إدلب ومئة عام بين إبراهيم هنانو وبشار الأسد
إبراهيم العلوش
ما إن وزع الجنرال الفرنسي غورو إنذاره الشهير عام 1920، حتى هبت البلاد السورية محتجة ضد الاحتلال، وهبّ وزير الدفاع السوري يوسف العظمة للدفاع عن دمشق، وتفجرت الثورات في سوريا، ومنها ثورة إبراهيم هنانو في الشمال السوري في جبل الزاوية ومحيط إدلب، وبعدها تفجرت ثورة عام 1925 في جبل العرب.
اليوم وبعد ما يقرب من مئة عام، وما إن هب الشعب السوري في آذار 2011 يطالب بالحرية ونهاية عصر المخابرات والاستبداد حتى هب بشار الأسد يدافع عن مزرعة أبيه “سوريا الأسد”، وجاء الشبيحة ينصبون الحواجز، ويعتقلون الناس، ويدفعون بأبنائهم إلى الموت، فهؤلاء أبناء القائد الخالد الذي رباهم في منظمة طلائع البعث، وعلمهم فنون التجسس، والتفتيش، والتعذيب، عبر معسكرات الشبيبة، والصاعقة، والمظليين، وهم رهنوا البلاد للإيرانيين، وللروس، ودمروا المدن والقرى، وهم يحاصرون اليوم جبل الزاوية، وقرى إدلب التي تضم أكثر من ثلاثة ملايين سوري، إنهم يحاصرون بلد إبراهيم هنانو، وينذرون أهله بالموت، ما لم ينفذوا إنذارات قاعدة حميميم الروسية، التي تصدر بعد مئة عام من إنذار غورو. وبنفس الوقت يقوم وزير الدفاع الأسدي، بتوقيع اتفاقيات رهن بموجبها قطعات من الجيش للإيرانيين، بدلًا من الدفاع عن السوريين، وعن مستقبل سوريا الذي ضحى سلفه يوسف العظمة بنفسه من أجل ألا يذكر التاريخ، بأن المحتلين دخلوا البلاد، ولم يهب السوريون بوجههم.
عندما قام إبراهيم هنانو بثورته في ريف إدلب، جمع أثاث منزله وأحرقه أمام الناس، وقال لا أريد شيئًا لي ما دام بلدي محتلًا! في حين أن بشار الأسد ينشر ثقافة التعفيش، والنهب، إذ امتلأت الأقنية الفضائية المؤيدة، والمعارضة، وخزائن اليوتيوب، والفضائيات الدولية بفيديوهات التعفيش التي ترفع صور بشار الأسد، وسط الدمار والخراب الذي نشروه على الأرض بالتعاون مع الميليشيات الإيرانية، والطائرات الروسية التي توزع الصواريخ والغازات السامة.
أسهم إبراهيم هنانو بكتابة الدستور السوري ورَأسَ لجنته في البرلمان عام 1928، في حين أن بشار الأسد أوكل مهمة كتابة الدستور للروس، وللإيرانيين، وللدول الأخرى، فلا يهمه حياة السوريين، ولا مستقبل أبنائهم، بل يهمه الاستمتاع بإذلال السوريين، وتهجيرهم من وطنهم، الذي يريد إعادة تأجيره لمستثمرين أقوياء يضمنون بقاء صورته وصورة أبيه عنوانًا لبلد الخوف “سوريا الأسد”!
دعم الأتراك ثورة إبراهيم هنانو، واستفاد من خبراتهم في القتال، ولكنه رفض الاستسلام لأي من مطامع تقسيم سوريا، أو اقتطاع أجزاء منها، وكان الغربيون حسب موسوعة ويكيبيديا الإلكترونية، يرددون أن الوطنية السورية تنتهي عند حدود حماة، ولكنه خيب آمالهم، وجعل حلب وإدلب في قلب سوريا، وأسهم بتأسيس الوطنية السورية التي حققت الجلاء الفرنسي من سوريا في 17 من نيسان عام 1946.
تبادل إبراهيم هنانو الرسائل مع لينين القائد الشيوعي في موسكو، الذي دعم ثورة الشمال السوري، وأيد مطالب السوريين في الاستقلال، بينما يساريو الجبهة الوطنية التقدمية يؤيدون القتل، والتهجير، وقمع ثورة السوريين، وذلك بدعم من الرئيس الروسي بوتين، وآلته الحربية الضاربة بوحشية، والتي تحتل الأراضي السورية، وتفبرك اتفاقيات وصاية واحتلال تمتد عشرات السنين مع نظام الأسد الفاقد للشرعية.
ألقى الفرنسيون القبض على إبراهيم هنانو في آذار 1922، فتطوع المحامي الشهير فتح الله الصقال مع خيرة محامي حلب للدفاع عنه أمام المحكمة الفرنسية، بينما تقوم اليوم نقابات المحامين في سوريا بدور ابتزاز المعتقلين، وتجميل محاكم النظام، وطرد المحامين الأحرار من صفوفها، والسكوت عن قتل آلاف السوريين في المعتقلات، ورغم أن إبراهيم هنانو حمل السلاح ضد الفرنسيين فإن المحكمة أطلقت سراحه، بينما المحاكم الأسدية اليوم تبارك سَوق عشرات الآلاف بالشبهة إلى أقبية التحقيق وأجهزة التعذيب، حيث يلقى الكثيرون منهم حتفهم في أقبية النظام، غير عابئة بالعدل، ولا بالحق، ولا بكرامة السوريين.
عندما توفي إبراهيم هنانو عام 1932 نعاه الشعب السوري وكتبت عنه النخب السورية السياسية والعلمية والثقافية والاجتماعية، بينما تطالب اليوم كل النخب، وكل الفعاليات الاجتماعية والأهلية السورية برحيل بشار الأسد، وتدعو إلى خلاص سوريا من هذا الكابوس الأسدي، الذي دمر سوريا، وسلّم شعبها للشبيحة وللإرهابيين، ورهن مستقبلها للمحتلين الأجانب.
مئة عام بين بذرة الحرية التي زرعها إبراهيم هنانو ورجاله بتضحياتهم، وبين شجرة الاستبداد السوداء التي ينشر ثمارها بشار الأسد على السوريين، ويجبرهم على تجرع مرارتها بمعونة الميليشيات والطائرات الأجنبية، فالعالم يصطف مطالبًا الأسد والمحتلين الروس والإيرانيين بالكف عن قتل السوريين، وبوقف الحرب ضد إدلب وأطفالها، وينعقد مجلس الأمن من أجل إيجاد سبيل لوقف هذه المجزرة المعدّة لإدلب، بلد إبراهيم هنانو، وتستهدف أهله السوريين الذين ضحى من أجلهم.
بعد مئة عام من ثورة هنانو حقق حفيد سليمان الأسد حلم جده، الذي وقّع على مطالبة الفرنسيين بعدم تحرير سوريا وجعلها محمية أبدية، وطالب بخنقها عبر فصل الساحل السوري عنها، فهل تكون إدلب وثوارها من يعيد شعلة الثورة السورية، ويعيد استقلال البلاد من المحتلين والإرهابيين، بكل أشكالهم وألوانهم، هل ستكون إدلب التي تحتوي اليوم ثوار الغوطة، والزبداني، ودرعا، وحمص، وحماة، والرقة، ودير الزور، هل ستكون مكانًا لإعادة بناء وهيكلة ثورة الحرية، والتي دفع السوريون أثمانًا باهظة من أجلها؟
اليوم وبعد مئة عام من ثورة هنانو يظل هتاف الشعب السوري مستمرًا، رغم كل الاحتلالات، ورغم كل القصف والدمار، هتاف يتدفق من القلب: سوريا بدها.. حرية!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :