حركة البناء
عقارات عفرين.. ملف شائك بين المالكين والمهجرين
عنب بلدي– محمد حمص
مع غياب الإحصاء العقاري عن منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي، بعد سيطرة فصائل المعارضة المدعومة من تركيا عليها، بدأت ملامح أزمة السكن تطفو على السطح، خاصة مع استيلاء قوى عسكرية على منازل مدنيين بحجج مختلفة، بالوقت الذي بدأت فيه مبادرات لإسكان مهجري ريف دمشق والغوطة الشرقية في منازل جديدة يعمرونها بأيديهم.
أزمة بيوت.. ما الأسباب؟
بعد العمليات العسكرية في عفرين، والتي شنتها قوات المعارضة المدعومة تركيًا، والسيطرة عليها في آذار الماضي، نزح نحو 180 ألفًا من سكان المنطقة، بحسب أرقام الأمم المتحدة، ليحل بدلًا منهم أشخاص قدموا من المناطق المهجرة كريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية ومهجرون آخرون من أرياف دمشق.
وقسمت العقارات، بموجب خروج عدد كبير من الأهالي، إلى ثلاثة أقسام، وفق ما ذكرت مصادر متقاطعة لعنب بلدي، قسم من تلك العقارات تعود ملكيته لأهالي المدينة، والثاني تعود ملكيته لعناصر من “وحدات حماية الشعب” (الكردية) أو مواطنين لهم أبناء كانوا متطوعين لدى “الوحدات” خرجوا من المنطقة بعد سيطرة المعارضة عليها، بينما القسم الثالث أملاك عامة، وتعود ملكيتها للدولة السورية، وقد استملكتها الحكومة فيما سبق.
وبحسب ما قاله مصدر أهلي من عفرين لعنب بلدي (طلب عدم ذكر اسمه)، فإن الاستيلاء على المنازل في المنطقة يمكن تقسيمه إلى قسمين: الأول استيلاء على منازل تعود لعناصر من “الوحدات” والآخر لمواطنين “لهم ارتباط بمقاتلي الوحدات” أو خرجوا من المنطقة بعد دخول “الجيش الحر”.
وأضاف المصدر أن عائلات من عفرين عادت إلى منازلها في الأشهر الماضية ووجدوا مواطنين آخرين يقطنون فيها، مشيرًا إلى أن الشرطة العسكرية التابعة لـ “الجيش الوطني” تعمل على إخراج المهجرين من المنازل التي دخلوها وإعادتها إلى أصحابها بعد ما تصفه بـ “التأكد من التوجه الخاص بالعائلات العائدة في حال كان لها أي ارتباط بالوحدات أو على صلة بهم”، كما تطلب منهم إثباتات تؤكد ملكيتهم للمنزل.
وبالوقت ذاته يُخرج مقاتلون تابعون لفصائل عسكرية في المنطقة وأبرزها “أسود الشرقية” مهجرين من الغوطة من منازل سكنوها، ليسكن ذوو المقاتلين بدلًا عنهم، وإن لم يخرج الساكن من المنزل بالإنذار يخرجونه بالقوة.
محاولة لضبط القضية.. دينيًا
وأصدر “المجلس الإسلامي السوري” فتوى اعتبر فيها أن الأملاك التي تعود لـ “الوحدات” في منطقة عفرين تندرج ضمن الأموال العامة.
وبحسب الفتوى، التي نشرت في آب الماضي، حرم المجلس التعرض لأملاك السكان الآمنين، ورأى أن أملاك “الميليشيات الانفصالية” تدخل في الأموال العامة.
وأكد المجلس أن “الأصل في أملاك وأموال الناس عصمتها، وتحريم التعرض لها بغير سبب شرعي”، وقال إن الأملاك الخاصة الموجودة في المناطق التي خرجت منها “الوحدات” هي ملك أهالي تلك المنطقة، ولا يجوز نزعُها منهم، أو التعرض لها بالمصادرة، أو الاستيلاء.
وبموجب فتوى المجلس الإسلامي، فإن ما كان من أملاك لعوائل أفراد “الوحدات” فهي باقية على ملك تلك العوائل، ولا تجوز مصادرتها أو المساس بها، واعتبر أن خروج مقاتل مع تلك “الميليشيات” من العائلة لا يبيح التعرض لوالديه أو إخوته أو زوجته أو أولاده، كما لا يجوز إخراجهم من بيوتهم، أو مصادرة أراضيهم ومحاصيلهم.
ويكون ما خلفته “الوحدات” من مقرات وعتاد وأملاك، ولم يتبين أنه “مغصوب” من عموم الناس، في المصالح العامة بإشراف الإدارات المحلية.
وبحسب الفتوى، “إذا ثبت بطريق القضاء أن بعض الأراضي استولت عليها الميليشيات وغصبتها من أهلها فإنها ترد إلى أصحابها الشرعيين، فإن لم يُعرف لها صاحب فإنها تحفظ وتكون تحت تصرف الإدارات المحلية”.
كما أوصى المجلس الإدارات المحلية في المناطق “المحررة” بإحصاء وضبط الممتلكات والعقارات في تلك المناطق وتوثيقها، مع التحقيق الفوري في أي تجاوز على ممتلكات السكان الآمنين، وإعادتها لهم.
مشروع لإسكان مهجري الغوطة
وفي ظل المشكلة السكنية التي يتعرض لها مهجرو الغوطة، الذين اختاروا عفرين مقر إقامة لهم، ظهرت مبادرات لإعمار أراضٍ حرشية (مشاع) وإسكانهم فيها وإعادة ساكني الخيم إلى منازل آمنة ومخدمة بشكل أفضل، وبدأت إشاعات تروج بين المواطنين في المنطقة من أهالي الغوطة ببيع أراضٍ صالحة للبناء بمبلغ قدره 100 دولار لكل 400 متر مربع.
لكن مصدرًا إعلاميًا من أهالي الغوطة قال إن المال الذي يدفعه الراغبون بالبناء في المنطقة المعروفة بالباسوطة والمطلة على عفرين، هو مقابل خدمات تجهيز المنطقة من فتح الطرقات وحفر الآبا ر وغيرها، مشيرًا إلى أن المشروع قيد التجهيز ولم تنفذ أي أعمال فيه بعد.
وتواصلت عنب بلدي مع المشرف على المشروع، محمد اللحام، الذي قال إن المشروع قيد الإنجاز ولم يتم الإعلان عن أي من خطواته بعد، ولكن هناك من روج له إعلاميًا.
وأضاف اللحام أن الأرض هي عبارة عن جبل يطل على عفرين وهي أحراش دولة يسيطر عليها فصيل “الجبهة الشامية”، مشيرًا إلى أن التجهيز للمشروع بدأ بفتح طرقات ترابية فيها وتقسيمها إلى مقاسم وحفر بئر ارتوازي للمياه إلى جانب تجهيز خزان كبير فيها.
وتقسم الأراضي في المشروع إلى 400 متر مربع لكل أرض، يسمح إعمار نصفها، وتقسم الأراضي تنظيميًا إلى قسمين، القسم الأول للبناء الطابقي كطابقين لكل بناء، والقسم الثاني سيكون بنظام الفيلات بناء طابقين وحدائق كي لا تصبح المنطقة كمناطق العشوائيات، وفق اللحام.
وعن تسليم الأراضي للراغبين بالسكن فيها، قال اللحام، “لم ندخل بعد بموضوع التسجيل والإعلان، مشيرًا إلى أن الأولوية لمهجري دمشق وريفها. شكلنا لجنة مؤلفة من شباب من الغوطة الشرقية والقائم على المشروع هو الشيخ محمد الخطيب”.
وأضاف أنه تم وضع محافظة دمشق وريفها (التابعة للمعارضة والتي أشرفت على انتقال المهجرين إلى المنطقة ولديها إحصائيات عن توزعهم) بصورة المشروع، ولكن لم تتبن أي جهة إعمار المنطقة ولم يصل المشرفون إلى هيئة داعمة تنفذ المجمعات السكنية وتقسطها للناس، وفق ما ذكر اللحام لعنب بلدي.
وفي تصريحه لعنب بلدي، قال مدير المكتب الشرعي في فصيل “الجبهة الشامية”، الشيخ محمد الخطيب، إن المشروع الآن في طور التطوير ولم يتم توزيع أي أرض ولم يتم تسليم أي مقسم، لا بمقابل ولا بغير مقابل، وما زال الموضوع قيد البحث، مشيرًا إلى أن الموضوع في طرحه على الإعلام يسبب حساسية بالوقت الذي تتحدث فيه وسائل إعلام عن التغيير الديموغرافي.
وأضاف الخطيب، “قولًا واحدًا لا يمكن أن نقبل وأن نشجع أي سيطرة على أي ملكية لأي شخص كائن من كان، فالأراضي يجب أن تعود لأصحابها والمنازل يجب أن تعود لأهلها بغض النظر عن كل الاختلافات وكل التفاصيل والتبعية والانتماء”، مضيفًا أنه ليس من مناصري السيطرة على أراضي مقاتلي “الوحدات”، ويجب أن تتخذ السلطات في المنطقة خطوات “حازمة لأبعد حد”.
وأشار الخطيب إلى أنه في حال كانت هناك مشاريع فستقام على الأراضي التي تشترى من أصحابها الأصليين أو من الأراضي التابعة للقطاع العام أو المجالس المحلية في تلك المناطق، بعد أخذ تراخيص من المجالس المحلية، كما حصل في مشروع مدينة الباب، مؤكدًا أن “هذين الخيارين هما المطروحان حاليًا”.
وقال الخطيب إن “من مسؤولية الجميع الحفاظ على الممتلكات الخاصة، وحتى الوضع الاضطراري الذي دفع أهالي الغوطة للسكن في ممتلكات غيرهم يجب ألا يستمر، ويجب إيجاد بديل وخيارات أخرى لمهجري الغوطة لإعادة مهجري عفرين إلى منازلهم، ويتوجه أهالي الغوطة إلى مشاريع تساعدهم على الاسقرار بالمنطقة”.
واعتبر أن مثل هذه المشاريع هي حل من الحلول لهذه التخوفات التي لا يمكن أن تنتهي إلا بإيجاد حلول بديلة من الأملاك العامة لإسكان المهجرين قسريًا من مناطقهم.
حركة البناء مجمدة والأسعار انخفضت
تجمدت حركة بيع وشراء العقارات في عفرين عما كانت عليه خلال سيطرة “الإدارة الذاتية” عليها، وانخفضت أسعار العقارات إلى حد بلغ 50% عما كانت عليه في السابق، بسبب مرحلة من عدم الاستقرار عاشتها المنطقة.
وقال محمد مصطفى، وهو صاحب مكتب عقاري ومتعهد عقارات، إن أسعار العقارات في عفرين تختلف نسبيًا بحسب المنطقة، إذ كانت أسعار المناطق الفقيرة والبعيدة عن مركز المدينة تتراوح بين 40 و75 ألف ليرة سورية للمتر الواحد المكسي، وكلما أصبحت المنطقة أقرب إلى مركز المدينة ازداد السعر ليصل إلى أكثر من 100 ألف ليرة سورية للمتر الواحد، بحسب تجهيزه وموقعه، وفق مصطفى، الذي أشار إلى أن هذه الأسعار تنطبق على فترة سيطرة “الإدارة” على المنطقة.
لكن سعر المتر الواحد انخفض حتى وصل إلى مستويات قياسية وبلغ 20 ألف ليرة في المناطق المتطرفة.
وفي حديثه عن حركة البناء في المنطقة، قال محمد مصطفى إن أعمال البناء باتت شبه مجمدة بالوقت الحالي، بسبب عدم وجود بلدية لديها آليات واضحة لقوانين ترخيص البناء، مضيفًا أنه في الوقت الحالي تشرف المحكمة المدنية التابعة لـ “الحكومة المؤقتة” على تسجيل عقود البيع والشراء، دون تثبيت رسمي، بعدما كان يوجد كاتب بالعدل تابع لحكومة النظام يعمل على تسهيل أمور وتصديق العقود العقارية بموجب وكالات، ويبقى لتنفيذ مهامه في المنطقة لمدة ثلاثة أيام بمكتب خاص.
وأوضح مصطفى أن “الإدارة الذاتية” كانت تعمل في الإشراف على الترخيص بعد الحصول على الأوراق المصدقة من حكومة النظام، ولكنها (الإدارة) كانت تفرض مبلغًا يعادل 250 ليرة على المتر المربع.
وسهلت “الإدارة” عمليات البناء للحصول على مبالغ مالية عن طريق التراخيص، ما أدى إلى طفرة بناء، وتضاعفت الحركة ثلاثة أضعاف عما كانت عليه سابقًا، لكن سيطرة الفصائل وغياب الاستقرار خلال الأشهر الأخيرة أعاد السوق إلى الجمود.
وفيما يخص الأراضي الزراعية فإنها تباع بالهكتار، ويصل سعر الهكتار من خمسة إلى عشرة ملايين ليرة سورية بحسب موقعه، ويرتفع كلما اقترب من الشارع بسبب تسهيل ترخيصه للبناء والذي أدى بالتالي إلى ارتفاع أسعار الأراضي الزراعية القريبة من الطرق الرئيسية.
الخريطة الديموغرافية الجديدة في عفرين
منذ بدء قوات الأسد بسياسة التهجير القسري من المناطق التي تسيطر عليها، خرج الآلاف من مناطق القصير وأرياف حمص وريف حماة الشمالي والغوطة الشرقية وجنوبي دمشق وبرزة والتل وخان الشيح وضواحيها وداريا والمعضمية والقنيطرة ودرعا باتجاه الشمال السوري، واتجه قسم منهم، لا سيما مهجري الغوطة الشرقية وحمص وريفها، إلى منطقة عفرين بعد أن سيطرت عليها فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، في آذار الماضي.
لم تحدد أي جهة إحصائية أو مدنية عدد النازحين الذين وصلوا إلى عفرين، وحاول فريق “منسقو الاستجابة” في الشمال السوري، إحصاء التوزع السكاني في المنطقة، لكن التطورات الكبيرة التي تحدث في الشمال السوري صعبت من عملية الإحصاء بحسب ما أكده مكتب التواصل الخاص بالفريق لعنب بلدي.
وقال المكتب إن إحصائية يجريها للتوزع السكاني في المنطقة ستصدر قريبًا.
ووفق الإحصائية الأخيرة التي نشرها “منسقو الاستجابة”، في 9 من تموز الماضي، فإن عدد العائلات المقيمة في عفرين، منذ آذار الماضي، بلغ 28461 عائلة، من ضمنها 21352 ألف عائلة من السكان الأصليين موزعين كالتالي: ناحية عفرين 20 ألفًا، ناحية شران 115 عائلة، ناحية راجو317 عائلة، ناحية معبطلي 250 عائلة، ناحية بلبل 20 عائلة، الشيخ حديد 650 عائلة، بينما لا تزال نواحي بفيليون وجنديرس قيد الإحصاء بالنسبة لعدد الأهالي الأصليين.
وبلغ عدد العائلات النازحة من دمشق وريفها 6863 عائلة موزعة على ناحية عفرين 5800 عائلة، وناحية راجو 280، وناحية معبطلي 420، وناحية بلبل 83، وناحية بفيلون 30، وناحية جنديرس 250، وبقيت ناحيتا شران والشيخ حديد قيد الإحصاء بالنسبة لعدد الوافدين إليها من مهجري ريف دمشق.
ووصل عدد المهجرين القاطنين في عفرين من ريف حمص إلى 246 عائلة موزعة على نواحي شران 79 عائلة، راجو 77، معبلطي 30، الشيخ حديد 60، فيما لا تزال كل من نواحي عفرين وبلبل وبفيلون وجنديرس قيد الإحصاء.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :