إدلب.. رايات الثورة
إبراهيم العلوش
ما إن اختفى متطرفو “أخوة المنهج” تحت ضغط الحصار، حتى ارتفعت رايات الثورة في إدلب، فالنظام والتنظيمات المتشددة يحاربون ثورة السوريين بكل ما أوتوا من قوة، والحرية ليست من خيارات وجودهم وليست من المفاهيم التي تندرج ضمن قدرات فهمهم.
عادت رايات الثورة الخضراء لتزين ليل السوريين الذين شارفوا على اليأس، فالتنظيمات المتطرفة تستغل قدراتها الانتحارية لقمع السوريين، ولتكفيرهم، وتستعمل نفس طرق التعذيب والخطف والاغتيال التي ينتهجها النظام، فهم من خريجي هذه الأجهزة الأمنية، أو من ضحاياها، الذين يحولون خبراتهم في التعذيب الذي خضعوا له في سجون النظام، إلى ممارسة التعذيب ضد الناس، واستغلال ضعفهم للتنازل لهم بالسيادة باسم الدين، وهم يؤولونه كما تشتهي نزواتهم وعقدهم.
فيوم الجمعة 14 من أيلول، كان يومًا مشهودًا في حياة الثورة السورية، إذ رفع الناس راياتهم من جديد، وصاحوا بأعلى أصواتهم، بأن لا خلاص لسوريا إلا بإسقاط نظام الاستبداد، ولا حل إلا بالحرية، وليس في التطرف والإرهاب الديني. وقد تم تسجيل أكثر من مئتي موقع للتظاهر وارتفعت رايات الحرية في إدلب وريفها، وقد رفدت جمعة 21 من أيلول العدد وهي تبتهج بالحرية وتصر على هدف اسقاط النظام.
بدا ليل السوريين طويلًا وهم لا يجدون أمامهم إلا خفافيش الظلام، وشرعيي الإرهاب من جهة، ومن الجهة الأخرى، يحاصرهم النظام بقواته، وبالميليشيات الطائفية، وقوات الاحتلال. أما ضباط المخابرات فينتظرون استسلام المناطق والقرى، وهم يحملون عدتهم المتمثلة بالكبل الرباعي وخراطيم الصحية الملونة، والكراسي الألمانية، وما تيسر من أدوات التعذيب الأخرى التي استلهمها أيضًا المتطرفون الدينيون في مسيرتهم النورانية السوداء. وقد استسلمت كثير من المناطق السورية نتيجة اليأس، ووقعت اتفاقات مصالحة وقبلت التطمينات الروسية والتي تمت خيانتها من قبل النظام، ومن قبل الروس قبل أن يجف حبرها.
لكن ظهور الرايات الخضراء من جديد أشعل بارقة أمل في نفوس السوريين ووجدوه إشارة متجددة للثورة، ولتضحيات أهلها الذين دفعوا نصف مليون شهيد، ومليون جريح، ومئات ألوف المعتقلين والمختفين، ناهيك عن الخراب والدمار، وتعطل الحياة الاقتصادية والإنسانية بشكل مريع.
هذه البارقة كانت إشارة حاسمة للدول التي تتحكم بالملف السوري وتتجاهل السوريين، وتتجاهل تضحياتهم وآمالهم بالحرية، وتحاول تثبيت نظام الاستبداد بحجة وجود الإرهابيين، إشارة بأن السوريين باقون على حلمهم بالحرية وكنس نظام الاستبداد، وبأنهم هم وحدهم القادرون على كنس خفافيش الإرهاب من ديارهم، وبأن كل خطابات إيران وروسيا عن انتصار إرهاب النظام وأجهزته الوحشية كلام لا سند له في قلوب السوريين، ولن يكون له وجود في مستقبل سوريا، مهما جلبوا من الميليشيات، ومن الطائرات، ومهما وقعوا من الاتفاقيات التي يمتلكون بها البلد، ويعيدون هندسته طائفيًا، فالسوريون لا يزالون موجودين، وقائمين على حلمهم، ولن يتخلوا عن بلادهم، ولا عن ثورتهم كما تخلى النظام عن سوريا، وعن أهل سوريا في اتفاقاته مع المحتلين الروس والإيرانيين!
استعاد السوريون أجواء اندلاع الثورة في آذار 2011، تلك التي اندلعت رغم وحشية النظام، وعلا صوتها رغم الصمت والخوف الذي كان يهيمن على جمهورية الخوف الأسدية، ومظاهرات اليوم يعلو صوتها رغم تهديدات بعض التنظيمات المتطرفة، التي اعتقلت بعض الناشطين الذين كانوا ينظمون مظاهرات جمعة 14 من أيلول، ورغم أن البعض حاول رفع شعاراتهم، إلا أنه فشل في حجب شعارات وأعلام الثورة، ولم يتمكن من تلوينها بالسواد، لقد تناول المتظاهرون في شعاراتهم كتابة الدستور من قبل الدول الأخرى وتجاهُل الشعب السوري، وتناولوا أولوية إسقاط النظام، وطالبوا بالمعتقلين، ونددوا بمحاولات تجيير ثورة السوريين لهذه الأيديولوجيا أو تلك، فهي ثورة شعب يطالب بحقوقه، وبحريته، كما ردد أكثر من ناشط في إدلب، وقد تم طرد حاملي شعارات التطرف في كفرنبل وفي غيرها، رغم أنهم يعلمون الخطر المسلط عليهم، وعلى عائلاتهم من قبل التنظيمات الخفاشية، التي تؤجج الخوف وتزيد الدعم للنظام قصدًا أو من غير قصد.
ثورة السوريين جوهرة متجددة البريق، وها هي إدلب ترمي عنها الخوف واليأس، وترفع الرايات الخضراء، وتبشر السوريين بعودة الأمل الذي بدا بعيدًا وغمره السواد ولكن إلى حين… إنها تجلٍّ لدماء شهدائنا ولصرخات معتقلينا… إنها ثورة الحرية التي ستغير المنطقة العربية الراكدة منذ ألف عام!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :