقًا للتصنيفات المتعلقة بالبلدات وموقفها السابق من الاحتجاجات ضد النظام.
بعض الحواجز تعيد التفتيش والتدقيق الأمني ثلاث مرات، وفئة أخرى تستمتع بإيقاف الناس في طوابير الانتظار ريثما يعطون أوامرهم بالدخول أو الرفض.
“بشكل أوضح فإن البلدات التي تمت السيطرة عليها عسكريًا دون اتفاق يقضي بخروج المعارضة منها، يتم التعامل مع أبنائها بطريقة مختلفة عن المناطق التي شهدت اتفاقًا برعاية لجان المصالحة”، بحسب ما قال حسام لعنب بلدي.
ووصف حسام السكن داخل بلدات الغوطة حاليًا بـ “السجن الكبير”، نظرًا للتضييق والخناق المفروض من قوات الأسد على جميع مداخلها وطرقاتها، مقابل خدمات سيئة ما زالت تعانيها البلدات.
وكان النظام السوري استبدل، في أيلول الماضي، الحواجز المنتشرة في المنطقة التابعة للجيش بأخرى تابعة للأفرع الأمنية، وعلى رأسها فرعا المخابرات الجوية وأمن الدولة، في إطار حملتي التجنيد والتشديد الأمني الذي تشهده المنطقة.
ومنذ أن فرضت قوات الأسد سيطرتها على الغوطة الشرقية، قسمت المنطقة إلى قطاعات من خلال حواجزها، وأغلقت بعض الطرق الفرعية بالسواتر الترابية لإجبار السيارات على المرور عبر حواجزها بهدف التفتيش.
وتتركز الحواجز في التقاطعات التي تصل المدن ببعضها، لا سيما في مدينة حمورية، التي تفصل بين مدينة سقبا وبلدتي بيت سوى ومديرة ومدينة عربين.
كما قطعت بعض الشوارع الفرعية بين زملكا وعربين، وزملكا وعين ترما، وأبقت مدخلين للمدنيين، أحدهما يربط زملكا بعربين والآخر بعين ترما.
وتقوم الحواجز في المنطقة الفاصلة بين دمشق وشرقها بعمليات تفتيش دقيقة، بحثًا عن مطلوبين للخدمة العسكرية، أو مطلوبين للأفرع الأمنية للتحقيق معهم.