لم يكن والدا أوبرا وينفري يعلمان حين تركاها لجدتها في مزرعة معزولة، بولاية ميسيسيبي الأمريكية، أن تلك الصغيرة ستصبح ألمع نجوم البرامج الحوارية الأمريكية وستتخطى شهرتها أمريكا إلى العالم.
ولدت أوبرا وينفري في 29 من كانون الثاني 1954 في مدينة كوسيوسكو، بولاية ميسيسيبي، وكانت محطة ترعرعها الأولى مع جدتها بعد أن انفصل والداها فور ولادتها، وتحت إصرار وعزيمة الجدة تعلمت أوبرا القراءة في عمر العامين ونصف.
لم يبدأ تأثير خطابات أوبرا عبر شاشات التلفاز، بل قبل ذلك بكثير، فعند دخولها روضة الأطفال كتبت خطابًا لمعلمتها، قالت فيه إنها يفترض أن تكون في الصف الأول، لتنتقل إثر ذلك إلى الصف الثالث بعد نهاية العام الأول في المدرسة.
أوبرا تلميذة رياض الأطفال التي نجحت في إقناع معلمتها بتخطي المراحل الدراسية متجاوزة الزمن، استطاعت في عقدها السابع أن تأسر قلوب جمهورها حتى طالبوها بالترشح للانتخابات الأمريكية الرئاسية لعام 2020.
ففي بداية هذا العام ضج موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” بمطالبات من مستخدمين أمريكيين لترشيح أوبرا للانتخابات الرئاسية، بعد أن ألقت في حفل توزيع جوائز “جولدن جلوب” كلمة داعمة لمن كشفن حوادث التحرش الجنسي التي تعرضن لها.
أوبرا نفت التكهنات بشأن ترشحها للرئاسة وأكدت عدم اهتمامها بالأمر، ولكن ذلك لم يكن كافيًا لإثناء محبيها عن مطالبهم، إلا أن قناعاتها بأن السياسة “ليست إلا تلاعبًا وهراءً” جعلها تؤكد من جديد في آب الماضي لمجلة “فوج” البريطانية أنها لن ترشح نفسها للرئاسة، قائلة إن الإقدام على خطوة كهذه سيقتلها.
وقالت وينفري للمجلة، “في ذلك الهيكل السياسي، وسط كل هذه الأكاذيب وكل هذا الهراء والقبح والحماقة وكل ما يدور في الغرف الخلفية، أشعر أنه لا يمكنني أن أعيش”، مضيفةً، “لن أستطيع فعل ذلك. هذا ليس عملًا نظيفًا”.
النزاهة، وهو المبدأ الذي سعت أوبرا وينفري إلى التزامه في حياتها، كان سببًا في بدايتها العملية، إذ شاركت سنة 1971 في منافسة للمواهب ضمن محطة “WVOL” الإذاعية المحلية، فحصدت المركز الأول واختارتها المحطة للعمل معها في فترة ما بعد الظهر لقراءة نشرات الأخبار.
وفي سن التاسعة عشرة حققت أوبرا سابقة في تاريخ التلفزيون الأمريكي فكانت أول أمريكية من أصول إفريقية تقدم الأخبار المسائية، بالرغم من أنها كانت لا تزال طالبة.
أما نقلتها النوعية فكانت عند انضمامها لشبكة “ABC” الشهيرة عام 1984، حين بدأت تقدم فيه البرامج الحوارية الصباحية واستطاعت من خلالها أن تكسر النمطية في تناول الموضوعات السائدة، وانطلقت منه إلى موضوعات أوسع نطاقًا وأكثر شمولًا تناقش قضايا الناس عامة.
بعد أن اقتصرت بدايتها مع محطة “ABC” على البرامج المشتركة، استطاعت أوبرا أن تقدم برنامجها الخاص بعد انضمامها بثلاثة أشهر تقريبًا، وبحلول أيلول عام 1985 توسع برنامجها تدريجيًا واستقطب جمهورًا ضخمًا إلى أن صار يحمل اسمها الشخصي.
أطلقت أوبرا العنان لمجالات نجاحها، فشاركت في فيلم “اللون الأرجواني” الذي ارتفعت شعبيتها بعد عرضه بشكل غير عادي، ومن ثم فاز برنامجها “أوبرا وينفري شو” بجائزة إيمي لأفضل برنامج حواري لعدة مرات، وتم تكريم وينفري كأفضل مضيف حواري.
أوبرا التي رفضت الترشح للرئاسة الأمريكية كي لا تكون أسيرة عالم السياسة، استطاعت أن تتحرر من أسر المنتجين في آب 1986 حين أسست شركة إنتاج خاص بها باسم “Harpo, Inc” وذلك بهدف إنتاج ما تراه مناسبًا بعيدًا عن سلطة المنتجين و تتويجًا لسلسلة نجاحاتها، التي بدأت في نادي الدراما وأندية النقاشات ومجلس الطلاب في المدرسة، وفي مسابقة “إلكس كلوب” للخطابة، ولن تنتهي مع التكريمات العديدة.
النجاحات والإنجازات والخطابات الملهمة لم تكن كل شيء في حياتها، وصدق خطاباتها الموجهة لضحايا التحرش ربما كان من وحي ما عايشته في حي غيتو ميلووكي الفقير، ففي سن السادسة انتهت رحلتها مع جدتها، وأرسلت إلى ذلك الحي للانضمام إلى والدتها واثنين من إخوتها غير الأشقاء.
انهماك والدتها في عملها المتواضع لم يوفر لها الفرصة لكي تشرف على تربية ابنتها، ما أدى إلى تعرضها للاعتداء الجنسي مرارًا منذ سن التاسعة، من قبل أفراد مقربين من العائلة.
بدأ دور والدها في سن الثانية عشرة، بعد أن انتشلها من مستنقع ميلووكي وأخذها للعيش معه في ناشفيل بولاية تينيسي.
تقول أوبرا وينفري إن والدها “أنقذها”، فبدأ ينمي فيها بذرة حب القراءة التي زرعتها جدتها، ويقدم لها الكتب، وكان صارم التوجيهات والقواعد ويحرمها من العشاء إذا لم تحفظ خمس كلمات من القاموس كل ليلة.
لم يقتصر أثر والدها في حياتها على بداية مسيرتها الدراسية فحسب، بل استمر حتى بعد 30 عامًا، ففي عام 1996 أطلقت أوبرا وينفري فكرة “نادي الكتاب” بهدف نشر القراءة في كل البلاد، حيث تتم قراءة الكتاب ومناقشته على الهواء، وتنصح أوبرا متابعيها بشرائه.
ويبدو أن سياسة فرض قراءة كتاب وتلخيصه كل أسبوع، التي مارسها معها والدها قد أثرت في ولادة فكرة هذا البرنامج الناجح.
لاقت الفكرة ردود فعل كبيرة واستطاعت أن تحقق مبيعات كبيرة لبعض الكتب، وكان أبرزها رواية “The Deep End of the Ocea” (النهاية العميقة للمحيط)، والتي أنتجت كفيلم في عام 1999.
وبفضل برنامجها أصبحت هذه الرواية من أكثر الكتب مبيعًا في البلاد وطبعت منها مئات الآلاف من النسخ بشكل دوري خلال عامين، لتتحول أوبرا بذلك إلى واحدة من كبار مروجي الكتب في الولايات المتحدة.
أوبرا وينفري، السمراء التي “لا تؤمن بالفشل” كما عنونت سيرة حياتها للكاتبة الأمريكية، روبن واستن، استطاعت أن تنتقل من المزرعة المعزولة في الميسيسيبي إلى قوائم أغنياء العالم، إذ تقدر ثروتها الإجمالية بنحو ثلاثة مليارات دولار، وفقًا لمجلة “فوربس” وبذلك تكون واحدة من أغنى النساء العصاميات في أمريكا، ويذهب جزء من ثروتها كإسهامات سخية تقدمها لصالح المنظمات والمؤسسات الخيرية.
–