المغزى سياسي أكثر من البحث عن حل
“الدول المصغرة” تختبر “ثلاثي أستانة”
عنب بلدي – ضياء عودة
خرجت “مجموعة الدول المصغرة” بجملة مبادئ حول مستقبل الحل في سوريا بشكل غير علني وغير رسمي، في مشهد سياسي ترجم بعملية اختبار لثلاثي “أستانة” (تركيا، إيران، روسيا)، والذي كثف من اجتماعاته في الأيام الماضية للإسراع بتشكيل اللجنة الدستورية التي تقرر العمل بها في مؤتمر “سوتشي” الروسية، وللتأكيد على المسار السياسي الذي تنشده لسوريا.
جاءت مبادئ “الدول المصغرة”، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا والأردن والسعودية، في ظرف سياسي وعسكري “حساس” تعيشه سوريا، فالمعارك تكاد أن تنتهي في إدلب، ليتم الانتقال فعليًا إلى عملية الحل السياسي الذي بات مقسومًا حاليًا بين رؤية الدول الخمس، وبين دول “أستانة”.
بالعودة إلى شهر كانون الثاني من العام الحالي، نجد أن المبادئ المطروحة حاليًا تشابه بشكل كبير بنود الورقة الغربية التي أعلن عنها في العاصمة الفرنسية باريس من قبل أمريكا وفرنسا، والتي اقترحت على دي ميستورا “الضغط” على وفدي المعارضة والنظام لإجراء مفاوضات جوهرية للإصلاح الدستوري، بالإضافة إلى معايير عملية لإشراف الأمم المتحدة على الانتخابات، وخلق بيئة آمنة ومحايدة في سوريا لإجرائها، بما في ذلك حملات انتخابية “دون خوف”، وإجراءات بناء الثقة.
ويرى المستشار الإعلامي لـ “الهيئة العليا للمفاوضات”، يحيى العريضي، أن محتوى وثيقة “الدول المصغرة” الجديدة واضح للجميع، وفيها بعض النقاط القيّمة والتي لها صفة عملية ميدانية حاسمة، وإلى جانبها نقاط إشكالية يجب النقاش حولها في الأيام المقبلة.
ويقول العريضي لعنب بلدي إن المعارضة السورية تناقش النقاط الإشكالية مع الدول، ومن الممكن أن تضاف بعض المبادئ إلى الوثيقة وقد يلغى بعضها الآخر، مشيرًا إلى أنه “مع ذلك تبقى نقطة متقدمة من ناحية التطبيق الفعلي للمحاور الرئيسية، وخاصةً مسألة الدستور والانتخابات المستقبلية”.
حل جديد من أربعة ملفات
بحسب رؤية الدول الخمس حول الحكومة السورية المستقبلية، يجب ألا ترعى “الإرهاب” أو توفر مأوى للإرهابيين، وألا تمتلك أسلحة دمار شامل، والنقطة الأساسية هي أن تقطع علاقاتها مع النظام الإيراني والمنظمات المسلحة التابعة له، دون أي تهديد للدول المجاورة لها.
وتطرقت الوثيقة إلى موضوع اللاجئين وأكدت على ضرورة توفر الظروف الملائمة للعودة إلى ديارهم بشكل آمن وطوعي، مع الحفاظ على كرامتهم وبمشاركة الأمم المتحدة.
العملية السياسية كان لها جزء كبير في رؤية الدول، والتي أكدت على أن تجري برعاية الأمم المتحدة وفقًا لقرار مجلس الأمن 2254، وأن تفضي إلى إصلاحات دستورية وانتخابات بإشراف الأمم المتحد أيضًا، كما يجب أن تؤدي العملية إلى تحقيق المساءلة، والعدالة الانتقالية، ومصالحة وطنية حقيقية.
فيما يخص ملف إعادة الإعمار في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، ربطت الدول المصغرة العملية بوجود عملية سياسية ذات مصداقية، والتي تؤدي بشكل قاطع إلى إصلاحات دستورية وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، وترضي الدول المانحة.
وأشارت إلى أن تشكيل لجنة دستورية برعاية وإشراف الأمم المتحدة هو الآلية المناسبة لمناقشة الإصلاحات الدستورية والانتخابات والوصول إلى حل للأزمة السورية، لذا على الأمم المتحدة الدعوة لالتئام اللجنة الدستورية بأسرع وقت ممكن.
الإصلاحات الدستورية، بحسب الوثيقة، نصت على تعديل صلاحيات الرئيس لتحقيق توازن أكبر في القوى وضمان استقلالية المؤسسات الحكومية المركزية والمناطقية، ويجب أن يترأس الحكومة رئيس وزراء يتمتع بصلاحيات أكبر مع فصل واضح للسلطات بين رئيس الوزراء والرئيس، وإن تعيين رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة يجب أن يتم بطريقة لا تحتاج إلى موافقة الرئيس.
وأوصت الدول في مبادئها بتطبيق مراقبة مدنية للجهاز الأمني وإصلاحه، مع تحديد الصلاحيات بشكل واضح، وضمان انتقال السلطة ولا مركزيتها على أساس المناطق، إلى جانب إزالة القيود عن إمكانية الترشح للانتخابات، وبالأخص لإتاحة الفرصة أمام اللاجئين والنازحين والمنفيين من سوريا للترشح للمناصب الرسمية، ومن ضمنها الرئاسة.
نقاط إيجابية وسلبية
من المفترض أن الدول المصغرة سلمت مبادئها للحل في سوريا للمبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، في أثناء الاجتماع الذي جمعها معه في جنيف، وكانت تقرير إعلامية قد تحدثت عن أن مسؤولين أمريكيين ناقشوا المبادئ المدرجة في الوثيقة مع شخصيات معارضة ومع مسؤولين أوروبيين خلال زيارة إلى بروكسل قبل التوجه إلى جنيف لعقد لقاء مع دي ميستورا.
ويقول المتحدث الإعلامي لوفد المعارضة إلى “أستانة”، أيمن العاسمي، إن المبادئ المطروحة لها جوانب إيجابية وسلبية، مؤكدًا أنها غير رسمية، ما يعني أن “الدول المصغرة” تحاول اختبار الدول الفاعلة في مسار “أستانة” وهي تركيا وروسيا وإيران.
ويضيف العاسمي في حديث إلى عنب بلدي أنه من الممكن أن تلغى بنود منها ويقبل قسم آخر، ويرتبط ذلك بعدم إعلانها حتى اليوم رسميًا، لافتًا إلى أنها تحمل مغزى سياسيًا أكثر من حل شامل لسوريا، كونها تزامنت مع الاجتماعات المكوكية لثلاثي “أستانة”.
الجانب السلبي للمبادئ، بحسب العاسمي، جاء من كون الوثيقة تجاوزت رغبة الشعب السوري في اختيار الحل الذي يريده وشكل الحكم والدولة، كما تجاوزت البنود الـ 12 التي تحدث عنها دي ميستورا وتضمنت سابقًا بناء الأمن في سوريا من جديد، لتأتي الوثيقة الحالية ببند إصلاح الأمن فقط.
ويوضح العاسمي أن المبادئ الحالية تحدثت عن نظام برلماني في سوريا مستقبلًا، وهذه العملية في دولة خارجة من الحرب تعتبر دمارًا لها وتكون كلبنان والعراق، وتصبح دولة فاشلة.
أما الجانب الإيجابي الذي جاءت به الوثيقة فيتعلق بالإصلاحات الدستورية، إذ لن تبقى الصلاحيات بيد رئاسة الجمهورية، كما أشارت إلى نقطة أساسية بحسب العاسمي وهي مراقبة مدنية للجهاز الأمني.
موضوع اللامركزية لم تحدده مبادئ “الدول المصغرة” بشكل تفصيلي وواضح، ويعتبر المعارض السوري أن اللامركزية إذا كانت لا إدارية فهي ممتازة، لكن إذا كان المعنى لامركزية سياسية فهذا يعني مشكلة كبيرة، وبالتالي الانتقال إلى تقسيم سوريا.
الوثيقة الأمريكية المسربة هي “اللاورقة” التي أعلنها اجتماع باريس، في 24 من كانون الثاني 2018، والتي رفضت المعارضة مناقشتها قبيل اجتماعها في فيينا نهاية شهر كانون الثاني، وعلقت المعارضة السورية، سميرة المسالمة، على الوثيقة المسربة، وأوضحت أن أنها ذات “اللاورقة” التي أعلنها اجتماع باريس، والتي انقسمت المعارضة حيالها، إذ رفض جزء منها مناقشتها قبيل اجتماعها في فيينا نهاية شهر كانون الثاني، في ظل التوجه إلى حوار سوتشي، بينما قبل قسم آخر من المعارضة نتائج اجتماع باريس دون تعديل.
واعتبرت المسالمة، عبر “فيس بوك”، أن الواقع الحالي “أمام ذات الكيانات التي ترفض المبادرات ثم تتباكى عليها من بيان جنيف1 حتى اللاورقة”، وتساءلت، “ما القطبة المخفية في سرعة الرفض، والدم المهدور بذمة مَنْ بعد النظام وداعميه روسيا وإيران؟”.
تناقض مع وجهة النظر الروسيةأعلى النموذج
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أبدى استعداد موسكو في وقت سابق للبحث عن سبل للتفاهم والتعاون بين صيغة “أستانة” وصيغة “الدول المصغرة” حول سوريا، وأشار إلى أن أي تعاون يجب أن يقوم على أساس القانون الدولي والقرارات السابقة التي تؤكد ضرورة احترام وحدة سوريا واستقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها.
ويرى العريضي أن المشهد السياسي الحالي لسوريا يتلخص في مقاربتين، الأولى للدول المصغرة والأخرى لروسيا، والمحوران يتشاوران.
ويعتبر أن روسيا لن توافق على المبادئ المطروحة في الوثيقة بسهولة، لكنها المخرج الوحيد لها.
وتناولت الوثيقة التي تعطي رؤية أمريكا بشكل أساسي قضية إصلاح أجهزة الأمن، على أن تخضع للسلطة المدنية وترفع الحصانة عنها، إضافة إلى عملها بشكل حيادي مع خضوعها للمساءلة والمحاسبة.
ويختلف الأمر عن مضمون وثيقة “سوتشي” التي تحدثت عن “جيش وأجهزة أمن تحت ظل الدستور”، بينما لفتت ورقة دي ميستورا إلى “جيش مهني وخضوع أجهزة الأمن إلى قانون حقوق الإنسان”.
وتدعو المعارضة السورية إلى الانتقال السياسي بتشكيل هيئة حكم انتقالية دون الأسد، على أن تناقش المسائل الأخرى لاحقًا بعد تطبيق القرار “2254” وبيان “جنيف1″، وهذا ما يرفضه النظام السوري.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :