عنب بلدي – الرقة
بعد عام على سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” على الرقة (شمالي سوريا)، تشهد المدينة مشاكل بين الأهالي والإدارة المنتدبة للمنطقة، لكن أبرز ما يؤرق الأهالي في الأسابيع الأخيرة الاستهداف المتكرر للعناصر المقاتلة ضمن “قسد” والموظفين المتعاونين معها في عدة مناطق من المحافظة، ما أوقع عشرات القتلى وشكل قلقًا متزايدًا لهذه الإدارة ونقطة ضعف تحاول تجاوزها.
تعتبر الرقة منطقة مهمة استراتيجيًا بالنسبة للإدارة الذاتية، وتحاول أن تقدمها للعالم كمنطقة آمنة، تمكنت “قسد” من إبعاد تنظيم “الدولة” عنها وتأمين استقرارها، استعدادًا لتنفيذ مشاريع إعادة إعمارها.
وسيطرت القوات على الرقة في أيلول 2017 بدعم من التحالف الدولي، بعد معارك ضد تنظيم “الدولة” الذي كان يعتبر المدينة عاصمة لما يسميه “الخلافة الإسلامية”.
يقول محمد (32 عامًا)، أحد الناشطين الحقوقيين من سكان الرقة، إن “حالة الاستنزاف التي تتعرض لها (قسد) أصبحت مؤلمة ومؤرقة للإدارة وداعميها”.
استمرار هذه الضربات سيؤثر على الصورة التي تقدمها الإدارة للعالم عن الاستقرار في مناطقها، وخاصة داعميها الذين تعرض جنودهم في المنطقة أيضًا للاستهداف رغم محدودية تحركاتهم على الأرض.
وأعلن تنظيم “الدولة”، الذي تحول إلى هجمات خاطفة للتخفيف عن آخر معاقله في دير الزور، عن عملية أمنية ضد رتل لقوات أمريكية ومحلية، في 19 من أيلول الحالي، في غويران جنوبي الحسكة.
وفي وقت غابت الرواية الأمريكية عن الحادثة، قالت وكالة “أعماق” التابعة للتنظيم إن العملية أسفرت عن مقتل 15 عنصرًا وإصابة آخرين بينهم أمريكيون.
ويصف محمد الوضع الأمني في الرقة وغيرها من مناطق “قسد” بـ “الهش”، وهذا سيؤثر حتمًا على علاقاتها الدولية، وما يقدم لها من مساعدات مدنية وعسكرية، بحسب تعبيره.
استنزاف بشري
ويرى بعض السكان الذين تواصلت معهم عنب بلدي أن هذا الاستهداف المتكرر، أدى إلى إضعاف ثقة السكان المحليين بـ “قسد”، ومنهم أحمد (45 عامًا)، وهو أحد سكان ريف الرقة وعضو سابق في أحد المجالس المدنية التابعة لـ “قسد”.
وقال أحمد لعنب بلدي، “الإدارة الكردية لا تقدم شيئًا وبالمقابل فهي تريد التعاون معها”، مشيرًا إلى أن الهوة بين “قسد” ومحيطها العربي آخذة في التوسع ووجود حالة من السخط بين الأهالي ضد “الإدارة الكردية”.
ويصف الشاب تجربته في العمل مع “قسد” بأنها “صورية وغير ناجحة”، مضيفًا أن “الكثير من العرب الذين كانوا يعملون مع قسد إما استقالوا من وظائفهم أو تسربوا منها، ومن بقي منهم بقي لأجل الراتب فقط”.
ومن أهم أسباب التسرب من الوظائف هو الخوف من أن يصبح الموظفون عرضة للاستهداف، وأيضًا لشعورهم بالتهميش وفقدان القرار المستقل.
غياب الحقوق
يخشى الكثير من الأهالي والناشطين من تزايد الأعمال العدائية ضد “قسد” والمتعاملين معها، وما سيتبع ذلك من رد فعل من “قسد”، تجاه المناطق التي تسيطر عليها وسكانها، كما يقول عمر الحسين (34 عامًا)، من ريف الرقة.
ويتابع الشاب، “كثيرون غاضبون من تصرفات قسد، وخاصة من زيادة حملات التفتيش في الشوارع، ومداهمة المنازل وهو أمر مرفوض عرفًا في المنطقة، ويزيد من نقمة المجتمع المحلي”.
وكانت قوى الأمن الداخلي في الرقة فرضت حظرًا للتجول، في 7 من أيلول، ومنعت من خلاله خروج السكان من منازلهم عدا ساعتين بين العاشرة صباحًا والثانية عشرة ظهرًا، مبررة ذلك بسلامة المدنيين حتى انتهاء “العمليات الأمنية” لملاحقة خلايا التنظيم، بحسب بيان رسمي نشرته عبر معرفاتها في مواقع التواصل.
ويضيف عمر الحسين، “الحل الأمني غير مجدٍ، وأهالي هذه المنطقة لديهم مطالب، وعندهم احتجاجات وصوتهم يجب أن يكون مسموعًا، ويجب أن يكون لهم دور حقيقي في القيادة والحكم وإعادة الإعمار، وإلا لن تشهد المنطقة أي هدوء أو استقرار “.
سيادة القانون
يبرر عناصر “قسد” تصرفاتهم والإجراءات التي يفرضونها بالضرورة الأمنية كما يقول حسن إيبو (22 عامًا) وهو أحد عناصر “قسد”، وأضاف لعنب بلدي أن “المنطقة بحاجة إلى فرض القانون بعد مرور سنوات من الفوضى وانتشار السلاح”.
“استعادة الاستقرار وإيقاف الشغب وتطبيق القانون يحتاج إلى الحزم وعدم التهاون”، بحسب تعبير المقاتل، الذي رفض الادعاءات بأن هناك قمعًا للأهالي، مؤكدًا “لا بد من إيقاف التصرفات والاحتجاجات التي تدعو للتخريب وبجميع الطرق الممكنة”.
ويرجع أسباب الاعتقالات في الرقة إلى نوعين: الأول جنائي وقانوني، وهم مرتكبو المخالفات والجرائم، والثاني عسكري لسَوق المتخلفين عن التجنيد الإجباري، نافيًا وجود أي تعسف أو ظلم، ومشيرًا إلى وجود هيئات قضائية يمكن اللجوء إليها ورفع الدعاوى.
وفيما يستمر الشد والجذب بين أنصار القوات الكردية ومعارضيها، يعيش الرقيّون على وقع التفجيرات المتكررة وغياب الاستقرار، كما عبر عن ذلك الناشط الحقوقي محمد بقوله، “يبدو أن قدرنا هو الخوف والقلق المستمر، سابقًا بسبب القصف، وقبله من المعارك والفوضى، واليوم الخوف من التفجيرات (…) الخروج إلى الشوارع مغامرة يحفها القلق عند مرور كل سيارة أو دراجة نارية بجوارك”.