الإسهال عند الأطفال.. عرض لحالات مرضية
د. أكرم خولاني
يعتبر الإسهال من أكثر الشكاوى المرضية شيوعًا عند الأطفال في مختلف أنحاء العالم، وعلى الرّغم من كونه شائع الحدوث إلا أن خطورته محدودة، وتكمن تلك الخطورة في التسبب بإصابة الطفل بحالة التجفاف، ما يؤدي إلى اضطراب توازن الماء والأملاح في جسمه، وتزداد خطورة الإصابة بالتجفاف عند الأطفال ممن هم دون الخامسة من العمر بسبب ارتفاع نسبة الماء في جسم الطفل.
ما المقصود بالإسهال؟
يُعرف الإسهال على أنه تغير بقوام البراز (سائل أو يحوي المخاط أو الدم) أو زيادة عدد مرات إخراج البراز (إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف عدد المرات المعتاد، علمًا أن الرضع قد يخرجون البراز 2-5 مرات يوميًا بشكل طبيعي).
ولا يعتبر الإسهال مرضًا، بل هو عرض يصاحب الإصابة بحالات مرضية عدة، ويشيع الإسهال عادة عند الأطفال بعمر بين ستة أشهر وسنتين، وهو سن تناول الأطعمة والتي تشكل المصدر الرئيس للإصابة بالإسهال، أما الأطفال الأصغر من ستة أشهر فنادرًا ما يصابون بالإسهال بسبب المناعة التي تم اكتسابها من الأم عن طريق المشيمة.
للإسهال نوعان:
الإسهال الحاد: يكون الإسهال خلال فترة لا تزيد على 14 يومًا.
الإسهال المزمن: يكون عند معاناة المريض من الإسهال لمدة تزيد على ذلك.
كما أنه يصنف حسب قوام البراز إلى صنفين:
الإسهال المائي: ينتج عن الإصابة بكائنات دقيقة لا تخترق الغشاء المبطن للأمعاء، وغالبًا ما تكون موجودة في القسم العلوي للأمعاء، ويكون البراز سائلًا، ما قد يسبب التجفاف.
الإسهال الزحاري: ينتج عن الإصابة بكائنات دقيقة تخترق الغشاء المبطن للأمعاء محدثة التهابًا فيه، وغالبًا ما تكون موجودة في القسم السفلي للأمعاء (الكولون)، ويكون البراز في هذه الحالات ممزوجًا بالمخاط أو الدم، وتكون نسبة السوائل التي يفقدها المريض قليلة نسبيًا.
ما أسباب الإسهال عند الأطفال؟
ينتج الإسهال الحاد عن أحد الأسباب التالية:
- الإصابة بالتهاب الأمعاء والذي ينتج في معظم الحالات عن العدوى الفيروسية (كفيروس الروتا، والفيروسات الغدية، والفيروسات المعوية) وأحيانًا عدوى بكتيرية (كالإيشريشياكولي E.coli ، والسالمونيلا، والشيغلا، والكوليرا) وتؤدي العدوى الفيروسية للإسهال السائل، والقيء، والحرارة المرتفعة، وألم البطن والرأس، وفقدان الشهية، وتسمى هذه الحالة بالنزلة المعوية، أما العدوى الجرثومية فهي مشابهة لتلك الفيروسية، لذا يصعب كثيرًا التمييز بينهما، لكن البراز في العدوى الجرثومية قد يكون مخاطيًا أو مدمى.
- يستمر التهاب الأمعاء إثر العدوى الفيروسية ما يقارب 3-7 أيام، ويُشفى الطفل من الالتهاب لوحده دون الحاجة لتلقي العلاج، سوى تناول السوائل لتجنب الجفاف.
- التسمم الغذائي الذي يحصل عند تناول الطعام الملوث بأنواع معينة من الجراثيم، مثل المكورة العنقودية أو الكلوستريديا، ويترافق بالغثيان والقيء وألم البطن، وغالبا ما تظهر الأعراض بعد تناول الطعام بعدة ساعات.
- الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية والذي يؤدي للقضاء على أنواع محددة من الجراثيم النافعة الموجودة في الأمعاء، ما يتيح الفرصة لأنواع أُخرى ضارة للتكاثر وإطلاق سمومها.
- الحساسية ضد أنواع معينة من الطعام.
- بزوغ الأسنان من أحد أسباب الإصابة بالإسهال.
- الإصابة بالتهاب آخر في الجسم خارج الجهاز الهضمي، مثل التهاب الأذن الوسطى، التهاب المسالك البولية، التهاب الرئة، وغيرها.
- الإصابة بحالات أكثر خطورة، كالتهاب الزائدة الدودية، أو انغلاف الأمعاء، أو متلازمة انحلال الدم اليوريميائي.
أما الإسهال المُزمن فقد يَنتج عن الحالات التالية:
- الإصابة بالعدوى الطفيلية (كالمتحول الزحاري، والجيارديا)، وتحدث نتيجة تناول المياه الملوثة، أو عن طريق الأيدي الملوثة.
- عدم تحمل بعض الأغذية كاللاكتوز.
- سوء الامتصاص، أو ما يسمى بمرض سيلياك Caeliac disease الذي يسبب عدم القدرة على امتصاص الأطعمة المحتوية على بروتين الغيلوتين كالقمح.
- الإصابة بمرض الأمعاء الالتهابي أو بمرض التليف الكيسي، أو فرط نشاط الغدة الدرقية.
ما العوامل المؤهبة للإصابة بالإسهال؟
- قلة النظافة والعناية الشخصية بالطفل.
- اللعب في الأماكن العامة التي تحمل الجراثيم.
- الرضاعة الصناعية بالزجاجات الخاصة بالأطفال أكثر عُرضة للتلوث والبكتيريا والجراثيم.
- زيارة مناطق ملوثة بالطفيليات أو العيش فيها.
متى تجب مراجعة الطبيب؟
- إذا كان عمر الطّفل يقلّ عن ستة أشهر.
- إذا استمر الإسهال مدة تزيد على ثلاثة أيام.
- إذا كان عدد مرات التبرز المائي كبيرًا جدًا.
- إذا استمر الإقياء بشكل متكرر.
- عند وجود دم مع البراز.
- عند ارتفاع درجة الحرارة لما يزيد على 40 درجة مئوية.
- إذا بدت على الطفل أعراض الإصابة بالتجفاف، كالإعياء العام، وقلة التبول، وتوقف نزول الدموع، وكذلك إذا كانت عيناه غائرتين.
كيف يشخص سبب الإسهال؟
يوجد العديد من الأمور التي تؤخذ بعين الاعتبار لتحديد السبب الكامن وراء الإصابة بالإسهال، كخصائص البراز من لون وكثافة وحجم، وكذلك إذا ما صاحبته أعراض أخرى كالقيء والغثيان وألم البطن، ويجب الاستفسار عن الوجبات الأخيرة التي تناولها الطفل، أو إذا ما تعرض لحيوانات أليفة، أو تناول مضادات حيوية معينة.
ومن المهم أن يجري الطبيب فحصًا جسديًا كاملًا لتشخيص وجود مرض خارج الجهاز الهضمي، ولتقييم وجود ودرجة التجفاف.
ورغم أن العديد من الاختبارات متوفرة ويمكن إجراؤها لتقييم سبب العدوى وشدة الإسهال والتجفاف لدى الطفل، إلا أنه لا حاجة لإجرائها لأن العلاج غالبًا لن يختلف.
كيف يعالج الإسهال عند الأطفال؟
يتكون علاج الإسهال لدى الأطفال من أمرين أساسيين:
أولًا- الحفاظ على اتزان المياه والأملاح: لتجنب التجفاف، ويتم ذلك عن طريق تعويض السوائل عن طريق الفم ORS، وتعرف باسم المعالجة بالإماهة الفموية، وهي طريقة العلاج الأسهل، والأوفر، والأكثر أمانًا، وتوجد عدة أنواع منها في الأسواق، وجميعها تحوي ذات المركبات من الشوارد والسكر والتي فقدها الطفل بسبب الإسهال، ومن المهم أن تكون تركيبة السوائل دقيقة جدًا، لذا فإن تحضير السوائل في البيت أو استبدالها بأنواع العصير المختلفة هو أمرض مرفوض. والكمية التي ينصح بها هي 50-100 مل بعد كل إسهال للأعمار أقل من سنتين، و100-200 مل بعد كل إسهال للأعمار الأكبر من سنتين.
في حال رفض الطفل للسوائل الفموية أو استمرار الإقياء يتم اللجوء لتعويض السوائل عن طريق الوريد، وهي الطريقة الأمثل للعلاج، لكنها تتم في المستشفى حصرًا.
ثانيًا- علاج سبب الإسهال: معظم حالات الإسهال عابرة وتُشفى لوحدها، لذا لا حاجة لعلاج السبب.
يستمر التهاب الأمعاء إثر العدوى الفيروسية ما يقارب 3-7 أيام، ويُشفى الطفل من الالتهاب لوحده دون الحاجة لتلقي العلاج، سوى تناول السوائل لتجنب الجفاف.
في العدوى الجرثومية لا حاجة للعلاج بالمضادات الحيوية في معظم الحالات، لكن العلاج بالسوائل هو المهم، إذا ما كان الاسهال مستمرًا وتم تشخيص الجراثيم التي تؤدي للإسهال فمن الممكن استخدام الصادات الحيوية كالباكتريم والإريثرومايسين والسيفكسيم.
عدوى الطفيليات قد تشفى دون حاجة للعلاج، لكنها قد تستمر لمدة تزيد على أسبوعين، وربما تحتاج للعلاج بالميترزنيدازول.
في إسهال تناول المضادات الحيوية، أساس العلاج هو التوقف عن تناول تلك المضادات، ويؤدي الأمر لتوقف الاسهال خلال يوم أو يومين.
في حالات التسمم الغذائي غالبًا ما تظهر الأعراض بعد عدة ساعات من تناول الطعام، وتتوقف الأعراض لوحدها دون الحاجة لعلاج.
مضادات الإسهال المختلفة غير محبذة الاستخدام لدى الأطفال لعلاج الإسهال، لأنها توقف الإسهال ولكنها تحافظ على الفيروسات والجراثيم داخل الجهاز الهضمي، لذا قد تزيد من مدة الاسهال على عكس المطلوب.
ما الحمية الغذائية المطلوبة في حالات الإصابة بالإسهال؟
عند الأطفال الأصغر من ستة أشهر يجب الاستمرار بالرضاعة الوالدية إضافة للإماهة الفموية، ما عدا الحالات المترافقة مع علامات عدم تحمل اللاكتوز (إسهال له رائحة حامضية واخزة مع غازات وتطبل البطن واحمرار حول الشرج) فيمكن تقليل حليب الأم وإعطاء حليب صناعي خال من اللاكتوز مع حليب الأم لفترة قصيرة، أما في حال كان الطفل موضوعًا على حليب صناعي أساسًا فإنه يبدل إلى حليب خال من اللاكتوز لمدة 2 – 3 أسابيع.
عند الأطفال بعمر ستة أشهر وأكثر ينطبق ما ذكرناه بخصوص الحليب الخالي من اللاكتوز، وينصح بتقديم بعض الأغذية للطفل مثل: شوربة الجزر، مسحوق الجزر، التفاح المهروس، الموز المهروس، البطاطا المسلوقة والمهروسة، ماء الأرز المسلوق، اللبن الرائب الممدد بالماء أو محلول الأملاح الفموية.
ويمنع إعطاء الأغذية التالية:
المشروبات زائدة السكر، العصائر (عدا عصير التفاح)، المشروبات الغازية، مشتقات القمح والطحين، الدسم والدهون، الخضار (عدا الجزر)، الحليب كامل الدسم.
ويجب أن تستمر الحمية لمدة 3-5 أيام.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :