في قبضة النظام.. لامركزية قضائية وإدارية في سوريا

  • 2018/09/30
  • 11:37 ص

المكتب القنصلي بالسويداء 21 تموز 2018 (وزارة الخارجية)

عنب بلدي – حلا إبراهيم

شعارات كثيرة أطلقها النظام السوري عن تفعيل اللامركزية الإدارية، بالتزامن مع الانتخابات الأخيرة للإدارة المحلية التي اعتمدت لأول مرة المرسوم رقم 99 لعام 2011، المعدل لقانون الإدارة المحلية.

يعزز المرسوم 99 لعام 2011، بحسب الرواية الرسمية، من دور اللامركزية الإدارية في سوريا، في حين يرى حقوقيون أنه يبقي القرار النهائي بيد السلطة المركزية، وخصوصًا القرار السياسي.

ويتناول الإعلام الرسمي تغييرات في وزارتي العدل والخارجية تتيح البدء بتطبيق اللامركزية، رغم أن الوزارتين هما جزء لا يتجزأ من السلطة المركزية، التي تمسك بيدها زمام القرار، وهذا التطبيق جاء متمثلًا بإحداث محاكم محلية جديدة وإحداث مكاتب قنصلية في عدد من المحافظات.

محكمة إرهاب.. لا عدالة

في نيسان عام 2011، رفع النظام السوري حالة الطوارئ وألغى محكمة أمن الدولة، التي شكلت كابوسًا للكثيرين، لكنه استبدل ذلك عام 2012 بإحداث “محكمة الإرهاب”، التي يصفها حقوقيون بأنها “فرع أمني” جديد.

وبعد أكثر من سبع سنوات على ما شهدته سوريا بمختلف مناطقها، من اعتقالات لمئات الآلاف، بعضهم قتل تحت التعذيب، وبعضهم مختف قسريًا، لا يزال عدد قليل منهم (وهم الأوفر حظًا)، يحاكمون أمام محكمة الإرهاب بتهم مختلفة، القاسم المشترك بينهم هو المشاركة بنشاطات تطالب بالحرية، لكن التهم التي وجهت إليهم هي التحريض على أعمال عنف والتخطيط لهجمات إرهابية.

كانت هذه حال عبد الحميد، المعتقل في سجن السويداء منذ عام 2013، وهو ابن محافظة ريف دمشق، وكان سبب إيداعه هناك هو إلقاء القبض عليه من قبل أحد الحواجز الأمنية الواقعة بين دمشق والسويداء، عندما كان ينقل بسيارته بعض الركاب، إذ كان بينهم أشخاص مطلوبون لأحد الأفرع الأمنية، وتم اعتقاله مع تلك المجموعة.

وفوق معاناته في فترة الاعتقال والتعذيب في عدة أفرع أمنية، إلا أن إيداعه في سجن السويداء جعله بعيدًا عن ذويه الذين اضطروا إلى النزوح لمنطقة بعيدة، كما أن قدومهم لزيارته يعرضهم لخطورة أكبر بسبب مرورهم على حواجز قوات الأسد التي تشبعهم تحقيقات، بسبب قيد نفوسهم الذي يرجع لإحدى المناطق الثائرة في ريف دمشق.

كان السبيل الوحيد لرؤية عبد الحميد لأسرته هو في “محكمة الإرهاب” عندما يتم سَوقه إليها لحضور الجلسة، وعلى الرغم من عدم السماح فيها لأحد بالكلام مع المعتقل، كانت بعض الإشارات من بعيد كافية لأمه لتطمئن عليه.

وحاولت أسرة عبد الحميد نقله إلى سجن دمشق المركزي (عدرا)، لكنها لم تفلح، خاصة أن سجن دمشق يضم موقوفين من محافظات أخرى يضطر ذووهم لقطع مسافات طويلة لزيارتهم.

وبدل أن يتم نقل كل معتقل إلى سجن تابع لمنطقته لتتم محاكمته أمام قضاء المحكمة التي يتبع لها سكنه، سعت حكومة النظام لتطبيق ما أسمته بـ “اللامركزية الإدارية”، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، عن وزير العدل في حكومة النظام، هشام الشعار، الذي أشار إلى دراسة لإحداث محكمة إرهاب ثانية في حلب أو حمص.

وسبق أن أعلن الشعار عن إنشاء محكمة إرهاب ثانية قريبًا، منتصف شهر نيسان الماضي.

وبحسب “سانا”، جاء تصريح الشعار في معرض إجابته عن تساؤلات أعضاء مجلس الشعب، والتي طالب فيها نواب بإحداث “محاكم إرهاب” في بقية المحافظات.

وأضاف أنه “نظرًا لوجود مشقة في نقل الموقوفين من اللاذقية أو حلب أو من المحكمة المركزية في دمشق، فإنني أرى أنه إذا أنشأنا محكمة إرهاب في حمص أو حلب فإن ذلك سيخفف من الأعباء على الداخلية والشرطة”.

ماذا وراء هذا التمدد الإداري؟

عن هذا القرار يقول المحامي ورئيس تجمع المحامين الأحرار، غزوان قرنفل، لعنب بلدي “في الحالتين، سواء كان قرار وزارة العدل بإنشاء محكمة جديدة للإرهاب في حلب أو حمص، فهذا مؤشر على أمرين: أولهما حجم الضغط الذي تتعرض له محكمة الإرهاب في دمشق، والمعروف أن  كل من يعارض النظام يحال إلى هذه المحكمة، والثاني الإمعان في  تعطيل عمل القضاء العادي بقصد البطش بالشعب، باعتبار محكمة الإرهاب محكمة استثنائية، وآلية التقاضي فيها غير عادلة”.

ويعتبر قرنفل أن “النظام يعتقد أنه حسم الموضوع نهائيًا لمصلحته، ويسعى لاستعادة سيطرته على المجتمع عن طريق جميع الأدوات الأمنية واللاقضائية،  وسوف يستخدم جميع الأدوات الأمنية والقانونية لإعادة المجتمع بأسره إلى بيت الطاعة، وذلك عن طريق حركة اعتقالات جديدة، سوف تحال إلى محكمة الإرهاب الجديدة”.

فيما يعتبر دياب سرية، منسق عام “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، وهو معتقل سابق، أن إنشاء محكمة إرهاب ثانية من شأنه أن يخفف الضغط عن محكمة دمشق، خاصة عند وجود موقوفين من محافظات أخرى.

ويقول لعنب بلدي، “تتعلق محكمة الإرهاب بتطبيق قانون مكافحة الإرهاب الذي صدر عام 2012 بعد إلغاء حالة الطوارئ، وهناك آلاف ممن اعتقلوا تمت محاكمتهم أمام محكمة الإرهاب التي أسست على أنقاض محكمة أمن الدولة، وهي على الرغم من وجود قضاة ومحامين فيها، يبقى دور المحامي شكليًا”.

جميع معتقلي سوريا تتم محاكمتهم في دمشق، وهناك أشخاص تتم إحالتهم من المحكمة الميدانية لمحكمة الإرهاب، بعد أن يضطر ذووهم لدفع مبالغ مالية كبيرة للقضاء على سبيل الرشوة، بحسب سرية، الذي يؤكد أن ذلك يشكل ضغطًا كبيرًا على محكمة دمشق، فهناك آلاف الدعاوى لا تزال غير مفصولة هناك، بسبب عدد الموقوفين الكبير.

ولكن بنفس الوقت يرى سرية أن المحكمة الثانية في حال إنشائها لن تحدث أي فرق من حيث تحقيق العدالة، نظرًا لتطبيق الأسلوب ذاته في التقاضي وتغييب العدالة، على حد قوله.

إحصائيات لمعتقلي صيدنايا الذين حوكموا أمام محكمة الإرهاب

بحسب إحصائيات صادرة عن “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” هناك 9% من المعتقلين في سجن صيدنايا تمت محاكمتهم في محكمة الإرهاب منذ تأسيسها عام 2012.

91% من المعتقلين في سجن صيدنايا، تمت محاكمتهم أمام محكمة الميدان العسكري منذ 2012.

ويضيف سرية، أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير لكن هذه الإحصائية المتوفرة الموثقة بالأسماء، بسبب صعوبة الوصول إلى المعلومات داخل سوريا.

تفعيل مكتب قنصلي في السويداء.. كان مفعلًا أصلًا

وفي سياق الإعلان عن خطوات في سبيل “اللامركزية”، فعلت وزارة الخارجية والمغتربين المكتب القنصلي في السويداء، ابتداء من 24 من أيلول الحالي، وذكرت الخارجية أن هذا الإجراء يأتي في إطار تخفيف معاناة المواطنين بالسفر من محافظاتهم إلى دمشق لتصديق وثائق المغتربين.

وأضافت الخارجية أن هذا المكتب امتداد لوزارة الخارجية والمغتربين، ويقدم مجموعة من الخدمات القنصلية، منها تصديق الوثائق المستوفية لشروط التصديق، الصادرة في سوريا، والمعدة للاستعمال في الخارج، أو الوثائق الصادرة من خارج سوريا بغية استخدامها فيها.

بالإضافة إلى استقبال طلبات المواطنين الراغبين بالحصول على سندات إقامة من السفارات السورية في الخارج الخاصة بدفع البدل النقدي للخدمة الإلزامية، على أن يمثل صاحب العلاقة شخصيًا.

إلا أنه بحسب معلومات عنب بلدي، ونقلًا عن مراجعين هناك، فإن المكتب ليس جديدًا، إذ يوجد أصلًا “مكتب النافذة الواحدة” في البلدية، الذي يقدم خدماته في تصديق الوثائق لاستخدامها خارج سوريا من شهادات جامعية، ووثائق زواج، بالإضافة إلى الخدمات الأخرى، منذ عدة أشهر.

الخدمة الوحيدة التي تمت إضافتها هي تصديق الوكالات الخارجية، تمهيدًا لإرسالها إلى دمشق، للحصول على الموافقات الأمنية المطلوبة.

ويأتي هذا التطور في ظل التحضير لمكتب قنصلي في الحسكة وافتتاح مكتب آخر في حماة العام الماضي، وأوضحت مديرة المكتب لـ “سانا” أن هذه الخدمة تأتي في إطار الجهود المبذولة لوزارة الخارجية والمغتربين بهدف تفعيل الخدمات القنصلية في المحافظات وتخفيف الأعباء عن المواطنين.

هذه المحاولات التي يبذلها النظام لتصوير نفسه بأنه يمنح المناطق لامركزية إدارية، يراها كثيرون “قشورًا” يختبئ وراءها نظام مركزي يحكم قبضته على كل مخارج السلطة.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع