محمد رشدي شربجي
لأشهر بدت الحرب على الأبواب، ثلاثة ملايين إنسان نصفهم من المهجرين كانوا عدة مرات أمام المجزرة الكبرى، الأسد يحشد قواته على حدود المحافظة، الأمم المتحدة تحذر كل يوم من حمام دماء، دون أن تنسى أن تطالب بضمان خروج (تهجير) آمن للمدنيين الذين تترصدهم طائرات الروس ومصاصو دماء محور المقاومة المتعطشون.
الولايات المتحدة تحذر الأسد من استخدام الكيماوي، و”سيل” عارم من تسريبات صحفية هنا وهناك عن خطط أمريكية للتخلص من الأسد، أو معاقبته، نضطر لتصديقها كل مرة مع علمنا بكذبها.
كل شيء بدا كما كل مرة، كما حلب وداريا والغوطة الشرقية وحوران، وزيادة في القهر شماتة من النظام الرسمي العربي بالأتراك لفشلهم في انتزاع اتفاق في قمة طهران السابقة، دون أدنى إحساس أن هذا يعني تلقائيًا مذابح سترتكب بعرب أمثالهم، ولكن لا يهم، الأهم هوس مريض بعداء الإخوان وطموح متدن سخيف لإرضاء ترامب.
دولة وحيدة فقط وقفت بما تستطيع لمنع كل هذا، وأرسلت جنودها وقواتها لانتزاع اتفاق من بوتين في سوتشي قبل أيام، قد يقال الكثير في سياسة تركيا خلال سنوات الثورة، وقناعتي أن حصيلتها سلبية سواء على مآل الثورة أو على تركيا نفسها.
وهذا ما لا يمكن إنكاره، فقد دعمت عسكريًا حركة أحرار الشام التي أثبتت فشلها في كل مكان، كما أن ترددها الطويل في التدخل في سوريا وفشلها في إدارة الملف بشكل عام أدى إلى سقوط كامل حدودها بيد حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة، وهو ما عرضها لابتزاز الدول الكبرى وأجبرها على تقديم تنازلات حادة في الملف السوري وملفات أخرى.
ولكن بالرغم من ذلك فإنه لا يمكن مقارنة الدور التركي بغيره من الدول، تركيا هي الدولة الوحيدة التي وقفت على طول الخط مع السوريين، وهي الدولة الوحيدة التي لا تزال تقول بصوت عال بضرورة رحيل الأسد، مع أن المنطق السياسي البحت يقول إن مصلحة تركيا تصب في إعادة العلاقات مع النظام السوري.
تركيا استقبلت عدة ملايين من السوريين، وإن كان بفوضى وسوء تنظيم، ولكن لم تنخرط بحملة عنصرية ضد اللاجئين كما تفعل النخبة السياسية في لبنان.
سيذكرنا الكثيرون بالحقيقة، التي لا يعلمها إلا الخبراء، أن تركيا ما كانت لتمنع هذه الحملة -أو توقفها على الأقل- على إدلب لولا مصلحة لها في منع تدفق اللاجئين على حدودها، وهذا صحيح بالمناسبة، ولكن لماذا لم تفعل الأردن ذلك حين هاجم النظام درعا؟ أو ماذا فعل لبنان والعراق، البلدان العربيان، لوقف المقتلة السورية، عدا إرسال مزيد من الميليشيات لتعيث في دمائنا؟ وحدها تركيا التي ربطت مصيرها بمصير المستضعفين في سوريا، برغم كل شيء.