عنب بلدي – مراد عبد الجليل
تصدرت أنباء زيادة الرواتب في سوريا حديث مسؤولي حكومة النظام، خلال ظهورهم الإعلامي في الأسبوعين الماضيين، وسط تضارب في تصريحاتهم بين إمكانية الزيادة وحتمية قدومها لتحسين معيشة المواطنين تارة، وبين النفي تارة أخرى بحجة أن العمل على زيادة الإنتاج وتخفيض الأسعار وإبقاء الرواتب على حالها أفضل.
واعتبر معاون وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، في حديث إلى عنب بلدي، أن هذا التضارب رسالة سياسية واضحة بأنه لا قرار في سوريا إلا لرئيس النظام، بشار الأسد.
الحكومة زادت قيمة الرواتب منذ 2011 أربع مرات، كان آخرها في أيلول 2015 عندما أصدر رئيس النظام، بشار الأسد، مرسومًا بإضافة مبلغ قدره 2500 ليرة إلى راتب الموظف.
ويقدر متوسط راتب الموظف حاليًا بقرابة 35 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 78 دولارًا (سعر الصرف 460 ليرة)، بحسب مؤشر “Numbeo”العالمي.
الأسد هو الآمر الناهي في قضية الزيادة
الحديث عن زيادة الرواتب بدأ أواخر العام الماضي، عندما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة زيادة الرواتب لمجاراة ارتفاع الأسعار وانتشار إشاعات بقرب إقرارها، قبل أن ينفي كل من وزير المالية، مأمون حمدان، ووزير التجارة، عبد الله الغربي، ذلك، خوفًا مما قالا إنه يسهم بـ ”زيادة التضخم”، في حين ربط وزير الاقتصاد، سامر الخليل، زيادة الرواتب بزيادة موارد الحكومة.
وعادت سلسلة التصريحات والوعود من قبل المسؤولين في أيار العام الماضي، إذ قال رئيس الحكومة، عماد خميس، إن العمل جار من أجل الوصول إلى زيادة رواتب فعلية للمواطنين السوريين، وألا تكون هناك زيادة في الأسعار، سواء الكهرباء أو المحروقات أو غيرها من المواد، واعدًا بأن الزيادة لن تكون بعيدة.
وعود خميس لم تطبق بذريعة حجج كثيرة، منها ضرورة زيادة موارد الدولة، قبل أن يطلق وعودًا جديدة خلال زيارته إلى محافظة درعا، في 30 من آب الماضي، إذ قال إن “زيادة الرواتب ليست ببعيدة وإن الأيام ستكشف شيئًا مفاجئًا حول هذا الموضوع”.
وقابلت التصريح حالة من الترقب للمواطنين، لكن خميس تراجع عن وعوده إذ نقلت وسائل إعلام محلية عنه، في 13 من أيلول، قوله، “الجميع يتحدث عن زيادة الرواتب، وخطتنا بدل زيادة الرواتب تأمين زيادة في فرص العمل”.
في حين أكد خلال زيارته إلى حي “المزة 86”، في 16 من أيلول الحالي، أن “زيادة الرواتب ستأتي في حينها”، مطالبًا المواطنين بالـ “التحمل والصبر”، ومعتبرًا أن المواطنين صبروا سبع سنوات، فلا ضير أن يصبروا بعض الوقت، بحسب تسجيل مصور نشرته صفحة مجلس الوزراء.
هذا التناقض لاقى غضبًا من قبل مواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرين أن المسؤولين غير قادرين على اتخاذ قرار، وسط ترقب وتخوف من أن يرافق الزيادة، في حال أقرت، ارتفاع في الأسعار.
معاون وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، اعتبر أن تناقض التصريحات رسالة سياسية بأن “الآمر الناهي في سوريا هو الحاكم (بشار الأسد) ولا أحد له كلمة أو قرار إلا هو، وأن البقية لو تكلموا فتصريحاتهم غير مفيدة”، مشيرًا إلى أن تصريحات المسؤولين تعتمد على وجهة نظر أو تحليل لكن في الواقع يصدر القرار من الرئيس وسينفذ دون اعتراض.
في حين اعتبر المحلل الاقتصادي يونس الكريم أن الحديث عن زيادة الرواتب هو من أجل امتصاص الصدمة من المواطنين وإدخالهم في التحليلات الاقتصادية، كما اعتبر أن الحديث عن الزيادة يعتبر بمثابة مقدمة لرفع الدعم الحكومي عن السلع والخدمات الأساسية للمواطنين، لأن كل زيادة يرافقها رفع الدعم عن سلعة أساسية، لسببين: أولها التخلص من المسؤوليات التي أنهكت عاتق الدولة وعدم امتلاكها احتياطيًا للدعم، بينما يعتبر رفع الدعم عن السلع وتحريرها جزءًا أساسيًا من قوانين الاستثمار والحصول على منح دولية.
وفي تصريح يؤكد توقعات الكريم، قال وزير المالية في حكومة النظام، مأمون حمدان، لصحيفة “الأيام” المحلية، الأسبوع الماضي، إن هناك قدرة لدى الدولة على رفع الرواتب بنسبة 200% لكن بشرط رفع الدعم الحكومي.
وأوضح الوزير، “الدولة قادرة على رفع الرواتب، ولكن هناك دعم اجتماعي يقدم ليس فقط للموظفين وإنما يدعم كل المواطنين، وهذا الدعم يكفي لزيادة الرواتب 200% وليس 100% على الأقل، والحكومة قادرة على ذلك إذا توقف الدعم الاجتماعي، ونقصد بالدعم الخبز والكهرباء والمشتقات النفطية فقط”.
زيادة الرواتب عبر التمويل بالعجز
ترقب المواطنين لما سيؤول إليه الأمر في النهاية من حيث الزيادة أو عدمها، رافقته تساؤلات تتعلق بقدرة حكومة النظام على زيادة الرواتب بعد سنوات الحرب ونفاد الاحتياطي الأجنبي وتراجع في قيمة الليرة السورية.
الكريم اعتبر أن حكومة النظام لا تملك الاحتياطي والنقد الأجنبي، مشيرًا إلى أن ما تمتلكه 700 مليون دولار لا تغطي احتياجات دورة إنتاجية سوى لفترة ثلاثة أشهر فقط، إضافة إلى أنها لا تمتلك الأموال المطبوعة إذ إن لديها مشكلة في طباعة فئة الألفي ليرة وفئة الخمسة آلاف ليرة (التي أكد المركزي، في أيار الماضي، أنها تتطلب زمنًا طويلًا للتصميم والتعاقد)، وبالتالي أي زيادة قادمة ستكون تحت مسمى “التمويل بالعجز”.
وكان رصيد المركزي السوري من العملات الأجنبية تراجع ليصل إلى 700 مليون دولار، مقابل 20 مليار قبل الأزمة، بحسب بيانات نشرها البنك الدولي في نيسان 2016.
يعرّف التمويل بالعجز باستدانة الحكومة من الجهاز المصرفي (البنك المركزي) لسد العجز الذي يحدث في ميزانية الدولة، وله آثار سلبية أهمها مشكلة التضخم، وتعني زيادة في النقود يقابله نقصان في السلع.
ويكون التمويل بالعجز عند زيادة نفقات الدولة عن إيراداتها، وينتج عنه عجز يغطى بالإصدار النقدي الجديد الذي يؤدي إلى التضخم، أي ارتفاع في الأسعار. |
في حين اعتبر المصري أن زيادة الرواتب في سوريا يمكن تغطيتها بالتمويل بالعجز، وهو طباعة أوراق نقدية جديدة دون توفر أي رصيد أو إنتاج مقابل هذه العملة، مشيرًا إلى أن موازنة سوريا كما أعلنها مجلس الوزراء السوري لعام 2018، فيها عجز بقيمة 799 مليار ليرة، وأنه منذ عام 2011 وحتى الآن يوجد عجز متراكم بنحو ثلاثة تريليونات و500 مليار ليرة.
إن رفعت الرواتب.. ما المقابل؟
آثار سلبية تنتظر المواطنين في حال زيادة الرواتب، فبحسب المصري، لن ينعكس ذلك على الموظف بشكل كبير وإنما سيزيد عرض الأوراق المالية والنقد في السوق، وبالتالي سيؤدي إلى تراجع في قيمة الليرة السورية وارتفاع في أسعار المواد الأساسية، كما سيؤدي إلى زيادة في التضخم الذي وصل إلى حدود 600%.
في حين اعتبر الكريم أن أي زيادة ستؤدي إلى رفع الدعم عن السلع والمواد الأساسية مثل المازوت والخبز والكهرباء، كما ستؤدي إلى ارتفاع التضخم، لأن وجود كتلة نقدية إضافية يتطلب وجود سلع إضافية غير الموجودة حاليًا ما سيؤدي إلى “تضخم متوحش”، بحسب وصفه، الأمر الذي سيلتهم الراتب بأكمله، مشيرًا إلى أنه يجب على المواطنين عدم المطالبة بزيادة الرواتب وإنما بإعادة الدعم للسلع الأساسية.