جريدة عنب بلدي – العدد 24 – الأحد – 15-7-2012
روسيا، اللاشيء الكبير، كما يصفها بسمارك، تقف اليوم عائقًا أمام كل المحاولات الساعية لحل الأزمة السورية. والمشكلة أنّ موقفها غيرُ واضح أبدًا. فهي تعلم أنّ الغرب وأمريكا لن يساوموا على مصالحهم الإستراتيجية كُرمَى لعيون الشعب السوري، وتعلم أيضًا أنّ بشار الأسد إلى زوال، وتعلم أخيرًا أنّه لامصالح لها في سوريا مستقبلًا طالما بقيت متمسكةً بموقفها الحالي.
العالم الغربي يعلم أن السوريين سوف يُسقطون الأسد بسواعدهم وقوتهم الذاتية ولو طال الزمن. ويعلم أن التكلفة البشرية ستكون باهظة. ولكنه يفضل الوقوف على الحياد متفرجًا وموحيًا أنه يقف في صف الثورة عبر فرضه بعض العقوبات الاقتصادية، وإصدار البيانات تلو البيانات المنددة ببطش النظام، وعمل قراراتٍ مسدودة الأفق في مجلس الأمن. ولكن المهم أن موقف الثورة بات لايعوّل على كل الحراك الدولي الخارجي، وباتت كل تلك المؤتمرات الدولية تشبه خطابات بشار الأسد الفارغة بالنسبة لهذا الشعب الذي رأى بأم عينيه أن قيمة الدم الإنساني بالنسبة للبعض لاتزال أقل قيمة من المصالح المادية والاقتصادية بين الدول، وربما أقل قيمةً من حملة باراك أوب
نعود لروسيا التي تعتبر أن هيبتها قد ضاعت بين الدول الكبرى بعدما جرى في ليبيا من التفاف حول قرار مجلس الأمن، وتعتبر أنّ تلك الدول قد طعنتها في ظهرها ومسحت بهيبتها الأرض. لذلك نراها اليوم تحاول جاهدةً عرقلة أي قرارٍ دوليٍ أو مشروعٍ سياسيٍ فاعلٍ ومؤثرٍ في الملف السوري، وتستغل حق النقض (الفيتو) كقوةٍ قانونيةٍ بيدها ضد الدول الأعضاء، وتقوى شوكتها ويزيد من صلابة موقفها ثقتها أن تلك الدول غيرُ مستعدةٍ حاليًا لتجاوز مجلس الأمن لتعمل عملًا منفردًا تحت سقف الناتو أو تحت سقف تجمع أصدقاء سوريا.
ذهب المعارضون على إختلاف مشاربهم إلى موسكو، وأكدت موسكو للجميع أنها غير متمسكةٍ بالأسد، وأكد لها المجلس الوطني أنّه لا مصالح محفوظة لها في سوريا إذا ما بقيت متمسكةً بموقفها الحالي في دعم النظام سياسيًا وعسكريًا. ولكن ومع علم موسكو بنتائج موقفها هذا، فهي لاتزال تأخذ دور المعطّل لأي حلٍ سياسيٍ حقيقيٍ. ولا تستحيي من تغيير وعودها للمعارضة، فقد علمنا أن الخطة التي عرضتها موسكو على المعارضة والمجلس الوطني قبل زيارتهم لها وتصورها للفترة الإنتقالية، تغيرت عندما جلسوا معها على طاولة المفاوضات.
روسيا تحاول جاهدةً رد اعتبارها دوليًا، وتقول أنها سوف تقف في وجه أي مشروعٍ أوروبي أو أمريكي نكايًة بهم فقط، ولو كان ذلك على حساب أشلاء ودماء الشعب السوري. وأمريكا ومن ورائها أوروبا وبقية دول العالم لن تجد المانع في التدخل العسكري عندما يقررون هم ذلك، وهذا ما قاله بعض كبار أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي ومنهم جون ماكين. وإذا حدث ذلك فسوف تقف روسيا حينها على الحياد متفرجة على حظها العاثر.