عنب بلدي – خاص
في وقت انخرطت فيه دول عدة في محادثات “أستانة” وما تلاها في “سوتشي”، أظهر الموقف الأمريكي ثباتًا حيال العملية السياسية في سوريا، رافضًا ما ورد وما نتج عن المحادثات السابقة، وداعيًا إلى العودة “الشرعية” إلى مخرجات “جنيف” فقط، تحت مظلة الأمم المتحدة لا مظلة الروس والإيرانيين والأتراك.
لكن التصريحات الأمريكية الأخيرة عكست رفض واشنطن الخروج عن دائرة الحل السياسي السوري، والذي بدأ بالابتعاد عن أروقة “جنيف” على حساب “سوتشي”، فظهرت دعوات أمريكية إلى تسريع جهود العملية السياسية، حتى وإن كانت تحت إدارة الروس وعلى طاولتهم.
هل رضخت واشنطن لمخرجات “سوتشي”؟
بعد أقل من شهر على عقده، خرجت واشنطن لتقول إن مؤتمر “الحوار الوطني السوري” الذي ترأسته روسيا في مدينة سوتشي الروسية، في كانون الثاني الماضي، “فشل” في الوصول إلى نتائج تذكر، مع غياب الحضور الأمريكي عن المؤتمر.
إذ قال وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، في مؤتمر صحفي في شباط الماضي، إن الأسلوب الأكثر لباقة لوصف نتيجة مؤتمر سوتشي هي بالقول إنه لم يحقق شيئًا، و”ها هم يعودون والمبعوث الخاص، ستيفان دي ميستورا، والأمم المتحدة إلى جنيف”.
ومع ذلك التزمت واشنطن الصمت حيال اللجنة الدستورية المكلفة بصياغة دستور جديد لسوريا، تلك اللجنة التي تمخضت عن مؤتمر “سوتشي” والمكونة من ممثلين عن النظام السوري والمعارضة، لإصلاح الدستور وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي “2254”.
لكن المماطلة في تشكيل اللجنة، رغم جاهزية قوائم ممثلي النظام والمعارضة، دفع الولايات المتحدة إلى الدعوة لتسريع تنظيم أول اجتماع للجنة صياغة الدستور، بما يضمن البدء بالعملية السياسية الفعلية.
الدعوات الأمريكية جاءت في بيان مشترك لـ “المجموعة المصغرة” حول سوريا، في 27 من أيلول الحالي، والتي تعتبر أمريكا جزءًا منها، بالإضافة إلى فرنسا وبريطانيا وألمانيا والسعودية ومصر والأردن.
وطالب البيان المبعوث الأممي إلى سوريا بتحديد موعد أقصاه 31 من تشرين الأول المقبل لتنظيم اجتماع “يثبت التقدم الذي حققه” في هذا الملف.
ذلك البيان الذي وقع عليه الأمريكيون أظهر رغبة واشنطن في العودة للانخراط في العملية السياسية السورية، التي تسعى روسيا للتفرد بها بما يضمن لها عدم تقديم تنازلات للأمريكيين.
ويراهن كثيرون على أن أي مؤتمرات لا تكون أمريكا حاضرة فيها لن تنجح، كما أن أي قرارات ستتخذ خارج موافقة الأمريكيين لن تكون نافذة، وبالتالي انتهاء الصراع في سوريا مرتبط بتوافق وتفاهم روسي- أمريكي.
شروط الأمريكيين غائبة حاضرة
العودة الأمريكية إلى مضمار الحل السياسي بدت أيضًا حين أعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيم جيفري، أن بلاده مستعدة لفرض “عزلة” على رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في حال عرقل جهود العملية السياسية، وكأن الولايات المتحدة هي من وضع أسس تلك العملية.
وأضاف جيفري في مقابلة له مع وكالة “رويترز”، في 29 من أيلول الحالي، “إذا فعل النظام ذلك، نعتقد أن بوسعنا عندئذ ملاحقته بنفس الطريقة التي لاحقنا بها إيران قبل 2015، بعقوبات دولية مشددة“، في إشارة للعقوبات المفروضة على إيران مؤخرًا.
أما فيما يتعلق بملف إعادة الإعمار، فتشترط الإدارة الأمريكية نجاح التسوية السياسية في سوريا مقابل مشاركتها في إعادة الإعمار، إلى جانب تحذيرها النظام السوري من توسيع دائرة العنف بعد إيقاف الحملة العسكرية على محافظة إدلب قبل أسبوعين.
لكن شروطًا جديدة ترغب واشنطن بفرضها في هذا الملف، ومن بينها خروج إيران من سوريا، إذ قال المندوب الأمريكي للشؤون الإيرانية، برايان هوك، في مؤتمر صحفي عن “حقوق الإنسان في إيران”، الجمعة 28 من الشهر الحالي، “لن نمول إعادة الإعمار في سوريا إلى أن تنسحب إيران منها”.
وتشكل إعادة إعمار سوريا هاجسًا أمام روسيا، حليفة النظام السوري، التي تتخوف من عدم مشاركة الدول الغربية بإعادة إعمار المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، كونها لا تستطيع بمفردها أن تحمل ملف إعادة الإعمار في سوريا.
وفي وقت فرض فيه الروس والإيرانيون والأتراك شروطهم للحل السياسي في سوريا عبر عمليتي “أستانة” و”سوتشي”، يتساءل كثيرون عن غياب الشروط الأمريكية وما إن كانت واشنطن ستخرج خاوية الوفاض، رغم إعلانها استمرار عملياتها العسكرية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا.