سوريا “ملاذ آمن” لمجرمين هاربين من العدالة

  • 2018/10/07
  • 12:00 ص

وسيم بديع الأسد مع المطلوب اللبناني نوح زعيتر (فيس بوك)

عنب بلدي– حلا إبراهيم

“الضابط الذي كنت أتلقى التوجيهات منه يعرف باسم (حجي)، وهو برتبة نقيب”، كان هذا اعتراف يوسف نازيك، المتهم بتفجير الريحانية جنوبي تركيا، خلال مثوله أمام محكمة الجزاء التاسعة بتركيا.

بعد أن ألقت الاستخبارات التركية القبض على نازيك خلال عملية وصفتها بـ“النوعية” في مدينة اللاذقية السورية، في 12 من أيلول الماضي، نقلته من مدينة اللاذقية إلى تركيا عبر طرق آمنة، وأخضعته للاستجواب، ليعترف أنه كان يعلم بتحضيرات الهجوم، لكنه لم يكن يعلم أنه سيقع داخل الحدود التركية، وكان يعتقد أن الهجوم سيُنفذ في منطقة يسيطر عليها “الجيش السوري الحر”، على حد قوله.

كان آخر ما يتوقعه نازيك أن يتم القبض عليه داخل سوريا، وخاصة في مدينة اللاذقية وهي المعقل الأكبر نفوذًا للنظام السوري، كما لم يكن يتوقع أن يتغاضى النظام رسميًا عن ذكر قضية اعتقاله، سواء بالنفي أو بالتأكيد، في ظل اعترافه بإقدامه على التخطيط للتفجير بالتعاون مع مخابرات النظام ولمصلحته.

المحامي ياسر السيد، وهو سوري لديه خبرة بالمحاكم الجنائية والعسكرية في سوريا، يقول لعنب بلدي، إن “سوريا من الدول الموقعة على اتفاقية “الإنتربول” (الشرطة الجنائية الدولية) ويفترض أن تلتزم ببنود هذه الاتفاقية، لكن الذي يحصل أن مجرمين يفرون إلى مناطق النظام، وهو لا يعترف بوجودهم على أراضيه، وهذا مخالف لأحكام الاتفاقية”.

نازيك لم يكن الأول ولا الأخير الذي يفر إلى سوريا، فقد سبقه متورطون بقضايا جنائية أو أمنية وجدوا من الفوضى في سوريا وانقطاع العلاقات بين النظام وعدد كبير من الدول ملاذًا آمنًا، إذ يحول دون تسليمهم أحيانًا غياب التنسيق الرسمي مع الدول التي تطلبهم.

منظمة “الإنتربول”.. تفعيل جزئي

رغم دخول سوريا في منظمة “الإنتربول” مع 191 دولة أخرى، لكنها تفعّل قسم “الإنتربول” الخاص بها والتابع لوزارة الداخلية بحسب الحالة، وتهدف “الإنتربول” إلى تسهيل التعاون الدولي بين أجهزة الشرطة حتى في غياب العلاقات الدبلوماسية بين بلدان محددة.

ويجري التعاون في إطار القوانين القائمة في مختلف البلدان وبروح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ويحظر قانون المنظمة الأساسي أي تحرك أو نشاط ذي “طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري”.

جرائم جنائية.. الملاذ سوريا

يشرح مؤيد، وهو محامٍ يعمل في محاكم دمشق (طلب عدم ذكر اسمه الكامل)، كيف تم إلقاء القبض على المرأة السورية وزوجها اللبناني اللذين ارتكبا جرم قتل خادمة فلبينية كانت تعمل لديهما في الكويت.

ويقول المحامي لعنب بلدي، “بعد أن فر كل من اللبناني نادر عساف وزوجته السورية منى حسون إلى سوريا قادمين من الكويت، خوفًا من تورطهما بتحرير شيكات من دون رصيد، تواريا في سوريا، ولم يتم إلقاء القبض عليهما هناك، لأن الشيك من دون رصيد ليست من الجرائم التي تستدعي تدخل الإنتربول”.

لكن عقب العثور على جثة خادمتهما في ثلاجة المنزل بعد عام ونصف على مغادرتهما، صدر بحقهما قرار غيابي بالإعدام في الكويت، مطلع العام 2018، وتم إلقاء القبض عليهما من قبل الأمن السوري، وترحيل الزوج اللبناني إلى بلده ليحاكم هناك، بينما تحفظت الشرطة السورية على الزوجة.

ويأتي هذا الإجراء ضمن تطبيق بنود اتفاقية منظمة “الإنتربول”، بحسب المحامي مؤيد.

في حين نشر أحد أفراد عائلة الأسد في سوريا، وهو وسيم بديع الأسد قريب رئيس النظام السوري والمعروف بقيادته لميليشيا تمتهن القتال في الحرب السورية، صورًا جمعته في حمص مع أشهر تجار المخدرات في لبنان، وهو نوح زعيتر، عبر صفحته في “فيس بوك”.

ويجاهر زعيتر بارتكابه لجرائم كثيرة من ضمنها تجارة المخدرات وزراعتها، وأنه مطلوب للعدالة، من دون أن يكون لتلك الصور التي نشرها وسيم الأسد أي وقع لدى السلطات السورية.

وبعد الحديث عن خطة أمنية من الجيش اللبناني في بعلبك بهدف حفظ الأمن وسوقها التجاري، هرب عدد من المطلوبين الكبار من المنطقة إلى سوريا، بحسب ما قال رئيس بلدية بعلبك، حسين اللقيس، لصحيفة “الشرق الأوسط”، في 22 من حزيران الماضي.

وقال اللقيس إن المطلوبين فروا إلى المنتجعات السياحية في منطقة طرطوس، مشيرًا إلى أن التنسيق الأمني بين لبنان وسوريا من شأنه أن يؤدي إلى توقيفهم.

وأوضح رئيس البلدية أن عدد المطلوبين الواجب توقيفهم في بعلبك- الهرمل بمذكرات قتل وإطلاق نار وتجارة مخدرات لا يتعدى 100، علمًا أن “المعلومات تشير إلى وجود 37 ألف مذكرة توقيف بحق 1200 مطلوب في المنطقة”.

المزيد من النشاط قد يسهم بالحد من الظاهرة

يلفت المحامي ياسر السيد إلى أهمية دور “الإنتربول” في منع هروب المجرمين وزيادة نشاطها في سوريا، خاصة أن المحاكم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام غير معترف بها من المجتمع الدولي، وبالتالي فالأشخاص المحكومون من محاكم محلية هناك يتمكنون من الإفلات من العقاب، وسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إلقاء القبض عليهم، لأن “الإنتربول” لا تكون في هذه الحالة مسؤولة، إذ لم يصدر الحكم عن محكمة معترف بها، كمحاكم النظام.

وبرأي السيد، فإن هذه القضية الأخطر، إذ هرب الكثير من المجرمين بعد قصف سجن إدلب باتجاه تركيا، وهؤلاء يعيشون في المجتمع الجديد من دون محاسبة، ما يشكل خطرًا على هذا المجتمع.

وتتحرك الدول وأجهزتها الأمنية للتنسيق مع النظام السوري في شأن المطلوبين لديها، لكن هذا التحرك يأتي على مستوى أهمية هؤلاء المطلوبين وحجم تأثيرهم الإقليمي، كما يحدث عند التسريبات عن اجتماعات أمنية بين أجهزة المخابرات السورية والإيطالية مثلًا.

لكن دولًا أخرى تحاول التنسيق مع روسيا، الداعمة للنظام السوري، دون تواصل مباشر معه، أو تتحرك منفردة كما حصل في قضية يوسف نازيك الذي اقتادته المخابرات التركية من وسط اللاذقية السورية إلى أراضيها.

“الإنتربول” اختصار لكلمة الشرطة الدولية والاسم الكامل لها هو منظمة الشرطة الجنائية الدولية، وهي أكبر منظمة شرطة دولية أنشئت في عام 1923 مكونة من قوات الشرطة لـ 190 دولة، ومقرها الرئيسي في مدينة ليون بفرنسا.

وبحسب الموقع الرسمي، تسهّل “الإنتربول” تبادل المساعدة على أوسع نطاق ممكن بين جميع سلطات إنفاذ القوانين الجنائية، وتضمن قدرة أجهزة الشرطة على التواصل في ما بينها بشكل مأمون في العالم أجمع، وتتيح إمكانية الاطلاع على البيانات والمعلومات الشرطية من جميع أنحاء العالم، وتقدم الدعم العملياتي في مجالات إجرام محددة ذات أولوية.

انضمت سوريا إلى اتفاقية الإنتربول في عام 1956، ويوجد تسعة مطلوبين سوريين للقائمة الحمراء في “الإنتربول”، والتي تختص بملاحقة المجرمين وتطالب بتسليمهم أو أي إجراءات قانونية مشابهة.

فيما تبحث عن شخصين في القائمة الصفراء، التي تختص في البحث عن أشخاص مفقودين لم يتمكن ذووهم أو السلطات المحلية من إيجادهم أو الحصول على معلومات تخصهم.

وتوجد تصنيفات أخرى لقوائم الإنتربول، تبحث عن أهداف مختلفة، ولا يوفر موقع “الإنتربول” جميع المعلومات عن المطلوبين لهذه القوائم، لأغراض أمنية.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع