أمل جديد لتولي محكمة الجنايات الدولية ملف سوريا؟

  • 2018/09/25
  • 3:58 م
منصور العمري

منصور العمري

العدالة للسوريين – 12

سلسلة يكتبها منصور العمري

أعلنت المحكمة الجنائية الدولية قبل نحو أسبوع، في 18 سبتمبر/أيلول 2018، أنها بدأت تحقيقًا أوليًا فيما يتعلق بترحيل ميانمار للروهينيغيا إلى بنغلاديش، وأن ما حدث جريمة ضد الإنسانية. أتى هذا الإعلان الجيد لضحايا هذه الجريمة، علّهم يصلون إلى العدالة، بعد إعلان المحكمة الدولية أن لديها اختصاصًا قضائيًا في هذا الملف في 6 أيلول/سبتمبر 2018. لكن لماذا لم تعلن الأمر ذاته بالنسبة لسوريا؟

أثناء مراسلتي مع محكمة الجنايات الدولية بخصوص ولايتها القضائية بشأن سوريا، وصلني منها:

“يجب الوفاء بعدة شروط لكي تكون للمحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية على جريمة ما. إن حكم المدعي العام يتعلق بأحدهما، وهو نوع الجريمة، ولا يمكن قراءته بشكل منفصل عن الإطار القانوني للمحكمة.

يرجى ملاحظة أن المحكمة الجنائية الدولية تشعر بالقلق إزاء أي بلد يتم الإبلاغ فيه عن ارتكاب جرائم. ومع ذلك، لا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية التدخل إلا وفقًا للقواعد التي تحدد اختصاصاتها. سوريا ليست دولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية. ما لم تقبل سوريا الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تكون لها ولاية قضائية على الوضع ستكون من خلال إحالة من مجلس الأمن مثلها في ليبيا ودارفور”.

هذه الشروط التي انطبقت في حالة ميانمار، هل تتوافر ذاتها في الحالة السورية؟

في 9 نيسان/أبريل 2018، طلب مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية حكمًا لتوضيح ما إذا كانت المحكمة تتمتع بالولاية القضائية للتحقيق في الترحيل المزعوم لأكثر من 725 ألف من نساء ورجال وأطفال الروهينيغيا من ميانمار إلى بنغلاديش منذ 25 أغسطس/آب 2017.

بما أن ميانمار ليست دولة طرفًا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن الانتهاكات الجسيمة التي تحدث داخل حدودها لا تقع عادة ضمن الولاية القضائية الإقليمية للمحكمة، إلا إذا قبلت سلطات ميانمار الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية، أو أحيل الملف إلى مجلس الأمن الدولي.

إلا أن بنغلاديش المجاورة لميانمار دولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية، وتبيّن للمحكمة أنه كان لها ولاية قضائية على جريمة الإبعاد كجريمة ضد الإنسانية، وباعتبارها جزءًا لجريمة اكتمل ارتكابها على أراضي بنغلادش.

كما وجدت المحكمة أيضًا أنه بما أن الروهينيغيا اضطروا بشكل غير قانوني إلى البقاء خارج بلدهم، والعيش في ظروف مروعة في بنغلاديش، تكون للمحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية على الجريمة التي ارتكبت ضد الإنسانية من قبيل الاضطهاد و/أو “الأعمال اللاإنسانية الأخرى”، التي قالت إنها تشكل حرمانًا شديدًا من الحقوق الإنسانية للروهينيغيا.

ذكرت المحكمة الجنائية الدولية في شرح لأسباب قبولها الاختصاص وبدئها التحقيق في جرائم ميانمار:

“تشير التقارير العامة المتسقة والموثوقة التي راجعها الادعاء إلى أنه منذ أغسطس/آب عام 2017، تم ترحيل أكثر من 670 ألفًا من الروهينغيا، والذين يوجدون بشكل قانوني في ميانمار، عن قصد عبر الحدود الدولية إلى بنغلاديش. وصفت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أزمة الروهينغيا بأنها تطهير عرقي، ووفقًا لمبعوث الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في ميانمار، فمن المحتمل أن تحمل “بصمات الإبادة الجماعية“. وقعت الأعمال القسرية المتعلقة بعمليات الترحيل في إقليم دولة ليست طرفًا في نظام روما الأساسي (ميانمار). ومع ذلك، يرى الادعاء أنه يجوز للمحكمة أن تمارس الولاية القضائية، بموجب المادة 12 (2) (أ) من نظام روما الأساسي، لأن أحد العناصر القانونية الأساسية للجريمة -أي عبور حدود دولية- وقع في دولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية”.

إن اعتبرنا أن أحد أسس اختصاص محكمة الجنايات هو نوع الجريمة وهي تطهير عرقي محتمل في حالة ميانمار، وهو ما لا ينطبق على جريمة التهجير في سوريا حسب تعريف “التطهير العرقي” أو “الإبادة الجماعية“.

ولكن في توضيح اختصاص محكمة الجنايات الدولية في موقعها الإلكتروني تقول:

“يجوز للمحكمة ممارسة الولاية القضائية في حالة ارتكبت فيها الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب في 1 تموز/يوليو 2002 أو بعد ذلك”.

أي أن اختصاصها يشمل أيضًا “الجرائم ضد الإنسانية” و “جرائم الحرب”. وهي الجرائم التي ارتكبت في سوريا باعتراف الأمم المتحدة نفسها في أغلب تقاريرها.

أي أن الشرطين اللذين سمحا للمحكمة قبول الاختصاص في جرائم ميانمار، متوافران في الحالة السورية، بشرط أن تتعاون الأردن مع المحكمة الجنائية الدولية، وهي الدولة المجاورة لسوريا والوحيدة الطرف في نظام روما الأساسي.

يبقى العنصر القانوني الأساسي لاكتمال الجريمة الذي ذكرته المحكمة وهو “عبور حدود دولية إلى إقليم في دولة طرف في الاتفاقية”.

ينطبق هذا العنصر في حالة التهجير القسري، والتي تندرج في الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وفي الحالة السورية على المهجرين قسرًا إلى الأردن.

ربما يكون هذا العنصر هو ما يمنع دولًا غير مجاورة لسوريا من التعاون مع المحكمة الدولية بهذا الشأن. ولكن هل يمكن اعتبار استمرار جريمة التهجير القسري بما حملته من معاناة وعدم استقرار واجتياز البحار تحت خطر الموت، عنصرًا أساسيًا في هذه الجريمة، حتى وصول هؤلاء المهجرين إلى بر الأمان في اليونان أو ألمانيا مثلًا؟ هذا ما قد يخضع لجدل قانوني وأخلاقي، لن أخوض فيه الآن.

ولكن هذا يثير مسألة إمكانية تعاون إحدى دول أوروبا التي استقبلت أعدادًا ضخمة من ضحايا هذه الجرائم، مثل ألمانيا والسويد واليونان وغيرها من أطراف المحكمة الجنائية الدولية.

إذن هل ينطبق هذا الحكم على سوريا؟

بالتأكيد نعم.

أولًا، سوريا ليست طرفًا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مثل ميانمار.

ثانيًا، هل تم تهجير أعداد ضخمة من السوريين قسرًا إلى دول مجاورة طرف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؟ نعم

الدولة الوحيدة المجاورة لسوريا وطرف في نظام روما هي الأردن.

هل يمكن لدول غير مجاورة لسوريا التدخل؟

نظريًا نعم، بسبب الأعداد الهائلة للسوريين الذين هُجروا ووصلوا إلى ألمانيا والسويد مثلًا.

هل يمكن لدولة مثل تركيا الانضمام لنظام روما؟ نعم، ولكن الأولوية في قرارها هذا هو حساباتها الداخلية. ولكن يمكن أن تشكل ورقة ضغط كبيرة لتركيا على النظام السوري.


مراجع

المحكمة الجنائية الدولية

منظمة العفو الدولية

لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي