عنب بلدي – برهان عثمان
“فجأة ودون سابق إنذار وجدت نفسي وحيدًا في بلد غريب”، يقول أحمد، شاب من اليمن (27 عامًا) بعد ترحيله من مدينة اسطنبول التركية إلى سوريا، في أثناء محاولته السفر إلى اليونان عبر ولاية أدرنة الحدودية.
أوقفت الجندرما (حرس الحدود) التركية أحمد بعد إعادته من قبل الشرطة اليونانية إلى الأراضي التركية، ليتم تحويله إلى مركز الأجانب في أنطاكيا قبل ترحيله إلى سوريا.
السلطات التركية رحلت أعدادًا غير معروفة من الشباب السوريين والعرب نحو الأراضي السورية رغم الحالة الأمنية غير المستقرة فيها، بعد ارتكابهم مخالفات متعددة، فمنهم من كان يحاول عبور الحدود التركية إلى أوروبا بشكل غير شرعي سواء عبر البر أو البحر، أو لمخالفات قانونية متعددة كتزوير الأوراق الثبوتية وغيرها.
بالرغم من أن الترحيل لم يطل جميع المحتجزين، إلا أن طريقة الاختيار عشوائية، وتقتصر على عدد من الموقوفين يجبرون على توقيع وثائق الترحيل، في حين أن الأوراق التي يوقعون عليها تنص على رغبتهم بالعودة الطوعية إلى بلدهم الأم، الأمر الذي اعتبره أحمد غير قانوني وأن “هذا التوقيع باطل لأنه مشوب بعلة الإكراه”.
أحمد تحدث لعنب بلدي عن طريقة الترحيل، “يوميًا يساق عشرات الشباب من جنسيات مختلفة بسيارات أمنية وحافلات كبيرة في ساعة متأخرة من الليل نحو الحدود السورية مكبلي الأيدي كأنهم مجرمون، وكل ذنبهم بحثهم عن الأمان، إذ يلقى بهم على الجانب السوري مع سيل من التوبيخ والشتائم من قبل العسكر والأمن التركي”.
وبعد تقرير لمنظمة “هيومين رايتس ووتش” عن “ترحيل جماعي” للسوريين إلى سوريا، في آذار 2018، ردت المديرية العامة لإدارة الهجرة في وزارة الداخلية التركية على التقرير في بيان مطول، قالت في جزء منه إنه “مع الحفاظ على أمن الحدود ضد المنظمات الإرهابية، تواصل تركيا قبول السوريين المحتاجين القادمين إلى الحدود، ولا تطلق النار أو تستخدم العنف ضدهم”.
ويوجد في تركيا نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون سوري، حتى حزيران 2018، بحسب إحصائية للمديرية العامة لإدارة الهجرة.
تهمة الترحيل: سوري
وأضاف الشاب اليمني، الذي رحل إلى سوريا منذ شهرين، أنه وصل إلى البوابة السورية في الساعة الثالثة صباحًا مع أكثر من 45 شخصًا من جنسيات مختلفة منها العراقية والمصرية والفلسطينية والمغربية إضافة إلى سوريين، في حين تم نقل الأفغان والآسيويين والإيرانيين والباكستانيين إلى مخيمات منها مخيم العثمانية، الذي خصص للسوريين حين إنشائه، الأمر الذي اعتبره إجحافًا بحق الشباب العرب والسوريين، قائلًا “نحن مستعدون لقضاء أي عقوبة كانت داخل الأراضي التركية، ولو ترتب على ذلك الحبس لفترة مقابل عدم زجنا في مناطق غير آمنة (إدلب)”.
أغلب الشباب العرب الذين رحلوا إلى سوريا أجابوا عند تحقيق الشرطة التركية بجنسيتهم بأنهم سوريون، لسبيين: الأول خوفًا من السجن والترحيل إلى بلدانهم، والثاني كون السوريون الذين كانت الشرطة تلقي القبض عليهم سابقًا في أثناء محاولتهم العبور إلى اليونان لم يرحلوا إلى داخل سوريا، وإنما كانوا يسجنون لعدة أيام ثم يفرج عنهم.
من جهته أكد أبو محمد، مسن عراقي (65 عامًا)، أنه حاول أن يؤكد لهم بأنه عراقي بعد إقرار ترحيله لكن دون فائدة، قائلًا، “لقد صرخت بهم أنا عراقي، لكنهم كانوا يسخرون مني ولم يستجيبوا لي ويرحموا ضعف حالي”، مشيرًا إلى أنه يعيش وحيدًا في إحدى مدن ريف إدلب ويعاني من ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكري.
وعملت الحكومة التركية في الأشهر الأخيرة على ترحيل السوريين الذين يلقى القبض عليهم بتهم محددة، خاصة مع المخالفات والاحتقان في بعض المناطق بين سوريين وأتراك، وبحسب الشاب أحمد فإن “أغلب العرب الموجودين في تركيا جاهلون في القوانين الجديدة، ولذا فهم يتفاجؤون بها حين تطبق عليهم”.
الشاب السوري أيمن (32 عامًا)، طالب جامعي في تركيا وحاصل على وثائق رسمية (كيملك)، ألقت الجندرما التركية القبض عليه في أثناء محاولته العبور إلى اليونان ورحلته إلى سوريا، يقول لعنب بلدي، “لقد عشت وعملت في تركيا لمده أربع سنوات، لكنهم أجبروني على الرحيل ومزقوا وثائقي أمام عيني”، معتبرًا أن جرمه لا يستحق الترحيل، مطالبًا الحكومة التركية أن تكمل “معروفها” مع السوريين لا أن تلقي بهم إلى الموت والمصير المجهول.
صعوبات يلاقيها المرحلون
صعوبات متعددة يلاقيها الشباب العرب داخل سوريا، من أهمها التحدي النفسي في التأقلم مع الأجواء الجديدة، كما يقول الشباب اليمني علي (21 عامًا) الذي ألقي القبض عليه في إزمير التركية، وتم رحيله مع أكثر من 30 شابًا إلى إدلب.
وتحدث علي لعنب بلدي عن المشكلات التي يتعرض لها، ومنها المشكلة المالية، “لقد تعرضنا للنصب ولسرقة أموالنا عدة مرات، ولم نستطع فعل شيء، فنحن غرباء في مكان متفلت من الضوابط والقواعد والقوانين، ولا توجد فيه سلطه حقيقية قادرة على حمايه الناس والحفاظ على حقوقهم”.
وتعاني إدلب حاليًا من فوضى سببها انتشار فصائل عسكرية وتراجع الإدارة المدنية أمام نفوذها، كما عانت على مدار السنوات الخمس الماضية من قصف ومعارك لا تهدأ.
ومن الصعوبات التي يجدها الشباب العرب التهم الموجهة لهم كانتمائهم العسكري، وهذا ما أشار إليه علي، إذ كان مثار شك أينما ذهب، فضلًا عن سماعه لسيل من التهم المختلفة عن انتمائه خاصة لتنظيمات “متطرفة”، وسبب وجوده في هذا الوقت في سوريا.
كان ذلك يضطر علي إلى إعادة قصته في كل مرة، ليقرر في النهاية اعتزال الناس والتزام المكان الذي يقيم فيه، قائلًا إنه “رغم بساطة الناس هنا (إدلب) ومساعدتهم بعد معرفتهم سبب وجودنا، إلا أننا نعاني من صعوبات في التواصل معهم نتيجة لون البشرة، واختلاف اللهجة والوضع الحالي وما يفرضه ذلك من شكوك حول الغرباء”.
وتعمل الفصائل العسكرية في المنطقة على محاربة خلايا لتنظيم “الدولة”، الذي انضوى تحت رايته شباب عرب وأجانب، ووجدوا في إدلب ملاذًا لهم بعد انحسار مناطق نفوذ التنظيم.
وأشار علي إلى أن بعض الشباب السوريين والعرب تعرضوا للاعتقال بعد دخولهم إلى سوريا لأسباب مختلفة، منها انتماؤهم لمناطق معينه في سوريا، أو لطوائف أخرى أو بسبب لباسهم وطريقه معيشتهم، مؤكدًا أن رفاقه الستة ألقي القبض عليهم منذ أكثر من شهرين ولا يزال مصيرهم مجهولًا حتى اليوم.
واعتبر أنه “ليس من العدل إلقاء أشخاص أيًا كانت جنسيتهم في منطقه نزاع، تحتوي على قدر كبير من المخاطر”، لافتًا إلى أنه شاهد العديد من الحوادث لإطلاق النار وانفجار العبوات وغيرها من الأشياء التي لم يظن يومًا في حياته أن يراها.
مناشدات للعودة
ويتساءل عدد من الشباب العرب حول الطرق القانونية التي يعودون بها إلى تركيا وسط محاولتهم البحث والاتصال بمن يساعدهم، لكن هذه التساؤلات بقيت دون إجابة حتى الآن، فإن عادوا بطرق غير قانونية (تهريب) ستكون إقامتهم على الأراضي التركية غير شرعية.
وفيما يبحث هؤلاء الشباب عن سبيل لعودتهم يوجهون النداء لأي جهة قانونية أو حقوقية تستطيع مساعدتهم، كما يقول أيمن “نتمنى من الحكومة التركية أن تنظر إلينا بعين العطف”، راجيًا أن يكون هناك أمل لتصحيح أوضاعهم القانونية من جديد.