خطيب بدلة
قرأتُ في العدد السابق من صحيفة “عنب بلدي” خبرًا عن وجود فكرة لزيادة رواتب الموظفين في سوريا. الخبر ليس مُؤَكَّدًا، ومع ذلك بدأ مسؤولو النظام يقوقئون مثل دجاجة تعاني من بيضة كبيرة مستعصية في مؤخرتها، صائحين: زيادة، رواتب، عطاءات، قيادة حكيمة، رئيس عظيم.. ولو كان أحدُنا قادرًا على الإمساك بأحدهم لفعل به مثلما فعل ذلك الفلاحُ الذي أمسك دجاجته التي صرعت رأسه بالصياح من رقبتها، وراح يضربها على رأسها ويقول لها:
– لأيش كل هذا الصياح يا قحبة! أأنت ستبيضين لي جوهرة؟!
لأول وهلة، وأنا أقرأ الخبر، عضضتُ على شفتي، وأشفقتُ على موظفي بلدي المساكين الذين ستُفْرَضُ عليهم زيادةُ الرواتب! فعلى أيامنا كانت الدوائر الحكومية تتحول، حينما يصدر مرسوم زيادة الرواتب، إلى أماكن للنواح والبكاء واللطم، ليس على الحسين الذي قُتل في كربلاء قبل 1400 سنة، وإنما على ما ستكون عليه أحوالُهم بعد الزيادة.
القصة وما فيها، يا إخوان، أن حافظ الأسد خطر له، في يوم من الأيام، أن يضع الشعب السوري تحت رحمته، فأمر بتخفيض سعر البنزين والمازوت والكاز، بدعم حكومي، فما كان من حواشيه إلا أن قفزوا إلى الشوارع، منادين الناس أن تعالوا وتفرجوا على هذا القائد التاريخي المعطاء الذي جعل سعر الليتر من مازوتكم بثماني ليرات، بينما المساكين الأتراك يشترونه بما يعادل عشرين ليرة، وسعره عند اللبنانيين المناحيس أربعة أضعاف سعر مازوتكم، أسدُنا، يا ناس، يبيعنا البنزين بعشرين ليرة، بينما الملك حسين يبيعه لشعبه بما يعادل المئة! ولكي تكون الاحتفالات على أصولها أحضروا الطبالين والزمارين، وبعض الأطباء المختصين بالجراحة العامة، ووضعوا في منعطف الشارع مستوصفًا ميدانيًا.. ثم عقدوا الدبكات والمهرجانات الخطابية، فكانت مؤخرات المتحمسين تنشق إما من “النَخّ” في أثناء الدبكة، أو من شدة الصياح بحياة القائد، فيُدخلونهم، على الفور، إلى المستوصف، يخيطون أقفيتهم ويعيدونهم إلى مكان الاحتفال.. والشعب المسكين يدبك معهم، لأنه لا يعرف ما هو مخبأ له، وأنى له أن يعرف أن جيشًا عرمرمًا من الضباط والشبيحة وأقارب الرئيس سيتركون زراعتهم وفلاحتهم ويشتغلون بتهريب المحروقات السورية إلى تركيا ولبنان والأردن، ويجمعون ثروات ما عادت تُحْسَبُ بالملايين، بل بالمليارات، لأن المواطن التركي واللبناني والأردني كان يشتري البنزين السوري الذي تدعمه خزينة دولتنا بتراب الفلوس، ويدعو الله أن يديم عليه رؤساءه، ويديم علينا رئيسنا الذي أحدث هذا الخلل الجميل.
كان حافظ الأسد يأتي إلى مجلس الشعب في ذكرى انقلابه المشؤوم، ويخطب، فيصفق له الأعضاء، ويعيشونه، وبعضهم ينفتقون من شدة التعييش، ثم يتجرأ أحدُهم، وسط هذه الهيصة والزنبريطة ويطلب منه زيادة الرواتب للناس، فيستجيب، ويأمر وزير المالية بإجراء الزيادة، وخلال أيام يصدر مرسومٌ يقضي بزيادة الرواتب بما يكبد الخزينة خمسة مليارات دولار، ويرفع سعر البنزين والمازوت ومعهما مئة سلعة استهلاكية أخرى، بما يدر على الخزينة ثلاثين مليار دولار، وتكون المليارات الـ 25 قد طلعت من رقبة الشعب.. ويذهب الشبيحة للدبكة، وأما الموظفون فيغلقون على أنفسهم الأبواب ويبدؤون بالبكاء واللطم!